يري مصرفيون ان ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء عدم توسع البنوك الأجنبية علي وجه الخصوص في تدشين فروع ووحدات لها داخل المناطق الفقيرة التي يطلق عليها المساكن العشوائية.
|
واوضح هؤلاء المصرفيون ان ابرز هذه الأسباب يتمثل في الاستراتيجية الداخلية لهذه البنوك، والتي لا تستهدف في الأساس التعامل مع قاطني المناطق العشوائية، بسبب ضعف وعيهم بالثقافة المالية والمصرفية، فضلا عن تفضيلهم الابتعاد التام عن المعاملات البنكية تحت ضغط اعتقادهم بعدم توافقها مع ضوابط الشريعة الاسلامية.
وأشاروا الي ان عامل الربحية له دور كبير في ابتعاد البنوك الأجنبية عن التوسع في تلك المناطق، لافتين الي ان البنوك الأجنبية ترغب في الوصول لأعلي مستويات الربحية، لذا فهي تتوسع في خدمات التجزئة المصرفية الي لا تناسب بطبيعتها سكان المناطق العشوائية نظرا لانخفاض مستوي المعيشة بتلك المناطق وتواضع نسبة الدخل التي يحصلون عليها، وبالتالي تلجأ البنوك الأجنبية الي النوادي والمناطق ذات المستويات المعيشية المرتفعة والتي تكون لسكانها القدرة علي الاقتراض وسداد الأقساط.
وذكروا ان السبب الثالث يكمن في تفضيل سكان المناطق العشوائية للتعامل مع هيئة البريد باعتبارها أقل تكلفة من البنوك فضلا عن قبولها الايداعات البسيطة، وفي حالة اتخاذ قرار بالتعامل البنكي فانه يكون في صالح البنوك الحكومية والتي تحوز ثقتهم بشكل كبير.
وقالوا إنه من الممكن ان يكون هناك عدد من العملاء الكبار في المناطق الشعبية اصحاب المحال والوكالات الكبيرة في الاسواق، وقد يكونون عملاء لدي البنوك الاجنبية ولكن في الفروع القريبة من مناطقهم نظرا لان عددهم قد لا يستدعي تكلفة انشاء فروع لهم في هذه المناطق، بالاضافة الي انخفاض المستوي الثقافي لدي هذه المناطق وانعدام الوعي المصرفي مما يجعل البنوك الاجنبية تحجم عن انشاء فروع لها.
وتبعا لتقرير البنك المركزي الصادر نهاية الشهر الماضي فان فروع ووحدات 39 بنكا عاملة في السوق المحلية ارتفعت في العام المالي 2009-2010 بنسبة %18 بنحو 61 فرعا من 3441 الي 3502 فرع، لكن التقرير رصد وجود تراجع في اعداد الفروع البنكية داخل المناطق الريفية بنحو 23 فرعا من 1038 الي 1015 فرعا خلال الفترة نفسها.
ووفق تقرير آخر للمركزي، فان 5 بنوك تتبع القطاع العام سجلت إجمالي فروع بنحو 2088 فرعا بنهاية عام 2009 فيما وصلت فروع البنوك الخاصة الي 1270 فرعا.
ورصدت “المال” نوعا من التركز لفروع البنوك الأجنبية والخاصة بمناطق وسط البلد ومصر الجديدة والمعادي والمهندسين ومنطقة الهرم بمحافظة الجيزة.
من جانبها، قالت لميس نجم، نائب رئيس »سيتي بنك«، إن ابتعاد البنوك الاجنبية عن المناطق الشعبية يرجع الي ثقافة الافراد في تلك المناطق والتي ترهب في الاساس من التعامل مع البنوك سواء اجنبية او عامة، نظرا لخوفهم من التورط في مشاكل وفكرة عن ان البنوك لا تتساهل في التعاملات.
واضافت ان قاطني تلك المناطق الشعبية يفضلون التعامل مع البريد لتواجده بينهم منذ فترة بعيدة من الزمن الي جانب أن تطور البريد بشكل كبير في الفترة الاخيرة ساعد علي اجتذابهم وهو الذي رسخ فكرة الادخار لديهم من خلال دفاتر التوفير، فلو نطقت كلمة التوفير مع احد افراد المناطق الشعبية اول ما يأتي في ذهنه “دفتر توفير البريد”، بسبب قلة تكلفة العمليات لديه وثبات فكرة ان البنوك خاصة الاجنبية تكلفتها عالية في عملياتها.
