3‮ ‬أسباب تحصن الاقتصاد البرازيلي ضد الصدمات العالمية

3‮  ‬أسباب تحصن الاقتصاد البرازيلي ضد الصدمات العالمية
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الخميس, 24 يناير 08

إعداد ــ علاء رشدي:
 
يدرك البرازيليون جيداً وربما أكثر من غيرهم مدي عنف وقسوة الأزمات الاقتصادية والمالية، فالعواصف والأنواء التي تهدد الولايات المتحدة وأوروبا في هذا المجال تبدو لهم كالنسيم العليل مقارنة بالأزمات الطاحنة التي شهدها الاقتصاد البرازيلي علي امتداد تاريخه القريب.. فالجانب الأكبر من المشكلة يكمن أن اقتصاد البرازيل وهو أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية كان يتأثر بشدة من أي صدمات اقتصادية يتعرض لها العالم الخارجي، فماذا سيحدث إذا واجهت الاقتصادات الغنية مشكلات كبيرة ووقعت من جديدة فريسة للركود خلال العام الحالي؟

 
تقول مجلة الايكونوميست إن ما حدث في الأزمات السابقة لا يبدو جيدا.. فمنذ إصدار العملة الجديدة في البرازيل وهي »الريال« في عام 1994، ذلك العام الذي اعتبره صناع القرار البرازيليون العام الصفري للسياسة الاقتصادية، ليرتفع معدل النمو الاقتصادي ثلاث مرات ليصل إلي مستويات قوية.. وفي كل مرة كان البرازيليون يتوقعون أن بلادهم قد وضعت أقدامها أخيراً علي طريق مستقبل اقتصادي مشرق، ولكن في كل من هذه المرات كان يحدث شيء سيئ يطيح بآمالهم وتوقعاتهم المتفائلة.. في عام 1998 اندلعت الأزمة المالية الآسيوية، وفي عام 2001 انهارت السندات الأرجنتينية، وفي عام 2006 ارتفع التضخم بمعدل متسارع.
 
والآن فإن هناك موجة متفائلة جديدة في أوج ارتفاعها.. فقد حقق الاقتصاد البرازيلي معدل نمو بلغ %6 ــ علي أساس سنوي ــ في الربع الأخير من العام الماضي، وحققت البورصة البرازيلية المعروفة باسم »بوفسبا« طفرة وارتفعت بنسبة %60 خلال عام 2007، ورغم الأزمات والمفاجآت غير السارة التي واجهها الاقتصاد البرازيلي ودفعت خبراءه لاتخاذ جانب الحيطة والحذر بصفة عامة، فإن هناك حالياً من الأسباب ما يدعم الاعتقاد بأن هذا الاقتصاد بات يتمتع بقدر كبير من المرونة، وأصبحت لديه القدرة علي تفادي جانب كبير من الآثار السيئة للأزمات الاقتصادية العالمية.. ويقول ويلسون دانو بريجا وزير الاقتصاد الأسبق في الفترة من 1990 وحتي 1998 والتي شهدت أزمة ارتفاع التضخم، أن الاقتصاد البرازيلي يتمتع الآن بوضع متميز ويستطيع التصدي لأزمات الركود.. ويقول أرنديو فراجا محافظ البنك المركزي السابق والذي يدير حالياً صندوق جافيا للاستثمار، إنه إذا تحسنت أوضاع الاقتصاد الأمريكي والعالمي فإن البرازيل لن تتطور، ولكن إذا تدهورت الأوضاع الخارجية فإن الاقتصاد البرازيلي سيتأثر بلا شك.
 
ولكن ما الذي حدث وجعل اقتصاد البرازيل يتمتع بمزيد من الحصانة؟ بداية، فإن الطلب المحلي قوي حيث بلغ معدل نموه %7 ــ علي أساس سنوي ـ في الربع الثالث من العام الماضي مدعوماً بزيادة معدلات الاقراض، واحتمالات تراجع هذا الطلب تبدو ضعيفة جداً في الوقت الحاضر.. أما السبب الثاني فيتعلق بنجاح البرازيل في التكامل بشكل فعال مع الأسواق العالمية، فالاقتصاد البرازيلي لم يعد يعتمد علي الولايات المتحدة والتي أصبحت تتلقي أقل من %20 من صادرات البرازيل، أما نسبة الـ %80 المتبقية من الصادرات فتتوزع بشكل متوازن علي آسيا وأوروبا وبقية دول أمريكا اللاتينية.. ويأتي غالبية إنتاج البرازيل المخصص للتصدير في صور منتجات أولي من العصائر إلي كرات القدم مما يعني أن نمو الصادرات يرتبط بقوة بأسعار السلع، ولا تنحصر الصادرات البرازيلية في سلع أولية بعينها مثل جارتها فنزويلا التي تعتمد علي تصدير البترول، وإنما هناك تنوع في صادرات البرازيل، فعلي سبيل المثال إذا خفضت الصين وارداتها من الحديد الخام البرازيلي، فإن الصينيين يستغنون عن اللحوم البرازيلية.
 
ويتمثل السبب الثالث في أن البرازيل باتت أكثر حصانة وقوة أمام الصدمات المالية عما كانت عليه من قبل، ويرجع ذلك إلي أن البنك المركزي البرازيلي يعمل باستقلالية وشفافية، إضافة إلي سياسة تدعيم سعر صرف العملة التي تم تبنيها منذ عام 1999.. فقبل ذلك التاريخ وعندما كان يتدهور الحساب الجاري فإن البنك المركزي كان يجد نفسه مضطرا لرفع معدلات الفائدة مما كان يصيب النمو الاقتصادي في مقتل.
 
وتخلت البرازيل أيضاً عن تقييم دينها بالدولار الأمريكي حيث كان ذلك يسبب لها مشاكل جسيمة في الأزمات المالية السابقة في تلك الأوقات كان أي انخفاض في العملة البرازيلية أمام الدولار يؤدي إلي تضخم الدين الحكومي مسبباً مزيداً من المشاكل.. وتقيم الحكومة الآن دينها بالريال البرازيلي..وعندما فقد الريال %11 من قيمته خلال أسبوعين في شهر أغسطس الماضي، تقلص الدين الحكومي بدرجة ملحوظة، وذلك علي عكس ما كان يحدث في الفترات السابقة.. وتتلقي البرازيل استثمارات أجنبية مباشرة قوية وتمتلك الآن احتياطيات كبيرة من الدولارات.
 
وارتفع معدل التضخم ليصل في شهر ديسمبر الماضي إلي %4.5 ــ علي أساس سنوي ــ وهذه هي النسبة التي كان يستهدفها البنك المركزي، وتشير توقعات غير مؤكدة إلي احتمال حدوث ارتفاع طفيف في معدل التضخم في عام 2008، فإن ذلك يمكن ألا يحدث حيث أخطأت الأسواق من قبل في توقعات مماثلة.
 
ولكن اقتصاد البرازيل مازال يعاني من بعض المشكلات، فالدين الحكومية مازال مرتفعا، والاستثمارات البرازيلية مازالت عند مستويات منخفضة، ويري خبراء ومحللون أنه إذا استطاع الاقتصاد البرازيلي تحقيق معدل نمو قوي ومستقر وتمكن من تفادي الآثار الضارة للركود الاقتصادي العالمي، فإنه سيحقق طفرة لا بأس بها خلال السنوات العشرة القادمة.
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الخميس, 24 يناير 08