وصلنا الآن إلى أبغض الحلال إلى الله تعالى، وقد شاعت هذه العبارة لدى العامة، و ربما جهل بعضهم أنها حديث صحيح للنبى عليه الصلاة والسلام، فيه قال: «إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
ونفهم من هذا ان الطلاق مشروع، ولكنه بغيض بل أبغض الحلال إلى الله تعالى، وفى الحديث: «لعن الله كل ذَوَّاق مطلاق»، وهو من يتخذ الزواج لمتعة ثم يطلق ليتزوج بأخرى من باب اللذة والشهوة، وفى حديث آخر أنه «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس (أى ضرورة) فحرام عليها رائحة الجنة».
وأحب قبل أن نستعرض معًا رحلة الأستاذ العقاد حول الطلاق، أن أضع أمام القارئ بعض التعريفات والمصطلحات والقواعد الأساسية.
الطلاق من لفظه مأخوذ من الإطلاق، بمعنى الإرسال والترك، ومعناه فى اصطلاح الفقة: إنها العلاقة الزوجية التى تربط بين الزوجين.
ويكون هذا الإنهاء كليًّا أو جزئيًا.
والكلى لا تحل المطلقة لمن طلقها حتى تتزوج بآخر، وهى ما يسمى «البينونة الكبرى»
والجزئى يكون فى الطلاق الرجعى الذى يجوز فيه رد الزوجة إلى عصمة زوجها قبل انقضاء عدتها، فإذا انقضت العدة فلا تحل له إلاَّ بعقد ومهر جديدين، وبرضاها بداهة وباختيارها. ويسمى الطلاق الرجعى بعد انتهاء العدة، طلاقًا بائنًا بينونة صغرى، وهى صغرى لأن الزواج جائر دون اشتراط أن تتزوج المطلقة بآخر، ومن هنا كانت هذه البينونة بينونة صغرى، أما البينونة الكبرى فلمن طلقت من زوجها ثلاث مرات، فلا تحل له إلاَّ إذا تزوجت بآخر.
ودليل مشروعية الطلاق فى الإسلام قولة تعالى: «الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» (البقرة 229)، وحكمته أن مع تقديس الإسلام للزواج والعلاقة الزوجية، إلاَّ أنه قد يطرأ عليها ما يجعلها عصية على الاستمرار أو الإصلاح فيكون من الخير لهما الافتراق، أو أبغض الحلال، وفى القرآن الكريم: «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ» (النساء 130).
* * *
ونعود الآن إلى الأستاذ العقاد، الذى يبدأ بأن الزواج والطلاق بنيا على عادات الفطرة فى المجتمعات الأولى، ووجيزها أن الرجل يطلب المرأة ولا تطلبه، والرأى فى الترك لمن له الرأى فى الطلب حتى ليبدو أن كلاًّ من الزواج والطلاق- باختيار أو بقرار الرجل وحده.
ولم يتدخل المجتمع فى مراسم الطلاق، بمعنى خطواته وإدراجه أو توثيقه، إلاَّ بعد فترة طويلة أثبتت الحاجة لزوم إثبات الطلاق فى سجل محفوظ، حماية لحقوق المرأة ووضعها من ناحية، ولإثبات البنوة والميراث من ناحية أخرى، فضلاً عن ضوابط الخيانة إن حدثت أثناء الزوجية، وجاز العودة للمرأة التى طلقت.
وفى هذه المرحلة تقررت مراسم الطلاق فى شريعة العبرانيين، وكل ما كانت تشترطه ان يعطى الرجل لامرأته المطلقة «وثيقة تسريح»، ولها أن تتزوج بغيره بعد ذلك، ولكنها لا تعود إلى زوجها الأول إلاَّ إذا طلقت أو مات عنها زوجها الثانى (سفر التثنية 24: -1 4).
ويبدى الأستاذ العقاد أن مراسم الطلاق جرت على حسب هذه الشريعة إلى ما بعد ظهور المسيحية، واستشهد بما ورد بإنجيل متى، وأغلبه فى الإصحاح التاسع عشر، من أن السيد المسيح عليه السلام استنكر الطلاق لقسوته ودفعه الزوجة إلى اقتراف الرذيلة، ورد بذلك على الفريسيين الذين جاءوه ليجربوه هل يحق للرجل أن يطلق إمرأته لكل سبب، وألحوا بأن موسى كان يوصى بأن تُعطى المرأة كتاب طلاق فتطلق، فأجابهم بأن ذلك كان من أجل قساوة قلوبهم. وأضاف: «أما أنا فأقول لكم إن من طلق إمرأته لعلة غير الزنا يجعلها تزنى، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزنى».
