على كل سياسى انتقاء كلماته بدقة كبيرة لأنه لا يعرف متى سيفوز فى الانتخابات ويصبح رئيسًا، مثل دونالد ترامب، فقد استرسل ترامب فى خطاباته خلال المعركة الانتخابية دون قيود؛ وأعرب عن مكنون أفكاره بشكل تلقائى ووضوح وبلا دبلوماسية، فأخرج ماردا من القمقم، وبعد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، أصبح عليه إعادة المارد مرة أخرى إلى القمقم، ولكن هل سيستطيع؟
فعلى مدى أكثر من عام من الحملة الانتخابية كان برنامجه الرئاسى يدور حول كل ما هو عنصرى وقومى؛ فقد دعا إلى طرد آلاف المهاجرين غير الشرعيين من البلاد ورفض دخول المسلمين الولايات المتحدة، ودعا لبناء الجدار على الحدود مع المكسيك، وشجع على حمل السلاح وقسم البلاد وتحدث باسم الرجل الأبيض؛ هذا الرجل الأبيض الذى فى النهاية انتخبه رئيسا.
وقد أدت كلمات ترامب إلى تفجير مشاعر عنصرية عميقة كانت قد بدأت تظهر على السطح خلال السنوات القليلة الماضية مع تزايد هجمات الشرطة ضد السود بلا سبب، وقتلهم بشكل عشوائى؛ ثم تفجرت تلك المشاعر بعد الفوز فى شكل مظاهرات عنصرية فى مختلف المدن الأمريكية؛ خرج المواطنون يحملون اللافتات التى تؤكد أن العنصرية لم تمت أو تتراجع رغم كل هذا التاريخ من النضال والحرب من أجل حصول السود على حقوقهم المدنية، عكست اللافتات كلمات ترامب:
أمريكا البيضاء، السلطة البيضاء، شيد الجدران، أمريكا أولا، أمريكا عظيمة مرة أخرى .. بل ذهبت المظاهرات إلى حد المواجهة مع السود والمهاجرين والمسلمين، نفس تلك الطوائف التى أكد ترامب كراهيته لها.
ولكن الآن وقد أصبح رئيسا، كان لزامًا عليه الرجوع عن كل تلك المواقف، لأنه كما قال فى كلمة الفوز: سيكون رئيسًا لكل الأمريكيين، سواء كان متوقعا أو لم يكن متوقعا فوزه، إن ترامب يواجه وضعا صنعه بنفسه، وضعا خطيرا سوف يهدد بحرب أهلية، أو مواجهات دامية بين أمريكيتين.
لن يستطيع ترامب إعادة المارد حيث كان، بل عمل على انتشاره فى جميع أنحاء أوروبا، حيث بدأ اليمين المتطرف يظهر برأسه فى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ومناطق أخرى، والمرحلة المقبلة ستكون بكل تأكيد مرحلة التطرف والكراهية.
ولكن رغم أن ترامب هو الذى أطلق هذه الكراهية، لكنه الوحيد الذى يستطيع احتواءها مرة أخرى، والسؤال ليس إن كان يستطيع، بل إن كان يريد ذلك.