رغم تصاعد المطالبات بتجديد الخطاب الدينى كضرورة حضارية، فمن تحصيل الحاصل القول بوجود معوقات عديدة تواجه الأهداف المرجوة منه، دون تحقيقها تفاقم ظاهرة العنف المسلح للمنظمات الراديكالية الإسلامية المستندة لبعض ما تحتويه كتب التراث.. يستخدمونها مبرراً (شرعياً) لتنامى الظاهرة الإرهابية الكامنة بقدم فتاوى عصور سحيقة.. لا تزال تجد متنفساتها، كأبسط وسائل المعرفة، فى مجتمعات تفتقد العدل والحداثة، ما يجعل من الطبيعى أن تتوازى الجهود لتنقية الخطاب الدينى- كمكون رئيسى لبناء الأمم- مع نظرة أكثر شمولاً من مسئولية مصر فحسب.. لتتصل بادئ ذى بدء مع جهود عربية مماثلة على طول الستار الإسلامى العربى من طنجة إلى عمان، ومع السعى- ثانياً- لتطوير التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية باتجاه توسيع قاعدة «الطبقة المتوسطة»- وقدراتها- للمقاربة من ثم بينها وبين الشرائح الطبقية الأخرى على جانبيها، ما يساعد- ثالثاً على وجود مناخ عقلانى يتفاعل بإيجابية مع الحوار- وليس الصراع- بين الحضارات، إذ دون هذه الثلاثية (التجديد- العدالة- الحوار).. ربما يستحيل بلوغ الاستنارة الدينية- المجتمعية غاياتها نحو «التجانس والامتزاج»، بل قد يؤدى إهمالها إلى تكريس المخاطر التى تهدد الأمن والسلم الإقليمى والدولى، ذلك على النحو المشهود- بأقله- فى ربع القرن الأخير، يضاعف من وقعها انتماء مرتكبيها إلى العالم العربى- الإسلامى، ما يرجح حال لم تتحمل المؤسسات المعنية (..) مسئولياتها فى ذلك.. مفاقمة «صراع الحضارات»، ليكون الإسلام والعالم العربى أول ضحاياها، ربما عبر تحالف ثأرى (مقدس) من خصومهما التاريخيين.. تتحدث عنه الصحافة الغربية (..) من حين لآخر- بأقله- منذ الثمانينيات، سواء من خلال الحرب أو بالتفتيت Fragmentation أو باستخدام ما يسمونها «الصدقة الثقافية»، ولتصبح- من ثم- الدعوة إلى الإصلاح الديني/ المجتمعى أكثر إلحاحاً.. وأقرب إلى «فرض كفاية»، على النحو الذى تعمل من أجله القيادة المصرية- منفردة تقريباً- إلا من مشاركات مبعثرة من تخصصات ومعارف مختلفة (..).
فى سياق متصل، قد يجوز القول باستطاعة الطبقات المتوسطة- إذا أحسن حشدها- إلى جانب المؤسسات الدينية والإقليمية المعنية- قيادة قاطرة التنسيق فيما بين ثلاثية كل من التجديد الدينى والحوار الحضارى، وصولاً إلى العدل، ذلك لو أتيحت لهذه القاطرة المؤسساتية أدوات الحركة والفعل، خاصة أن الطبقات الوسطى- عماد هذه الثلاثية فى تشكيل رأى عام علمى متجاوب- ليست كما هو شائع.. فى حالة انكماش وركود- فكرى واقتصادى أو اجتماعى، ذلك رغم تهميشها فى حقبات بعينها، إلا أنها مازالت حية ترزق.. ومستوى معيشتها فى تحسن نسبى مطرد فى العديد من الدول العربية- الإسلامية، ذلك غير تيقظ مداركها المعرفية.. ما يمكنها من التجاوب مع تجديد كل من الخطاب الدينى والثقافى، بسيان، وفى تمتين أواصر التفاعل بين ثلاثية الاستنارة الدينية.