طال أمد الحرب فى اليمن لنحو عامين.. قبل أن تتحول اليوم إلى عوامل ضغط على أطرافها المباشرين، سواء من بعد إجهاض محاولة صاروخية «حوثية» كانت تستهدف الأعتاب المكية المقدسة أو من بعد مقتل العشرات فى مجلس عزاء بصنعاء إثر غارة جوية «للتحالف»، فيما بات يشبه الجنون المطبق من كلا الجانبين المتصارعين، وليتوازى ذلك من جهة مع اصطفاف لبنان مطلع الشهر الجارى مع إيران.. ربما لتحييد المسألة السورية.. ومع طرح الأمم المتحدة مقترحها «خريطة الطريق» للتسوية من جهة ثانية بين الفرقاء اليمنيين (الشرعية فى مقابل الحوثيين)، ربما فيما يقارب إرهاصات أولية لمقاصة جيوسياسية مرجحة بين أزمتين رئيسيتين فى شرق المتوسط وجزيرة العرب.. انزلقت إليهما قوى إقليمية ودولية بعينها، مما أصبحتا تهددان السلم والأمن فى الشرق الأوسط، ذلك فى الوقت الذى لا يقف فيه الرئيس السابق «على صالح» بعيداً عن السيناريو الجارى للحالة اليمنية- إن لم يكن وسابق بقايا جيشه وجهاز أمنه السياسى ودولته العميقة- يمثل بما عرف عن برجماتيته الفائقة.. رمانة الميزان للأحداث التالية لخروجه من منصبه وفقاً لمقتضيات «المبادرة الخليجية».. المؤدية قبل سنوات إلى استقرار الأوضاع فى اليمن التى أعقبت (ربيعه العربي).. إلا أنها سرعان ما تفاقمت مجدداً فى صيف 2014 مع استيلاء جماعة الحوثيين وبمعيتها «صالح» بقضه وقضيضه.. على المؤسسات الحكومية فى العاصمة والمدن اليمنية الرئيسية، ولتقود الرياض اعتباراً من مارس 2015 تحالف «عاصفة الحزم» انتصاراً للشرعية اليمنية عبر معارك ضاربة متبادلة لم تسفر إلى اليوم عن غالب أو مغلوب فى حرب بلا نصر، ما قد يشرع الأبواب لتجريب التسويات السياسية.
ومن المفارقة حول هذا السياق، أن يحتفل كلا الفريقين (الشرعية والانقلابيين) قبل شهر ونيف بالذكرى 54 لقيام الثورة اليمنية- باعتبارها مظلة شرعيتهما.. وإن بعدت المشقة.. تداخلت الأهداف.. وتبدلت التحالفات.. وأصبح خصوم الأمس.. رعاة اليوم، والعكس صحيح، بحيث لا يبقى على العهد مع الثورة ربما غير مصر التى يضم ثرى اليمن بين حناياه إلى اليوم نحو عشرين ألف جمجمة من أبنائها.. لم تضيع تضحياتهم سدى لولا مواقف رسمية عربية سلبية- لا تزال- ومع ذلك لا يغيب عن الرئيس المصرى التعهد فى أول نوفمبر بـ«استمرار دعم الحكومة الشرعية.. وفى بذل الجهود لاستقرار اليمن ووحدة أراضيه».. ذلك على النحو الذى تشارك قواتها البحرية والجوية فى تأمين باب المندب وجواره، إلى مواقفها الإيجابية الأخيرة فى مجلس الأمن والجامعة العربية أواخر سبتمبر الماضى، الأمر الذى يتسق مع ثوابت الأمن القومى المصرى- جنوباً- سواء منذ العصر الفرعونى إلى الرومانى.. فالأيوبيين مروراً بعهد «محمد علي» إلى مصر الستينيات حتى اليوم.
على أى الأحوال.. واتصالاً بما سبق من سياق، يحاول المبعوث الأممى إلى اليمن منذ 11/2 إقناع الوفد المشترك من جماعة الحوثيين وحزب الرئيس السابق «صالح».. بخريطة الطريقة المقترحة من الأمم المتحدة لتحقيق السلام- وبموافقة كل من واشنطن ولندن- الأمر الذى قبلته الحكومة الشرعية اليمنية شكلاً وترفضه مضموناً «لتعارضها مع مرجعيات الحوار»، فيما أعلنت جماعة الحوثيين «تحفظها»، إلا من تباين موقف «صالح» مع حلفائه الحوثيين.. إذ يرى المقترح الأممى، يُشكل فى مجمله «قاعدة جديدة للمفاوضات التى يجب أن تستكمل كل الجوانب المرتبطة بوقف العمليات العسكرية»، مؤكداً على ما تضمنته مبادرة وزير الخارجية الأميركى «كيري» التى «توافقت عليها الدول الأربع ودول الخليج سواء فى جدة أو لندن».
إلى ذلك، من الملاحظ حتى الآن الصمت الرسمى لكل من السعودية وإيران على مقترح المبعوث الأممى فى اليمن، ربما انتظاراً لمزيد من عجم العود بين الفرقاء اليمنيين أنفسهم، وإلى ما سوف تسفر عنه من ناحية أخرى دبلوماسية الحرب الجارية هذه الساعات بالنسبة للحالة السورية، وربما دون استثناء نتائج الحملة العسكرية لتحرير «الموصل»، ناهيك عن لعبة «عض الأصابع» بين روسيا التى أصبحت منذ العام الماضى حقيقة ثابتة فى ملفات الشرق الأوسط.. وبين القوى الغربية التى تدافع عن مصالحها فى منطقة نفوذ تقليدية لها منذ بدايات القرن الماضى، وبحيث قد تبقى الحالة اليمنية على جمودها النازف بانتظار أحد أمرين.. إما اتفاقًا إقليميًا- دوليًا فى غياب أطرافها المحلية أو أن يتخلى العرب عن الجلوس فرادى فى مقاعد المتفرجين.. للإمساك بزمام أمورهم بأيديهم- أيهما أقرب- لمرة واحدة وللأبد- نحو انفراجة تحول بين اليمن غير «السعيد»، ومرض جزيرة العرب بأسرها.