تسعى وزارة النقل خلال الفترة المقبلة لمراجعة الصيغة القانونية لعقود النقل البحرى التى تسببت فى كثير من اللغط لدى الأجهزة الرقابية والقانونية المختلفة، حتى وصل الأمر إلى اصدار أحكام ببطلان تلك العقود، أو تعديلها، وهو ما ترتب عليه توقف العديد من المشروعات.
وأكد المستشار محمد عبدالرحمن، المستشار القانونى لقطاع النقل البحرى، أن الحكم الذى يصدر عن الجهات الرقابية والقضائية، خصوصا على عقود النقل البحرى يأخذ فى الاعتبار القانون رقم 89 لسنة 1998، وهو ما يتم تطبيقه فى الأراضى المخصصة للإسكان، كما حدث فى عقد «مدينتى» التابعة لشركة طلعت مصطفى.
وأشار عبدالرحمن إلى أن القواعد المعمول بها فى هيئات الموانئ تختلف عن أنشطة العقارات، خاصة أنها تقوم بمنح الانتفاع بالنشاط، وليس الأراضى، حيث يكون لدى هيئة الميناء ما يعرف بالمخطط العام، وفى سبيل تنفيذ هذا المخطط يتم طرح مشروعات لمنح الأنشطة التى بموجبها يتم استكمال المخطط العام، مشيراً إلى أنه لا يمكن اجازة هذا القرار أو الحكم من قبل المحكمة الإدارية العليا.
وأوضح المستشار القانونى لقطاع النقل البحرى أنه من خلال الأحكام التى تطلقها الجهات القانونية يتم ارسال رسائل سلبية عن الاستثمار فى السوق المصرية فى الوقت الذى تحتاج فيه السوق لضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية، لافتاً إلى تكرار المشكلة فى الحكم الخاص بمجمع الزيوت فى ميناء «الأدبية»، وكانت هيئة موانئ البحر الأحمر قد قررت تفعيل قانون المزايدات والمناقصات على مشروع تم الانتهاء من مدة حق الانتفاع الخاصة به.
وقال: نظراً للمصلحة العامة للبلاد واستراتيجية نشاط تخزين الزيوت، فقد تم اسناد الأرض لصاحب الشركة بنفس مقابل الانتفاع مع تحريك الحدود السعرية، وفقاً لما هو معمول به فى الجهاز المصرفى فقط، وتم إلغاء اتجاه الهيئة بأن يتم سحب الأرض وإعادة المزايدة عليها لارتفاع الأسعار، وبالتالى سيكون له الأثر الأكبر على السلع الاستراتيجية التى تمس المواطن بشكل مباشر.
من ناحية أخرى علمت «المال» أن هيئة ميناء الإسكندرية اتفقت مع شركة الإسكندرية الدولية لمحطات الحاويات «AICT » وقطاع النقل البحرى، على التقدم بالطعن على الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العلية مؤخراً والخاص ببطلان تعاقد الشركة مع الهيئة لاستغلال 4 أرصفة بموانئ الإسكندرية والدخيلة لمدة 25 عاماً، خاصة أن التعاقد يختلف عما يجرى العمل به فى الأنشطة العقارية، حيث تعتبر الشركة قد حصلت على حق انتفاع الأرصفة لتداول الحاويات ضمن مخطط الميناء.
وأشارت مصادر لـ«المال» إلى أن حكم المحكمة الإدارية العليا استند إلى تقرير هيئة مفوضى الدولة، وليس إلى التعاقد بين الشركة وهيئة الميناء، لافتة إلى أن هيئة مفوضى الدولة كانت قد أصدرت قراراً خلال الأيام القليلة الماضية بقبول الدعوى المقدمة من عدة أشخاص سواء من هيئة ميناء الإسكندرية أو من عمال شركة الإسكندرية لتداول الحاويات ضد العقد المبرم بين هيئة الميناء وشركة الإسكندرية لمحطات الحاويات الدولية «AICT »، والذى تم بموجبه منح الشركة حقوق الانتفاع والترخيص بالتشغيل للساحات والمراسى بالأرصفة من 81/71 بميناء الإسكندرية و98 بميناء الدخيلة، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات.
