من الجائز القول عن سحابة صيف مرت بأفق العلاقات المصرية- السعودية فى الآونة الأخيرة.. «رب ضارة نافعة»، إذ سرعان ما يكتشف البلدان أن لا غنى لأحدهما عن الآخر، وأن مصر بصفة خاصة- كاستثناء- لا بديل عنها.. من الصعب استعواضها، حيث يسارع آخرون لملء الفراغ الناشئ عن التخلى المحتمل عنها، والعكس ليس صحيحًا تمامًا، ما يجعل الحوار بينهما حياً.. باتجاه عبور أزمة تلو أخرى، على طول مسيرتهما المشتركة منذ إعلان المملكة السعودية 1932، وفقاً لرؤية عاهلها المؤسس، ولنحو ربع قرن تالٍ قبل أن يتباين موقفهما من الحرب الباردة بين القوتين العظميين وقتئذ، ومن ثم بشأن مشروع «أيزنهاور» لملء الفراغ فى الشرق الأوسط، وليكون الملك السعودى أول حاكم عربى يدخل البيت الأبيض 1957.. محوطاً بترتيبات رسمية وإعلامية تنصّبه وبلاده بديلاً محتملاً عن مصر ورئيسها، قبل أن يبتلع كلاهما الطعم الأميركى الذى ارتد بالسلب على سياستيهما طوال الستينيات (..) إلى أن دهمتهما- العالم المصرى- الهجمة الصهيونية 1967.. ليتشاركا مع سوريا فى الثأر منها نسبياً فى 1973، لولا أن حالت بعدئذ الغيرة الدبلوماسية- ربما- دون اتفاقهم بشأن مقاربة الخيار المصرى نحو السلام 1979، لحساب الراديكالية العربية التى غزت الكويت فى 1990.. وهددت السعودية ودول الخليج، ما دعا مصر لتقديم التغطية القومية- عسكرياً ودبلوماسيًا- للتحالف الدولى فى ردعه للعراق -1991 وما بعده- ولكن سرعان ما تفككت «صيغة إعلان دمشق» بانتهاء حرب الخليج الثانية، بالتوازى مع انعقاد قيادة العالم منذ ذلك الحين للسعودية التى تصدرت بعدئذ كتلة «الاعتدال» العربية 1+2+6 برعاية ومشاركة أميركية.. قبل سنوات من اندلاع ثورات الربيع العربى- وتوابعها- حتى الآن.
منذ يوليو 2013، سارعت مصر، لأسبابها، بمراجعة سياساتها الإقليمية والدولية لعدم التماهى مع الآخرين، إنما لبناء علاقات متوازنة تراعى المصالح الحيوية المشروعة للغير.. على النحو الذى لا ينعكس بالسلب على المصالح المصرية، مثلما ثبت لها عملياً منذ منتصف السبعينيات، وأحدث خللاً فى توزيع الأدوار على الصعيدين الإقليمى والدولى اندرج من ثم على العلاقات بين القاهرة والرياض، ليتوازى صعوداً وهبوطاً مع موقفيهما من كل من سياسات الولايات المتحدة وروسيا فى المنطقة العربية- لا يزال- كذا بالنسبة للامتدادات الإيرانية غرباً من ناحية أخرى، الأمر الذى كان فى الإمكان تجاوزه لو لم تحذ العاصمتان العربيتان واشنطن فى النكوص عن سياستها «الأيدى الممدودة» نحو إيران فى 2009.. إذ سرعان ما ارتدا عن هذه السياسة بمجرد تباطؤ واشنطن عنها، لأسبابها، ليجدا وفاضهما خاوياً.. خاصة بعد إبرام الاتفاق الدولى حول البرنامج النووى الإيرانى يوليو 2015 – بضوء أخضر أميركى، ما شجّع روسيا- ولو بطريق غير مباشر- فى سبتمبر التالى على التدخل العسكرى الصريح فى الأزمة السورية، ولتتغير منذئذ رقعة مسرح العمليات على الصعيدين الإقليمى والدولى، فيما يطالب الرئيس الأميركى السعودية بالتفاوض على «تقاسم النفوذ» مع إيران، الأمر الذى يدعو من ثم إلى المزيد من التضامن بين مصر والسعودية- وليس العكس- حفاظاً على وقف الانهيارات فى النظام العربى، سواء بفعل دول الجوار على أطراف الإقليم، أو من تلك الآتية إليه من وراء البحر.
ولأن مصر ليست دولة صغيرة أو عادية، فإن من المهم لعلاقاتها الاستراتيجية مع السعودية أن تصب فى المصلحة المشتركة للطرفين.. وإن بدت عكس ذلك ظاهرياً، كما من المفيد لهما أيضاً فى هذا المجال أن تبقى الخطوط المفتوحة بين القاهرة وموسكو، مع بغداد ودمشق ومع أطراف يمنية مختلفة.. كما الأمر فى ليبيا، ما يمكّنها- مصر- من أداء أدوار والقيام بوساطات لوضع وجهة النظر العربية فى سياق الإدارة الدولية للصراعات الدائرة فى المنطقة، ما يصب فى رصيد الموقف العربى الموحد (مصر والسعودية)، إذ فى توحد سياستيهما وتتأكد المنعة، وفى فرقتهما يتفاقم الهوان.