Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

فى مدينة العـقاد (341) الإسلام فى القرن العشرين (2)

قوة غالبة وقوة صامدة قوة غالبة! كان من أعجب العجائب أن تلحق بالدولتين الكبيرتين: فارس وبيزنطة، الهزيمة فى بضع سنوات، وأن تجيئهما القوة التى هزمتهما معًا فى وقت واحد، من وراء الرمال أو المجهول أو الغيب. ولم تكن هذه القوة دولة ولا قوة سلاح! ولكنها كانت قوة غالبة لم تصمد لها أىٌّ من القوتين. قالوا

فى مدينة العـقاد (341) الإسلام فى القرن العشرين (2)
جريدة المال

المال - خاص

9:59 ص, الثلاثاء, 8 نوفمبر 16

قوة غالبة وقوة صامدة

قوة غالبة!

كان من أعجب العجائب أن تلحق بالدولتين الكبيرتين: فارس وبيزنطة، الهزيمة فى بضع سنوات، وأن تجيئهما القوة التى هزمتهما معًا فى وقت واحد، من وراء الرمال أو المجهول أو الغيب.

ولم تكن هذه القوة دولة ولا قوة سلاح!

ولكنها كانت قوة غالبة لم تصمد لها أىٌّ من القوتين.

قالوا فى استطلاع السبب إنها خشونة البادية غلبت ترف ورخاوة الحضارة، بيد أن الدولتين اللتين هزمتا معًا كانتا تحكمان الملايين ممن لا يعرفون غير خشونة العيش.

وقيل إنه احتقار العرب للعجم، وكل الناس عجم عند الناطقين بالضاد، ولكن كيف والشعور متبادل لا يقع النصر إلاَّ لجانب واحد. وعن تيه العجم أو الفرس بقوتهم رُوى أن زعيمًا عربيًّا من اللائذين بدولة فارس عرض على قائدهم «مهران» أن يتولى عنهم حرب «خالد بن الوليد» لأنه أعلم بقتال العرب، فلما سمع جند الفرس مصادقة قائدهم ثاروا علية مُحتجين كيف يصادق «ذلك الكلب» على ما قال ! ولم يقبلوا من قائدهم أى تبرير لهذا الوهن وهم الأقوياء!

هذا إلى أن العرب الذين حاربوا الفرس والروم وانتصروا عليهم، لم يكونوا جميعًا من أهل البادية أو الناشئين على الشظف، وكان قائدهم الأكبر خالد بن الوليد مخزوميًّا قرشيًّا من أغنى ذوى الثراء والجاه العريض. وكان أبوه الوليد بن المغيرة ملقبًا بالعدل وبالوحيد، لأنه كان يكسو الكعبة وحده سنة، وتكسوها قريش كلها سنة أخرى. وكان عمه هشام قائد بنى مخزوم فى «حرب الفجار»، وجرى التأريخ به على سنة التأريخ بالأحداث العظام، وكان عمه «الفاكه بن المغيرة» من أكرم العرب فى زمانه، وعمه «أبو حذيفة» أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف الرداء وحملوا إلى النبى عليه السلام الحجر الأسود إلى موضعه بالكعبة قبل الإسلام. وكان من أعمامه «أبو أمية بن المغيرة» الملقب بزاد الراكب لأنه كان يكفى أصحابه مئونتهم فى الأسفار، وكانت نساؤهم توصف بأنهن رياحين العرب.

وعلى ذلك تبطل حجة أو ذريعة خشونة البادية، أو ترف الروم والفرس، أنهما سبب هذا النصر المزدوج!

ولا ينبغى نسيان أن ظاهرة الانتصار تكررت حيث لا عرب ولا روم، بل وكان الفرس فى صفوف أمراء الإسلام، حين حارب السلطان «محمد غورى الأفغانى» قبائل «راجبوت» الهندية، وانتصر عليهم فى القرن الثانى عشر للميلاد، وهم الذين عرفوا فى العالم القديم بالشجاعة والفروسية.

وتكررت الظاهرة فى المغرب، حيث كان المنهزمون من قبائل البربر التى لم تعرف غير الخشونة فى القتال. وتكررت هذه الظاهرة فى مواطن أخرى، لعلى أضيف إليها انتصار أمراء المسلمين على المغول فى «عين جالوت» سنة 1260م، برغم ما عرف عن المغول من فروسية وخشونة ودموية، وبرغم ما كان قد دان لهم بحكم هذه الدموية!

وهنا يبدو أنه لابد إذن من سبب آخر لهذا الانتصار، ولم يكن ذلك إلاَّ «العقيدة» التى حفزت أولئك المجاهدين برغم اختلاف الأقوام والأزمان والظروف.

إنها دفعة هذا الدين الجديد، التى حققت هذه «الغلبة» التى قل إن لم يندر أن تتكرر فى تاريخ الدول والأديان.

وقوة صامدة!

تكرار ظاهرة هذا الانتصار، تدل على أن العقيدة الإسلامية لم تكن فقط «قوة غالبة» مع النشأة والظهور، وإنما تدل على أنها ظلت أيضًا «قوة صامدة» بعد مئات السنين!

فما تفسير هذه القوة التى بقيت صامدة على مر السنين بل القرون؟!