وأشار تقرير هيئة مفوضى الدولة إلى أن قبول الدعوى المقامة من أحد موظفى هيئة ميناء الإسكندرية وعمال شركة الإسكندرية لتداول الحاويات العامة جاء بناءً على ما أشار إليه الجهاز المركزى للمحاسبات، والذى أعد تقريراً عن المخالفات التى شابت التعاقد ومنها على سبيل المثال تدنى مقابل الانتفاع بالساحات والأراضى المخصصة للشركة المتعاقدة، حيث حددت 3 دولارات تكلفة حق الانتفاع للمتر المربع سنويا كمبلغ ثابت طوال الفترة «25 عاما مدة الامتياز»، فى حين أن القرار الوزارى رقم 142 لسنة 2004 حدد فئة مقابل الانتفاع بواقع 15 جنيها للمتر المربع سنويا للشركات المصرية بزيادة %10 سنويا و24 دولاراً للمتر المربع للشركات الأجنبية.
وأوضح التقرير أن هذا المقابل يعد متدنياً للغاية بفئة مقابل الانتفاع بالترخيص الذى منحته هيئة الميناء لشركة الشرق الأوسط للصهاريج وخطوط الأنابيب عام 1999 والتى تبلغ نحو 29 جنيها للمتر المربع وقابل للزيادة على فترات زمنية، بالإضافة الى تدنى مقابل الترخيص للحاوية حيث تحدد بواقع 20 جنيها للحاوية ووارد أن يزداد كل 5 سنوات 5 جنيهات ونحو 2 دولار للحاوية ترانزيت 20 قدماً و4 دولارات للحاوية ترانزيت 40 قدما مع ثبات فئات الحاويات الترانزيت طوال فترة الترخيص فى حين أن التعاقد المبرم بين هيئة موانئ البحر الأحمر وشركة تنمية ميناء السخنة خلال مايو 1999 بإنشاء وإدارة واستغلال محطة الحاويات بنظام حق الانتفاع بمبلغ 5.7 دولار تتم زيادتها بعد 5 سنوات الى 7.35 دولار ثم الى 8.10 دولار بعد 11 سنة.
وحسب نص التعاقد المبرم بين «هاتشسون» و«وزارة النقل» فإن البند رقم 13 يوضح أن هيئة ميناء الإسكندرية توافق وتقر بأن يكون للشركة الأولوية فى تنمية وتشغيل الرصيف 100 بميناء الدخيلة والساحات المخصصة له قبل أو بحلول نهاية عام 2011، وبالنظر لضخامة المبالغ التى من المفترض استثمارها فى هذا المشروع فسوف تمتنع الهيئة عن أى أرصفة جديدة أو قائمة لاستخدامها كمحطات حاويات وذلك الى أن يتم الانتهاء من إنشاء الرصيف 100.
ونص البند رقم 2-13 على أنه اذا جدت الحاجة مستقبلا فى مصر لطاقات إضافية لتداول الحاويات بعد تمام إنشاء الرصيف 100 فسوف يكون للشركة الأولوية فى إنشاء وتنمية وتشغيل وتولى هذا المشروع وفقا للشروط والأوضاع التى يتفق عليها الطرفان.
وفى السياق نفسه، أحال المستشار طلعت عبدالله، النائب العام، البلاغ رقم 15786 لسنة 2012 المقدم ضد كل من عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، واللواء محمد يوسف، رئيس قطاع النقل البحرى السابق، الى نيابة ميناء البصل بالإسكندرية لإجراء التحقيقات.
وطالب على قسطاوى، محامى النقابة المستقلة للعاملين بشركة الإسكندرية لتداول الحاويات، بالتحقيق معهم فى حيثيات الحكم الصادر ببطلان عقد شركة الحاويات الصينية والحكومة المصرية، وإعادة الأرصفة المخصصة لها الى هيئة ميناء الإسكندرية بعد أن شاب العملية فساد ومخالفة للقانون.
وأوضح قسطاوى أن حيثيات الحكم أشارت الى أن الفساد اتضح من خلال طريقة التعاقد بالاتفاق المباشر مع شركة لا تتمتع بالسمعة الاعتبارية والشخصية الأهلية، وذلك بهدف الاستيلاء على الشركة الوطنية وعلى كل الموانئ.
من ناحية أخرى أكد اللواء حسن التومى، مستشار بحرى لتطوير الموانئ، أن الحكم يظهر خللاً فى المنظومة الحاكمة وقت توقيع العقد ويطعن فى الجهات السيادية ورئيس الوزراء ووزير النقل حينئذ، رافضا طريقة إدارة الأزمة التى تعقد المشكلة ولا تحاول حلها على حد قوله.
