قبل نحو ربع قرن.. أدت سياسة الوفاق العام بين واشنطن وموسكو إلى انفراج لا محدود… انعكست تداعياته على معظم أقاليم العالم، ربما باستثناء منطقة الشرق الأوسط لم تلحقها بعد نسمات الحرية.. إذ دانت مقاليدها إثر انزلاق روسيا «المنفتحة» إلى معالجة أوضاعها الجديدة- إلى هيمنة القطب الأميركى الأوحد.. لتتراكم، بسببه، أزماتها المزمنة إلى جانب مشاكلها المستحدثة، ذلك قبل أن يعاود المشهد السياسى فى العالم «التغيير» بشكل كبير مع بزوغ ملامح نظام «متعدد الأقطاب».. من المرجح أن تهيمن أطرافه- على النحو المشهود حالياً- على الكوكب البشرى فى غضون نحو عشرة أعوام- فى تقدير مراكز بحوث دولية- سوف يشغل خلالها الشرق الأوسط بؤرة الاهتمام، سواء لمرجعيات ذاتية أو بسبب التنافس من حوله، بسيان، وفى ظل ما قد يطلق عليه «غزل جيوإستراتيجى» بين الرئيسين الأمريكى والروسى، غير معروف مضمونه أو مداه.
إلى ذلك وفى إطاره، لم تمض سوى ساعات قليلة على تبادل الآراء- هاتفياً- بين الرئيس الروسى ونظيره الأميركى «المنتخب»- حول ضرورة توحيد جهودهما لمكافحة الإرهاب الدولى «العدو رقم واحد»، إلا وسرعان أن استأنفت روسيا الغارات الجوية الكثيفة على معاقله فى سوريا، دونما اعتراض من الولايات المتحدة، الأمر الذى يضاهى مبادرة الكرملين المتحالفة مع واشنطن 27 سبتمبر2001 ضد الإرهاب الدولى، ليس قبل مرور الشهر على تفجيرات نيويورك وواشنطن، ما أثار آنذاك الدهشة كون الرئيس «بوتين» لم يشترط أى مقابل من واشنطن نظير تحالفه معها، وعلى نحو ما كان يفعل أسلافه السوفيت، إلا أن سرعان ما أعطت واشنطن ظهرها لهذا التحالف عقب غزوها أفغانستان أكتوبر 2001، ذلك قبل 15 عاماً من معاودتها الالتزام بالعمل المشترك مع موسكو فى محاربة التطرف الذى لم تقتصر أخطاره منذئذ على روسيا والشرق الأوسط فحسب.. إنما امتدت إلى الولايات المتحدة نفسها وحلفائها الغربيين، الأمر الذى سوف يؤدى الاتفاق بشأن مواجهته ضمناً إلى تخفيف حدة التوتر بينهما فى الشرق الأوسط- وغيره- الأمر الذى يراه وزراء الخارجية الأوروبيين عند اجتماعهم مؤخراً «تطوراً كبيراً»، ذلك فى وقت تسعى أوروبا إلى إعادة ترتيب علاقاتها المباشرة مع روسيا سواء فى أوكرانيا وأوروبا الشرقية.. وفى الشرق الأوسط، خاصة من بعد أن اقتربت تركيا من موسكو على حساب علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة.
فى سياق متصل، تدخل المغامرة العسكرية، السياسية لروسيا فى الشرق الأوسط (سوريا تحديداً) منذ نهاية سبتمبر 2015.. منعرجاً جديداً عبر ارتدادات إقليمية ودولية على جبهات القتال من «حلب» و«الرقة» السوريتين إلى «الموصل» العراقية.. وفى «اليمن» الذى وافق مبدئياً على إيقاف إطلاق النيران اعتباراً من اليوم 11/17، فضلاً عن لبنان المتجه للتعامل مع واقعية جديدة، شأنه مثل مصر والأردن والإمارات، سوف تضطر تركيا إزاءه إلى التكيف مع مثل هذه الأوضاع الجديدة، أما عن إيران فمن المتوقع رجحان الموقف الأوروبى الالتزام بالاتفاق النووى معها، ناهيك عن المسألة الفلسطينية- الإسرائيلية.. إذ تسعى روسيا للمقاربة بين الطرفين من خلال مؤتمر دولى يعقب «ضبط الساعات» بينهما فى موسكو، كما أعلن الرئيس الأميركى «المنتخب» عزمه العمل على إحلال «سلام عادل شامل» فى الشرق الأوسط، ذلك فيما اتفقت سوريا وإسرائيل على عودة قوة دولية لحفظ السلام فى الجولان، وما إلى ذلك من تطورات تتجه فى معظمها إلى العمل على استرخاء الشرق الأوسط تجنباً لما أصبح يهدد السلم والأمن الدولى، وحيث يكفى العالم العربى- فى مركز الدائرة- رياح «الربيع» حروباً لم تفتت مكوناته فحسب، بل هددت تداعياته دول العالم والمجتمع الدولى وقوانينه ودساتيره.. حيث كان الإرهاب المتنقل- عبر اللاجئين- إلى خارجه.. الأثر الكبير فى صعود اليمين القومى «الشعبوي» الذى لن تقتصر تداعياته على العالم الغربى فحسب.. إنما أيضاً على جملة من التغييرات البنيوية فى بلدان الشرق الأوسط.