ما بين القرن السابع للميلاد إلى القرن العشرين، قامت دول إسلامية ثم انهارت، وحدث فى فترة من الزمن خروج المسلمين من أوروبا الغربية ودخولهم إلى أوروبا الشرقية، ودالت دولة دمشق وبغداد وقرطبة والقاهرة، وقامت دولة الآسيتانة واسطنبول. ثم ظلت هذه الدولة (العثمانية) كفؤًا للدول الأوروبية مجتمعة أو متفرقة حتى تداعت أركانها وتصدع بنيانها وبقيت قائمة إزاء اختلاف الطامعين فى ميراثها على تقسيمها، وتلاحقت الضربات على البلاد الإسلامية بين هزيمة واضطهاد وتمزيق وتفريق، حتى تمكن منها المستعمرون ولم تبق منها واحدة تنعم بحرية الحكم والاستقلال.

وانتهى القرن التاسع عشر، فإذا بالاستعمار يتراجع، ولا يظفر ببقاء ولا بغناء بسلطان المال والعلم والسلاح.

وإذا بدولتين إسلاميتين- ودعنا من التطوارت الآن! – تبرزان فى آسيا يزيد تعداد كل منهما عن السبعين مليونًا (آنذاك)، هما دولتا : أندونيسيا والباكستان. وإذا بدول آسيوية
وأفريقية تقترب من الحرية، ونالها البعض الآن، وتتخلص من ربقة العبودية، ولا يبدو سندًا حقيقيًّا لها إلاَّ «قوة الصمود» بعد أربعة عشر قرنًا من الدعوة الإسلامية.

إن «قوة الصمود» هنا لعجيبة مثل «قوة الغلبة» هناك.

وقد تتابعت الظروف المتغيرة، وبقيت هذه القوة غالبة صامدة، تتطلب تفسيرًا غير كلمة «العقيدة» مجردة من خواصها ومزاياها.

فما هى هذه المزية التى تميزت بها هذه العقيدة عن غيرها من العقائد الأخرى؟

لقد صادف المبشرين عجزٌ عن النيل من هذه العقيدة رغم ما بذلوه ويبذلونه، وجعلوا يبحثون عن العلة، فظن بعضهم أنها لكونه لا يمنع تعدد الزوجات ولا يحول بين الأفريقى وطلاق زوجاته أو الاحتفاظ منهن بمن يشاء.

وظن آخرون من الباحثين أن سرعة الإقبال على الإسلام بين الهنود، لأنه سوّى بين الطوائف المنبوذة وغيرها من طوائف السادة والأشراف.

وعزا آخرون سرعة انتشاره بين الأندونيسيين إلى أنه صادف هناك شعبًا فقيرًا ساءت ظنونه بساداته من رجال الدنيا والدين، فرحبوا بالدين الجديد.

وقال البعض إن السبب يكمن فى أنه دين بسيط سهل القواعد والأصول، لا تعقيد فيه، لا يحوج المتدين بعد الإيمان بالوحدانية وفرائض العبادة إلى شىء من الغوامض والمراسم التى يتبعها أتباع عقائد أخرى دون أن يفقهوا فحواها أو مغزاها!

وقد أخطأت كل هذه التعلات أو الظنون غايتها!

ومع عودة الأستاذ العقاد إلى الاستشهاد بما كان فى المسيحية من تعدد للزوجات أسلفناه فى تناولنا لكتاب «المرأة فى القرآن»، فإنه ينوه هنا إلى أنه لم يرد تحريم لتعدد الزوجات فى كتاب من كتب العهد القديم أو الجديد، وكل ما ورد وأسلفناه استحسان الإنجيل الاَّ يزيد القس على زوجة واحدة إنْ كان لابد من الزواج، وأضاف الأستاذ العقاد أن «شارلمان» جمع فى القرن التاسع للميلاد بين زوجتين، وزاد عدد زوجاته على خمس كلهن بقيد الحياة غير من فى القصر من السرارى والزوجات «غير الشرعيات»، واعترف قبل وفاته بعشرة من أبناء هؤلاء غير الثمانية الذين ولدوا له من ثلاثة من زوجاته، والأبناء الذين ولدوا له ولم يعترف بهم لأنهم كانوا على غير ما يحب من سمات الأمراء.

ويعاود الأستاذ العقاد الاستناد إلى ما أورده بكتاب «الفلسفة القرآنية»، وقد أسلفناه ولكتابه «عقائد المفكرين» لينتهى باستخلاص سديد إلى أن الغالب على الأوامر الدينية أو آداب العقيدة هو «الشمول» الذى يحيط بالإرادة والشعور والظاهر والباطن ولا يسمح لجانب من النفس أن يخلوا منه، وأنه دفعًا لهذا المبدأ أو الشرط، شرط الشمول فى العقيدة فإن الإسلام يكون هو العقيدة المثلى للإنسان منفردًا ومجتمعًا، وعاملاً لروحه أو عاملاً لجسده، وناظرًا لدنياه أو ناظرًا لآخرته، وفى كل أحواله.

والخلاصة أن «شمول العقيدة» الإسلامية فى ظواهرها الفردية وظواهرها الاجتماعية هو المزية الخاصة فى العقيدة الإسلامية، وهذا الشمول هو الذى يوحى للإنسان أنه «كل» شامل، فيستريح من فصام العقائد التى تشطر السريرة شطرين، ثم تعيا فى محاولة التوفيق بين الشطرين!!

(يتبع)

جريدة المال

المال - خاص

9:59 ص, الثلاثاء, 8 نوفمبر 16