«التعويم» كلمة السر فى تحويل البوصلة الى الشراء وروشتة لمضاعفة حجمها
«المال» تطور حركة المستثمرين الأجانب والعرب فى البورصة المصرية خلال الـ10 أعوام الأخيرة، بين بيع وشراء الأسهم المقيدة،
وتحديدًا خلال الفترة من 2008 وحتى 2018، للوقوف على صافى التدفقات الأجنبية والعربية للسوق المحلية.
وقد أظهرت البيانات التى تحصلت عليها «المال» من صندوق النقد العربى وتقارير البورصة المصرية، أن الأعوام الـ10 الأخيرة شهدت تحولات كبيرة وشديدة فى حركة المستثمرين الأجانب والعرب،
وفقًا لمحددات ذات تأثير كبير وأبرزها ثورة 25 يناير والأحداث السياسية المتعاقبة لها، بالإضافة إلى قرار تحرير سعر الصرف فى نوفمبر من 2016.
وسجلت التدفقات الاستثمارية الأجنبية والعربية معًا لسوق الأسهم فى مصر، صافى شراء بقيمة 28.8 مليار جنيه،
وهو رقم أثار التساؤل حول مدى تناسبه وتوافقه مع إمكانيات الاقتصاد المصرى وجاذبية البورصة المصرية.
«المال» طرحت التساؤل السابق على خبراء سوق المال، فى محاولة لرسم صورة أكثر تعبيرًا عن حركة الاستثمارات الأجنبية والعربية فى البورصة خلال الفترة المقبلة،
بالإضافة الى إعداد “روشتة” بالملفات المطلوب إنجازها لمضاعفة الرقم المرصود.
واتفق خبراء البورصة على أن الرقم المرصود من قبل «المال» لا يُعبر مطلقًا عن إمكانيات الاقتصاد المصرى بشركاته ومجالاته المتنوعة،
مؤكدين أن البورصة المصرية أمام فرصة لا تُعوّض لجذب استثمارات أجنبية خيالية حال تنفيذ بعض الشروط.
وأضافوا أن المشكلة الأبرز أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية والعربية بشكل يتناسب مع الدولة هى غياب البضاعة “الشركات” التى تُزيد من عمق السوق المحلية،
وترفع من معدلات وأحجام التنفيذ به يوميًا.
24 مليار جنيه صافى مشتريات أجنبية وعربية فى 3 سنوات فقط
كشفت البيانات الرسمية، أن المستثمرين الأجانب والعرب قد سجلوا صافى بيع لعمليات على الأسهم المصرية فى عام 2008 –الأزمة المالية العالمية- بقيمة 960 مليون جنيه.
إلا أنه سرعان ما تحولت الدفة نحو الشراء لاستغلال حالة انخفاض الأسعار فى عام 2009، ليسجلوا صافى شراء بقيمة مليار جنيه،
وهو الاتجاه الذى استمر بشكل إيجابى للغاية فى 2010، بصافى شراء 7.4 مليار، بنسبة نمو %640.
ولكن الأقدار دائمًا ما ترسم طريقًا مختلفًا، إذ تسببت الاضطرابات السياسية فى تحول الأجانب والعرب الى البيع مجددًا، ففى عام الثورة 2011، سجلوا صافى بيع بقيمة 4.14 مليار جنيه،
ليستمروا فى بيع الأسهم بالبورصة مسجلين صافى بيع 4.163 مليار جنيه فى 2012، ثم هدأت وتيرة البيع فى عام 2013 مسجلين 2.03 مليار جنيه.
وفى عام 2014، تحولت دفة الأجانب والعرب نحو الشراء عقب 3 أعوام من البيع المتواصل، ليسجلوا صافى شراء بقيمة 3.4 مليار جنيه،
إلا أنهم لم يستمروا كثيرًا فسرعان ما عادوا للاتجاه البيعى فى عام 2015 مسجلين صافى بيع طفيف بقيمة 108 ملايين جنيه.
وجاءت أعوام الازدهار للبورصة المصرية وتحديدًا منذ عام تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016، إذ بدأ الأجانب والعرب تسجيل سلسلة قوية من مشتريات الأسهم،
بصافى شراء 7.856 مليار جنيه فى ذلك العام، ثم 10.080 مليار فى 2017، وأخيرًا بقيمة 6.38 مليار جنيه فى عام 2018، بقيمة إجمالية بلغت 24 مليار جنيه فى السنوات الثلاث.