واوضحت ان المناطق الشعبية ليست مناطق جاذبة للبنوك خاصة ان سكانها لديهم اولويات اخري غير هؤلاء الذين يتواجدون في مناطق حيوية ومرتفعة المعيشة، ولو لديهم اموال كانوا سيسعون الي تغيير مكان معيشتهم، الي جانب ان البنوك تدرس الاماكن التي تتواجد فيها بالنسبة لمستوي المعيشة و الكثافة السكانية و الثقافة السائدة في المنطقة من خلال دراسات وبحوث السوق.
وقال عمرو طنطاوي، مدير عام الفروع والمعاملات المصرفية في بنك »مصر ـ ايران«، إن البنوك دائما ما تحدد اهدافا عند اتجاهها لتأسيس الفروع الجديدة، اهمها الفئة المستهدف جذبها ضمن عملائها وتخاطبهم، وليس من المتصور ان بنكا يستهدف صفوة المجتمع ويتجه لفتح فروع له في منطقة نائية وشعبية.
واضاف »طنطاوي« ان البنوك الاجنبية جزء كبير من ربحيتها يعتمد علي الترويج الجيد لخدمات التجزئة المصرفية وهو ما ستفقده في المناطق الشعبية نظرا لانخفاض مستوي المعيشة وعدم وجود ضروريات بشكل كاف، بالاضافة الي انهم ليسوا من ضمن الشرائح المستهدفة.
واشار الي ان البنوك الاجنبية تسعي الي العملاء ذوي الدخول المرتفعة حتي يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم، وسداد اقساط القروض التي يحصلون عليها، ويسعون الي الحصول علي رفاهيات الحياة من خلال البنوك الي جانب ان بعض المناطق الشعبية تفتقر الي اهم الضروريات.
واوضح مدير عام الفروع والمعاملات المصرفية للافراد في بنك »مصر ـ ايران« ان ثقافة قاطني المناطق العشوائية تدعم عدم تواجد البنوك الاجنبية في المناطق الشعبية نظرا لانعدام الوعي المصرفي، وبالتالي فإن البنوك الاجنبية والخاصة تنتقي الاماكن التي تسعي للتواجد فيها بسبب سهولة التعامل مع العملاء المثقفين، ورغم ان هذه المناطق الشعبية يوجد بها عدد كبير من التجار لكن اوضاعهم وملاءاتهم المالية فضلا عن الثقافة التي يعتقدونها من عدم توافق العمل البنكي مع ضوابط الشريعة الاسلامية لا يشجع وحدات القطاع المصرفي علي تحمل تكلفة تدشين فروع جديدة لها داخل تلك المناطق
وقال »طنطاوي« إن سبب تواجد البنوك العامة في بعض المناطق الشعبية يرجع الي الفترات الزمنية السابقة التي كانت فيها تلك البنوك تسعي للانتشار وزيادة ثقافة التعامل معها، بالاضافة الي الدور المنوط بها في خدمة مشروعات الحكومة المنتشرة في كل إنحاء الجمهورية كما ان الانتشار بهذه المناطق لا شك انه يساعدها في جذب مزيد من الودائع خاصة ان قاطني المناطق العشوائية لديهم اطمئنان كبير للبنوك الحكومية ويفضلون التعامل معها علي البنوك الأجنبية.
واشار الي ان البريد المصري هو الاكثر شعبية بين الناس لتواجده بينهم منذ عشرات السنين واستقباله اموالهم بكل سهولة ويسر والترويج الجيد لدفتر التوفير فيما مضي وبالاضافة الي انه يجتذب الاموال الضئيلة من الافراد حتي وان كانت جنيها واحدا فقط، الي جانب ضعف العمولات التي يحصل عليها.
وقال انور عبدالغني، مدير أحد فروع بنك التعمير والاسكان بالأسكندرية، إن البنوك الاجنبية تسعي لاقتناص فئة معينة من العملاء وليس جميع العملاء الموجودين في السوق كالبنوك العامة وهو ما يجعلها تنتقي الاماكن التي تتواجد فيها وتنشأ بها فروعها.
واضاف انه لايوجد مانع من ان يكون احد سكان هذه المناطق الشعبية هو عميل لدي البنك الاجنبي ولكن من خلال فرعه في منطقه اخري راقية، نظرا لان اكبر تجار الخضراوات والفواكه والمقاولين يقطنون تلك الاماكن الشعبية ولديهم تقليد راسخ عن عدم الخروج من المنطقة التي تربوا فيها.
واشار »عبدالغني« انه لايوجد اي تدخل لثقافة اهل المنطقة الشعبية في تواجد البنك ام لا فجميع البنوك العامة لا تفرق في تواجدها بين المناطق الراقية والشعبية، وهو ما جعلها قريبة من جميع فئات المجتمع وليست الطبقات ذات الدخل الكبير و المناصب الاجتماعية العليا فقط.