وجدير بالذكر أن نص العبارة التى نقلها الأستاذ العقاد هى للآية التاسعة من الإصحاح التاسع عشر من إنجيل متى، فيما يبدو أنه من واقع طبعة الإنجيل التى اطلع عليها ونقل عنها آنذاك، وقد يصادف أن يطلع القارئ على طبعة أخرى فيجد بعض الاختلاف فى الصياغة، وهذه مسألة معروفة لمن يطالع طبعات العهدين القديم والجديد، فيرى أحيانا بعض الاختلاف فى صياغة آية أو أخرى، وذلك بسبب تعدد الترجمات المنقولة عن النصوص الأصلية، والعبارة التى نقلها الأستاذ العقاد تتفق مع الطبعات القديمة التى اطلعت عليها، ولكنى وجدت- ولذلك لزم التنويه- اختلافًا فى صياغة هذه الآية فى الطبعة الصادرة عن دار الكتاب المقدس (الإصدار التاسع ط 6 2014) حيث جرى فيها النص بأن المسيح عليه السلام بعد أن أجاب الفريسيين بأن ما أذن به موسى، كان بسبب قساوة قلوبهم، أضاف: «ولكن من البدء لم يكن هكذا. وأقول لكم: إن من طلق إمراته إلاَّ بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزنى، والذى يتزوج بمطلقة يزنى» (متى 19: 8، 9) والحوار بأكمله بالإصحاح التاسع عشر من انجيل متى (متى 19: -1 12).
على أنه بغض النظر عن اختلاف بعض ألفاظ الصياغة فى بعض الطبعات، فإن المتفق عليه أن كل الصياغات اتفقت على أن «كتاب الطلاق» ظل معروفًا حتى ظهور المسيحية، وهذه هى نقطة الاستشهاد فى استطلاع مراسم الطلاق التى كانت منذ أيام العبرانيين.
ويضيف الأستاذ العقاد أن طائفة كبيرة من أتباع الكنائس البروتستانتية- تعتمد على نص رسالة بولس إلى أهل «كورنثوس الأولى» (بالعهد الجديد)- لإجازة التفرقة بين الزوجين إذا طال هجر الرجل لامرأته. فقد جاء بالإصحاح السابع من هذه الرسالة على لسان بولس:
«.. أقول لغير المتزوجين وللأرامل، إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا. ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا. لأن التزوج أصلح من التحرق. أما المتزوجون فأوصيهم- لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها، وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة، أو لتصالح رجلها، ولا يترك الرجل امرأته، أما الباقون فأقول لهم- أنا لا الرب- إن كان أخٌ له امرأة غير مؤمنه وهى ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها، والمرأة التى لها رجل غير مؤمن وهو يرتضى أن يسكن معها فلا تتركه. لأن الرجل غير المؤمن مقدس فى المرأة، والمرأة الغير المؤمنة مقدسة فى الرجل. و إلاَّ فأولادكم نجسون، وأما الآن فهم مقدسون. ولكن إنْ فارق غير المؤمن فليفارق. ليس الأخ أو الأخت مستبعدًا فى مثل هذه الأحوال، ولكن الله قد دعانا فى السلام» (رسالة كورنثوس الأولى 7 : 8 – 15).
(يتبع)
رجائى عطية
Email: [email protected]
www.ragai2009.com
فى مدينة العـقاد (335) .. المرأة فى القرآن (10)
وصلنا الآن إلى أبغض الحلال إلى الله تعالى، وقد شاعت هذه العبارة لدى العامة، و ربما جهل بعضهم أنها حديث صحيح للنبى عليه الصلاة والسلام، فيه قال: «إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق». ونفهم من هذا ان الطلاق مشروع، ولكنه بغيض بل أبغض الحلال إلى الله تعالى، وفى الحديث: «لعن الله كل ذَوَّا
رجائى عطية
10:16 ص, الأثنين, 31 أكتوبر 16
رجائى عطية
10:16 ص, الأثنين, 31 أكتوبر 16
End of current post