الجدير بالذكر أن الاستثمارات الأجنبية والعربية منذ بداية 2019 وحتى نهاية أغسطس قد تحولت إلى دفة البيع، مسجلة 2.2 مليار جنيه.
كان من الممكن أن يكون الرقم «أكبر بكثير» و«التعويم» أحدث الفارق
من جهته قال إيهاب رشاد، نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر إنترناشيونال لتداول الأوراق المالية،
إن صافى استثمارات الأجانب والعرب فى الأعوام الـ10 الأخيرة، كان من الممكن أن يكون أكبر من ذلك بكثير.
وأضاف أنه رغم تسجيل الأجانب والعرب صافى شراء خلال الأعوام الـ10 الأخيرة،
إلا أن السوق المصرية تُعانى من حالة من الضعف على مستوى قوة الشركات المقيدة، والبضاعة المتاحة أمام المستثمرين.
وشدد نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر إنترناشيونال لتداول الأوراق المالية،
على أن قرار تحرير سعر الصرف “تعويم الجنيه” تسبب فى إحداث فارق كبير فى حركة الأجانب بالسوق المحلية.
إيهاب رشاد: تجربتنا أثبتت جاذبية السوق المحلية عند الأجانب ولكن..
وأشار رشاد إلى أن تجربته فى التعامل مع المستثمرين الأجانب والعرب أكدت له جاذبية البورصة المصرية،
لافتًا إلى أن هؤلاء المستثمرين ينظرون إلى السوق المحلية باعتبارها فرصة استثمارية جيدة إلا أنها تُعانى من غياب البضاعة.
وأكد أن أزمة غياب البضاعة هى معضلة مستمرة فى السوق المحلية لأعوام كثيرة، مشيرًا إلى أن تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية قد يكون حلًا مثاليًا.
ولفت رشاد إلى أن عودة الأجانب إلى البيع خلال الـ8 شهور الأولى من 2019، يعود إلى أزمة الأسواق الناشئة التى انفجرت مؤخرًا،
وهروب الاستثمارات الأجنبية منها، متوقعًا تحسن فى التدفقات الأجنبية بشكل عام فى الفترة المقبلة.
وشدد على أن المستثمرين الأجانب بحاجة إلى التأكد من استقرار السوق، موضحًا أنه كلما زادت الاستثمارات المحلية فى البورصة كلما ارتفعت نظيرتها الأجنبية،
مشيرًا إلى أن طرح «فوري» ساهم فى تحسين الصورة عن البورصة، مطالبًا بتنفيذ طروحات شبيه تضمن مشاركة مصرية كبيرة تكون بمثابة عامل الجذب للمستثمرين الأجانب.
حالة تفاؤل ببرنامج الإصلاح الاقتصادى
من جانبه، قال إيهاب السعيد، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية ورئيس قسم التحليل الفنى بشركة أصول للسمسرة،
إن معدل شراء الأسهم للمستثمرين الأجانب والعرب قد ارتفع فى الأعوام الـ 3 الأخيرة، نتيجة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تسبب فى حالة من التفاؤل بسوق المال بشكل عام،
وقرار تحرير سعر الصرف بشكل خاص.
وأضاف أن مشتريات الأجانب تكون عادة بغرض الاستحواذ على حصص من الشركات المقيدة بالبورصة، والاحتفاظ بها لفترات زمنية طويلة،
مؤكدًا أن تلك المشتريات ساهمت فى دفع السوق نحو الصعود.
إيهاب السعيد: الرقم لا يتناسب مع دولة بحجم مصر.. و«البضاعة» هى الحل
وأوضح عضو مجلس إدارة البورصة المصرية ورئيس قسم التحليل الفنى بشركة أصول للسمسرة،
أن الرقم المرصود من قبل «المال» بشأن صافى الاستثمارات الأجنبية فى الأعوام الـ10 الأخيرة والبالغ نحو 28.8 مليار جنيه تقريبًا،
لا يتناسب مع إمكانيات الاقتصاد المصرى وقدرات البورصة المصرية، وذلك إذا ما تم تقييمه بالدولار.
وتابع: هناك عوامل كثيرة تتحكم فى حجم التدفقات الأجنبية والعربية للسوق المحلية، منها قيم وأحجام التعاملات اليومية،
وحجم الشركات المدرجة، والقيمة السوقية للبورصة، لافتًا إلى أن السوق المحلية فى حاجة ماسة إلى تعظيم وتعميق حجمها من خلال طرح شركات كبيرة وعملاقة.
