دعا خبراء التخطيط العمرانى خلال الجلسة الأول لمؤتمر ومعرض «انتر بيلد » لمواد البناء يوم الخميس الماضى إلى إعادة تقسيم مصر إدارياً ليزيد عدد الأقاليم الإدارية السبعة الحالية إلى أكثر من ذلك حتى يتم توزيع مخصصات التنمية على المحافظات وفق احتياجاتها
.قالت الدكتورة مها محمد، مدير عام التخطيط الإقليمى بالهيئة العامة للتخطيط العمرانى، إن آخر تقسيم إدارى لمصر والمعمول به حاليا وضع قبل 30 عاماً ولا يواكب التطورات المتلاحقة على بنية المجتمع المصرى وتوزيعه الجغرافى، كما غلب عليه مراعاة العنصر الامنى فى التقسيم متجاهلا باقى العناصر التى يجب أن يراعيها المخطط فى تقسيمه الإدارى مثل التنمية الاقتصادية والاستفادة المثلى من الموارد المحلية للمحافظات والأقاليم، ومن ثم فالتقسيم الحالى لمصر يعد ابرز الاسباب التى ادت إلى الهجرة من الريف والصعيد إلى المدن بحثا عن مصادر الرزق أو الدراسة أو غيرهما، وبالتالى هو المتسبب فى تكون العشوائيات لا سيما الموجودة فى إقليم القاهرة الكبرى .
وأوضحت أن اول خطة تنموية عرفتها مصر الحديثة كانت بداية الستينيات من القرن الماضى عندما كان هدف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تحويل مصر من دولة تعتمد فى الأساس على الزراعة فى اقتصادها إلى دولة صناعية اسوة بالدول الاوروبية والامريكية وبالفعل نجح عبد الناصر فى الوصول لـ «التشغيل الكامل » أى أن نسبة البطالة لم تكن تتعدى %2 ، ولكن العقبة الوحيدة التى أدت إلى فشل الخطة بعد ذلك أنها لم تراع البعد المستقبلى، أو أن مصر فى خضم فترة حروب ونزاعات مستمرة مما يعرض البنية التحتية للتدمير فى أى وقت، وهو ما حدث فى نكسة 1967 وأصبحت الخطط الموضوعة لا تناسب الظروف التى كانت تمر بها مصر وقتها وتم وإلغاؤها .
وقالت إن مصر ظلت دون خطة تنموية مكتملة معتمدة حتى عام 1977عندما زار الرئيس الراحل أنور السادات الولايات المتحدة الامريكية ووجدهم يطبقون نظام الولايات وكل ولاية تحتوى على عدد من المقاطعات ووجد هذه الاستراتيجية تطبق بشكل صحيح ومجد يسمح لكل ولاية بالاستفادة من مواردها المحلية التى تنفرد بها دون الولايات الأخرى مما يصب فى النهاية فى مصلحة الاقتصاد الكلى الامريكى وعندها كان اول قرار اتخذه السادات عندما عاد إلى مصر هو البدء فى إعداد خطة تنموية تشمل مصر كلها تستهدف تقسيم مصر لعدد من الأقاليم ويتم توزيع المحافظات الموجودة وقتها وتم إسناد مهمة التخطيط لثلاث جهات تعمل منفصلة ومتزامنة وهى معهد التخطيط، وأجهزة الحكم المحلى والجامعات وبالفعل اصدر السادات قراراً جمهورياً رقم 495 لعام 1977 بتقسيم مصر لسبعة أقاليم، لكل إقليم حاكم اعلى ويرأس رئيس الجمهورية هؤلاء الحكام .
