عثرت على نسخة هذا الكتاب صدفة بمكتبتى بعد شهور من صدور المجلد الأول لمدينة العقاد وفوجئت أن حصرى لدليل المدينة قد خلا منه، مع أنى قرأته سابقا وعليه تأشيراتى، وقد صدر فى حياة الأستاذ العقاد بالعدد 108 لكتاب الهلال الصادر فى مارس 1960. وعدت لموسوعة أعلام الأدب المعاصر فى مصر عددى الأستاذ العقاد، إصدار الأستاذ الدكتور حمدى السكوت وآخرين، فوجدتها قد خلت هى الأخرى من ذكر هذا الكتاب ويبدو أن هذا هو الذى أوقعنى فى الخطأ، فلم أتصور أن الموسوعة رغم احاطتها ودقتها قد خلت من كتاب للأستاذ العقاد، صادر ضمن سلسلة شهيرة، وأن هذا الكتاب بمكتبتى وحظيت بقراءته من سنوات.
وضاعف الخطأ فى نظرى، أن الكتاب أعيد نشره بمعرفة الهيئة العامة للكتاب ضمن مجموعة «التنوير» ورقم إيداعه بدار الكتب 4840/1993 وإنْ كانت هذه الطبعة الأخيرة تنقص مقالين عن طبعة كتاب الهلال التى صدرت فى مارس 1960.
واشتركت الطبعتان، الأولى والثانية، فى قصور الفهرست وخلوه فيهما من تفاصيل كان يجب إدراجها ليحاط القارئ بكل مشتملات الكتاب، هذا ونفهم ما دامت الطبعة الأولى قد صدرت فى حياة الأستاذ العقاد أنه الذى اختار المقالات والبحوث المنشورة فيها سنة 1960.
وتخلص مواد الكتاب، فى مقدمة، تلاها الحديث عن قوة غالبة، ثم حديث عن قوة صامدة، لينتقل الكتاب للحديث عن «العقيدة الشاملة» قوام الإسلام، ويتفرع عنها حـديث عن الإسلام والمسلمين فى القرن التاسع عشر، ويجرى على قسمين: 1ـ الإسلام، 2-المسلمون، ويتفرع الحديث عن المسلمين إلى: 1- الدولة العثمانية 2- إيران 3- مراكش. ثم فصل عن أمم غير مستقلة، يتناول: 1- الهند 2- أندونيسيا 3- الصين. ثم فصل عن أمم أخرى تشمل : وادى النيل البلاد العربية الهلال الخصيب أفريقيا الشمالية مسلمو الحبشة السودان التبشير على الإجمال.
ويتعرض الكتاب بعد ذلك إلى «الدعوات ونهضات الإصلاح»، ويتناول: الدعوة الوهابيه السنوسيه طرائق أخرى.
ثم يتعرض الكتاب للمصلحين المعلمين، فيتناول منهم : 1ـ السيد أحمد خان 2ـ جمال الدين(الأفغانى) 3ـ محمد عبده.
ثم يتعرض الكتاب للمهديين، فيتناول : (1) الباب (2) مهدى السودان (3) القاديانى.
ثم يتعرض الكتاب للدعوات ونهضات الإصلاح فى منتصف القرن العشرين : فى آسيا.. دولتان قديمتان: إيران وتركيا ثم فى أفريقيا. ثم « فى نظر الغرب » ثم « آسيا وأفريقيا ».. وبطبعة كتاب الهلال فصل بعنوان: «لو عاد محمد عليه السلام»، ثم آخر عن «التراث الإسلامى ووسائل إحيائه فى هذا العصر» وكلاهما غير موجود بطبعة هيئة الكتاب.
وتنتهى الطبعتان بفصل عن «الغد» الغيب المجهول.
المقدمة.. وفكرة الكتاب
يبدأ الأستاذ العقاد مقدمة الكتاب، بأنه منذ القرن السادس الميلادى تقاسم العالم المعمور دولتان كبيرتان كلتاهما حرب للأخرى، تنافسها ولا تهدأ عن حربها.
دولة المشرق وهى الأكاسرة، أو فارس.
دولة المغرب وهى دولة القياصرة، أو بيزنطة.
ولا ثالثة لهما، وبينهما صحراء جرداء تحفل الدولتان بما حولها، وتسعى كل منهما لمد سلطانها فيها، وتتخذ فيها أتباعًا يطيعونها ويحتمون بها ويلوذون بجوارها.
فارس تسيطر على الحيرة واليمن وبيزنطة تسيطر على أرض غسان والبتراء، وتهم أن تنصب لها أميرًا فى الحجاز يحرس لها طريق الشام من أول الجزيرة العربية.
أما الخطر الذى فرغت له كلتا الدولتين، فهو الخطر من إحداهما على الأخرى، والخطر من قبل النهرين فى العراق، ومن قبل النهر الكبير فى وادى النيل. ولم تزل الحرب بينهما سجالاً فى هذه الأودية.
كان جيش من الفرس قد انهزم فى وقعة «ذى قار» على طرف من أطراف الجزيرة، ولكنها فى نظرهم هزيمة حرس لا هزيمة دولة، ومن ثم لم تتبع فارس هزيمتها فى ذى قار بحذر أو احتراس من تلك الجهة، وظلت على عهدها من الحذر حيث تخشى الخطر، فلا ترفع عينها عن بيزنطة وأتباعها، فى أودية الأنهار أو بين أرجاء الهلال الخصيب.
ولم تحسب فارس، ولا حسبت بيزنطة، أن خطرًا يمكن أن يأتيهما من الجنوب.
فلما جاء كسرى رسول من الجنوب، وقيل له إنه من قبل نبى فى العرب يدعوه إلى دينه، ضحك غاضبًا أو غضب ضاحكًا كيف يجرأ أحدٌ على ذلك، وأمر من يذهب إلى هذا النبى الجسور فيأتيه به حيًّا أو ميتًّا.. ليلقى جزاءه على هذه الجسارة التى اجترأ بها على مقام الشاهنشاه ملك الملوك.
ولما تسامع القوم فى الجزيرة العربية أن ذلك النبى يهم أن يحارب القيصر فى عقر داره سخروا وقالوا لعله يحسبها غزوة من غزوات البادية.
بل قيل ذلك أو شبيه بذلك، بعد ثلاثة عشر قرنًا من القرن السادس الذى استقطموا فيه الجراءة من النبى العربى على عروش الأكاسرة والقياصرة !
ثم كان أعجب العجائب أن تُهزم الدولتان فى بضع سنوات!
وجاءت القوة التى هزمت الدولتين فى وقت واحد، من وراء الرمال، أو من وراء المجهول، أو من وراء الغيب.
قوة غالبة لم تصمد لها قوة. ولم تكن قوة دولة ولا قوة سلاح. وقوة صامدة لا تقهرها قوة.
ولعلنا بهذه المقدمة، قد وصلتنا غاية الأستاذ العقاد من هذا الكتاب الذى يقطع الأشواط لنرى كيف صار انتشار الإسلام فى القرن العشرين.
Email: [email protected]
www.ragai2009.com