وشدد السعيد على أن البورصة المصرية تستطيع جذب استثمارات أجنبية وعربية بأرقام مضاعفة فى حالة تم تهيئة المناخ الاستثمارى،
وتنفيذ الخطط المعلنة من قبل الحكومة، وأبرزها برنامج الطروحات الحكومية الذى يتم تأجيله شيئًا فشيئًا.
وتوقع عضو مجلس إدارة البورصة المصرية ورئيس قسم التحليل الفنى بشركة أصول للسمسرة،
ارتفاع الاستثمارات الأجنبية والعربية فى السوق المحلية خلال الفترة المقبلة، شريطة بدء البرنامج الحكومى للطروحات،
وإحداث التنوع المطلوب فى التمثيل القطاعى بالسوق.
وأكد أن الحجم الطبييعى لقيم التداولات اليومية فى البورصة المصرية يقدر بـ2 مليار جنيه،
مشيرًا إلى أن الأجانب قادرين على رفع التداولات لذلك المستوى حال وجود البضاعة الجاذبة والتى تستطيع احتواء محافظهم المالية الضخمة.
ولفت السعيد إلى أن استكمال السياسة التوسعية للبنك المركزى فى خفض الفائدة وتشجيع الاستثمار المباشر وغير المباشر أمر غاية فى الأهمية
لما له من آثار إيجابية تتعلق بتحول دفة الأجانب من الاستثمار فى أدوات الدين إلى الاستثمار بالأسهم المقيدة بالبورصة.
فرصة لا تعوض
من جانبه، أكد هشام حسن، مدير الاستثمار بشركة رويال لتداول الأوراق المالية،
أن البورصة المصرية أمام فرصة لا تعوض لجذب أرقام ضخمة من التدفقات الأجنبية والعربية على حد سواء،
وذلك حال تنفيذ خطوات فى غاية السهولة، من أبرزها اتخاذ القرارات وتنفيذها بمعدل سريع،
جذب مستثمرين جدد عبر توفير بضاعة قوية مثل البنوك وشركات البترول، “إنبي” و”بنك القاهرة”.
هشام حسن: الفرصة لا تعوض لجذب استثمارات ضخمة.. والسرعة أمر مهم
وأضاف أن قرار تحرير سعر الصرف “التعويم” ساهم فى إحداث فارق فى قيمة الاستثمارات الأجنبية والعربية،
مؤكدًا أن السوق فى حاجة إلى تعميق أكبر وإتاحة آليات جديدة للتداول
مثل “الشورت سيلينج” و”العقود والمشتقات المالية” بالإضافة إلى نشر ثقافة التعامل على تلك الأدوات.
وأوضح مدير الاستثمار بشركة رويال لتداول الأوراق المالية، أن البورصة مطالبة بالعمل على نشر ثقافة الاستثمار فى السوق،
وتغيير العقلية المسيطرة على تحركات المستثمرين فى الوقت الراهن وهى “المضاربة”.
وحذر حسن من التأجيل المتكرر لبرنامج الطروحات الحكومية،
والذى قد يتسبب فى حالة من الفتور لدى المستثمرين تؤثر سلبًا على قيم وأحجام التداول،
ومن ثم خضوع السوق لسيطرة القوى البيعية وعمليات جنى الأرباح.
ارتفاع الدولار سيسهم فى زيادة الاستثمارات الأجنبية
من جهته، قال مدير استثمار بأحد بنوك الاستثمار الكبرى
–مفضلًا عدم الكشف عن هويته- إن التوقعات تُشير إلى ارتفاع مرتقب فى سعر الدولار أمام الجنيه المصرى،
وهو الأمر الذى قد يتسبب فى تدفق أكبر من الاستثمارات الأجنبية للسوق المحلية.
وأضاف أن “تعويم الجنيه” ساهم بشكل رئيسى فى تسجيل الأجانب والعرب لصافى شراء خلال السنوات العشرة الأخيرة،
إذ تم تسجيل صافى شراء فى السنوات الثلاثة بعد التعويم بقيمة 24 مليار جنيه.
وأوضح مدير الاستثمار أن السوق فى حاجة إلى مزيد من الطروحات لزيادة عمق السوق
بشكل يمكنّها من احتواء أكبر حجم ممكن من الاستثمارات الأجنبية المخصصة للأسواق الناشئة.
وأشار إلى أن صافى الاستثمارات الأجنبية والعربية خلال الـ10 أعوام الأخيرة غير مرضٍ
أو معبر عن إمكانيات الدولة المصرية التى تستطيع جذب أرقام مضاعفة حال وجود مناخ استثمارى مشجع.