وأضافت أن سرعان ما تم تعديل هذا المخطط فى عهد وزارة على لطفى الذى ألغى إقليم مطروح وضمه مع الإسكندرية بهدف تطوير منطقتى مطروح والسلوم اللتين كانتا تعانيان اهمال المخططين والخطط الاستثمارية وبعدها اصدر السادات قراراً جمهورياً آخر بإعادة إقليم مطروح وفصل منطقة سيناء عن إقليم البحر الاحمر مستندا على أن سيناء تمثل %6 من مساحة مصر وتستحق أن تكون إقليماً مستقلاً بذاته وتم إنشاء هيئتين بموجب القرار الجمهورى الأولى هيئة فنية وتحمل على عاتقها اعداد الخطط التنموية لكل إقليم على حدة وكيفية تعظيم المنفعة من موارد كل إقليم، والهيئة الاخرى أطلق عليها «الهيئة التقريرية » وتضم رؤساء الأقاليم الثمانية برئاسة رئيس الجمهورية، ولفتت إلى أن هذه اللجنة التقريرية قانونا موجودة حتى الآن إذ لم يصدر قانون أو قرار يلغيها أو يعدل مهامها على الرغم من عدم اجتماعها حتى الآن سوى مرة واحدة .
وقالت إن جميع الخطط التنموية حتى ذلك الحين كانت تقتصر على الحيز العمرانى الموجود بالفعل وكيفية الاستفادة منه ولذا صاحبت كل هذه الخطط انحسار مساحات الرقعة الخضراء مقابل تفشى الحيز البنائى، واول من خطط لزيادة المعمور السكنى دون المساس بالمساحات الخضراء كان الدكتور كمال الجنزورى، واستهدف الخروج إلى توشكى وسيناء والارتفاع بمساحة المعمور السكنى إلى %10 من المساحة الإجمالية لمصر ولكنه اخطأ فى الخروج إلى الصحراء فجأة ودون تدرج منتظم وهو خطأ تخطيطى فادح .
وأشارت إلى أن مساحة مصر الاجمالية مليون كيلو متر وتبلغ مساحة الحيز السكانى %6 من هذه المساحة وتأمل أن يصل معدل النمو إلى %10 سنويا بما يعنى اننا نستهدف الوصول بالحيز السكانى عام 2050 إلى 25 % من مساحة مصر، وتحتوى مصر على 7 أقاليم حاليا تضم 27 محافظة، فى حين انها ترى أن الإقليم الواحد لابد الا يزيد عدد سكانه على 3 ملايين نسمة ويحتوى كل إقليم على مطار أو منفذ بحرى ويمتلك ظهيراً صحراوياً ويتمتع بتوافر موارد المياه والطاقة، وشددت على اهمية المنافذ البحرية لكل الدول فى ايجاد فرص العمل وتيسير النقل، لافتة إلى أن دولة مالى الإقليمية تستأجر نصف شاطئ دكار السنغالى .
ومن جانبه قال الدكتور فيصل عبدالمقصود، بمعهد التخطيط القومى، إن العاصمة تستحوذ دائما على معظم مخصصات عملية التخطيط سواء بالنسبة لعاصمة مصر القاهرة، أو على صعيد عواصم المحافظات على الرغم من انتشار ثقافة اللامركزية مقارنة بالعقود الماضية، موضحاً أن غياب التقسيم الاقتصادى وراء الخلاف بين المحافظات والأقاليم المتجاورة وهو ما ظهر جليا عند انفصال حلوان و 6 أكتوبر عن محافظتى القاهرة والجيزة على الترتيب حيث إن جميع عمليات التقسيم فى مصر كانت تخدم بالأساس الناحية الأمنية وهو الامر الذى خلا فى هذه التقسيمات .
وطالب بتعديل التقسيم الإدارى الحالى فوراً، لافتاً إلى أن محافظة البحر الاحمر مثلا يصل طولها إلى الف كيلو على الرغم من احتوائها على عدد من المناطق مختلفة الطبيعة الجغرافية والنشاطات وفرص العمل بها، فكيف يستطيع المخطط أن يضع سياسة اقتصادية واحدة لكل هذه المناطق تضمن الاستغلال الامثل لكل مواردها، كما اشار إلى إقليم سيناء الذى يجب تجزئته، فشمال سيناء منطقة ذات طبيعة خاصة وجزء مهم من الأمن القومى والاستراتيجى وتختلف تماما عن وسط سيناء كما تختلف عن جنوب سيناء التى يغلب عليها الطابع البدوى .