وأضاف التومى أن إنهاء التعاقد بهذا الشكل سيضر القطاع، مشيرا الى أهمية التفاوض فى مثل هذه الحالات مع الشركات الأجنبية لإقناعها بأن عليها مستحقات أولا، ثم الاتفاق مع الشركة على إعادة جدولتها أسوة بتعامل الحكومة مع ديون شركات الحديد والصلب المقدرة بملايين الجنيهات، وذلك لأهمية الشريك الأجنبى فى المشروعات الضخمة.
وأشار التومى الى أن الشركات الأجنبية تمتلك كلاً من الخبرة الكافية للإدارة والملاءة المالية فى أنشطة تداول الحاويات، علاوة على أنها استطاعت إحداث رواج فى الموانئ المصرية، موضحا أن الشركات المصرية لن تنجح فى إدارة ذلك النشاط وحدها حالة خروج مثل هذه الشركات من السوق المصرية.
وقال التومى إن المشكلة ستتفاقم اذا لجأت الشركات الى التحكيم الدولى، مشيرا الى أن الحكم لم يصدر لإخلال الشركة بشروط التعاقد، ولكنه صدر بناء على مشكلات فى العقد نفسه، وهو ما قد يقوى من موقف الجانب الأجنبى فى المحاكم الدولية، لافتا الى أن العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص بصفة عامة تقوم على تبادل المنفعة بين الطرفين، بحيث يستطيع القطاع الخاص تحقيق أرباح كافية فى مقابل نقل التكنولوجيا وتدريب كوادر بالأسواق المصرية.
ويتفق إسماعيل مبارك، مستشار شركة تنمية ميناء السخنة، مع الرأى السابق كاشفاً عن مشكلة حقيقية قد يعانى منها القطاع مستقبلاً بسبب إلغاء العقود عن طريق القضاء، مشدداً على ضرورة اللجوء إلى التفاوض مع الشركات لإصلاح أى خلل فى العقود.
من جانبه قال المهندس كريم سلامة، رئيس شركة سلامارين، إن النزاع القائم مع شركة الحاويات الصينية «هاتشسون» يعطى النزاع طبيعة خاصة، ويؤثر على الاستثمار بصفة عامة نظرا لاعتبار الشركة اكبر شركة حاويات فى العالم وامتلاكها نحو 170 محطة حاويات.
وأضاف سلامة أنه لا توجد منطقية فى محاسبة المستثمر بناءً على خطأ الحكومة، أو اللجوء إلى القضاء لفسخ العقد حال خطأ شركة بهذا الحجم، مشيرا الى ان مثل تلك المشكلات يجب ان تحل بالنقاش مع الشركة على مستوى وزير النقل، موضحاً أهمية اعطاء صورة صادقة ومطمئنة للمستثمر الأجنبى عن أمن الاستثمارات فى مصر، وبخاصة فى تلك الظروف.
ولفت سلامة إلى أن تاريخ «هاتشسون» على مستوى العالم يوضح تفضيلها للتخارج كلية من السوق بدلاً من التورط فى مشكلات قانونية أو قضائية، مشيرا الى ان الشركة انسحبت تماما من السوق التركية اثر مشكلة مع النقابات العمالية فى تركيا فى ميناء أزمير،
وأوضح سلامة أن دخول الشركات الأجنبية إلى السوق المصرية زاد من حدة المنافسة وتسبب فى رفع أداء شركات القطاع العام المصرية مثل شركة الاسكندرية لتداول الحاويات التى تحسن أداؤها عقب دخول الشركة الصينية، مضيفا ان شركات قطاع الأعمال رغم كبر حجم مشكلاتها الإدارية والتنظيمية ووجود كم كبير من العمالة الزائدة بها، فإنها تكتسب خبرات وتتعلم بمرور الوقت وبالممارسة والمنافسة فى السوق، موضحاً أن القطاع العام يمكنه جلب إدارات أجنبية لتلك الشركات تديرها بطريقة ناجحة، وتوقع أن تنتج المشكلة الأساسية عن احتكار شركات قطاع الأعمال العام لخدمات الموانئ، وهو ما يقلل كفاءة السوق.