عبدالعزيز: فى حال تطبيقه سيتم إغلاق %75 من مواقع التواصل
عاطف: مواده مطاطة وأخرى غير واضحة
عباس: يوسع دائرة الاشتباه وتغليظ العقوبة دون وجه حق
إيمان عوف ـ سلوى عثمان
أصبح مشروع قانون «مكافحة الجرائم الالكترونية»، على مكتب الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد أن قام مجلس الوزراء بالموافقة عليه وتمريره إلى مؤسسة الرئاسة لإصداره فى صورة قرار بقانون ليصبح لمصر – لأول مرة – قانون متخصص فى هذا المجال الحديث على التشريع المصرى.
يتضمن القانون عقوبات للعديد من الجرائم الإلكترونية تتراوح بين الحبس عامًا وعامين أو الغرامة، أو الحبس والغرامة معا فى بعض الجرائم، كما يتضمن فى المادة «22» عقوبات تصل للسجن المؤبد فى الجرائم التى تؤدى للعنف، أو التحريض، أو ازدراء الأديان، أو تهديد الأمن القومى والسلم العام.
وبالطبع، فإنه مع ظهور مسودة القانون تباينت الآراء ما بين مؤيدة لصدوره، وبين معارض لإقراره بهذه الصيغة المطاطة، والتى ورد الكثير من بنودها فى قانون العقوبات المعمول به حاليًا.. «المال» رصدت آراء الطرفين فى السطور التالية..
بداية، قال محمد عبدالعزيز، مدير مركز الحقانية لدراسات حقوق الإنسان، إن إصدار قانون مكافحات الجرائم الإلكترونية فى هذا التوقيت وبهذه الصورة ما هو إلا استكمال لحزمة القوانين القمعية التى تصر السلطة التنفيذية على إصدارها فى غيبة البرلمان، مؤكدا أن القانون جاء استكمالا لقانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية، وقانون الكيانات الإرهابية، وغيرها من القوانين التى تسعى إلى إغلاق تام للمجال العام فى مصر.
وأشار عبدالعزيز إلى أن غالبية مواد مشروع القانون جاءت مطاطة وغير محددة المعالم، مثل مصطلح الأمن القومى، الذى استخدم على مدار الفترة الماضية لتهديد أى معارض فى مصر، إضافة إلى ذلك فإن القانون أعطى حق الضبطية القضائية لرجال الشرطة وليس للنيابة، وهو أمر من الممكن استخدامه ضد أى معارض سياسى.
ولفت إلى أن مشروع القانون وسَّع من دائرة الاشتباه، ووضع قيودًا على كل أشكال حرية الرأى والتعبير، متوقعا أنه فى حال تطبيق ذلك القانون فإنه سيتم إغلاق ما يزيد على %75 من مواقع وصفحات التواصل الاجتماعى، خاصة تلك المواقع التى تقوم ببث فيديوهات لانتهاكات الداخلية وتناقش القضايا التى يعانيها المجتمع المصرى، والتى لا يرغب النظام فى طرحها.
وتساءل عبدالعزيز عن أهمية أن يقوم رئيس الجمهورية بإصدار قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية فى اللحظة الراهنة، معتبرا أن ذلك يتناقض مع الدستور المصرى الذى نص على أن يتم إصدار قوانين الحريات بموافقة ثلثى البرلمان، ما يعرض مشروع قانون مكافحة الجرائم لعدم الدستورية.
وأضاف أنه على المجتمع المدنى التحرك بسرعة فى مواجهة جميع القوانين المقيدة للحريات، وأن تكون هناك تحركات جماعية من أجل وقف ترسانة القوانين التى ترغب السلطة فى تمريرها.
وأوضح كريم عاطف، استشارى نظم المعلومات، بمركز دعم تقنية المعلومات، أن القانون به مواد مطاطة، وأخرى غير واضحة، كما أن هناك جرائم منصوص عليها بالقانون الجديد يتضمنها بالفعل قانون العقوبات، وهو ما يطرح تساؤلًا حول سبب الإقدام على إصدار قانون لجرائم الإنترنت، رغم أنه يمكن اعتباره وسيطًا من ضمن وسائط أخرى ويحاسب الجانى بنصوص قانون العقوبات.
ولفت الى أن مفهوم «مسئول الموقع» الذى ورد بمشروع القانون لا يوجد له تعريف واضح، رغم أن القانون يجبر مسئولى المواقع على حفظ ومراجعة وتأمين البيانات الموجودة بالموقع، ولو تم اختراقه فهناك بنود بالقانون تحاسب المخترق وأخرى تحاسب المسئول، مشيرا إلى أن بنود القانون تساوى بين مسئولى المواقع والمخترقين لها، فهناك بنود تعاقب المسئول على عدم حفاظه على المعلومات، وأخرى تحاسب المخترق على جريمته، وهكذا أصبح مسئول الموقع لأى مؤسسة أو مصلحة مهددًا بأن يكون متهما فى حالة اختراق الموقع المسئول عنه.
وحذر من أن هناك بنودًا كثيرة بالقانون متشابهة والفوارق بينها صغيرة جداً، فيمكن أن يُحاسب شخص بعدة بنود تجعل الحكم عليه يصل إلى 6 سنوات لو اقترف أكثر من فعل مجرم وأدين فى أكثر من بند.
وأكد عاطف أن المادة «22» من القانون هى أكثر البنود إجحافا، فهى تتضمن الكثير من المصطلحات المطاطة مثل تهديد السلم العام والأمن القومى وازدراء الأديان، وهى مصطلحات يمكن للسلطة تفسيرها كما تشاء، وعقوبتها تصل إلى المؤبد، لافتًا إلى أن هذه الجرائم منصوص عليها بالفعل فى قانون العقوبات، ولم يكن هناك داعٍ لتكرارها فى مشروع القانون الجديد.
وأشار إلى أن المادة «19» تصف كيفية غلق المواقع، وهو عرف قانونى معروف، فجهات التحقيق تسلم أوراقها الخاصة بالموقع للمحكمة، والتى يكون منوطًا بها الموافقة على حجب الموقع، وأضاف أن تطبيق الحجب ومدى توسيع دائرة الاستخدام من الأمور غير الواضحة، فيمكن غلق جريدة إلكترونية لنشرها خبرًا باعتباره يهدد الأمن القومى.
وأوضح عاطف أن المادة «13» هى المادة الوحيدة المعنية بالحفاظ على بيانات الأشخاص العاديين، فأغلب مواد القانون معنية بالتحكم فى المواقع لمصالح حكومية أو اشخاص اعتباريين، أما تلك المادة فتختص بالحفاظ على البيانات الخاصة للمشتركين عبر الإنترنت، وهى تطبيق للمواد الدستورية التى تنص على عدم إفشاء الأسرار الخاصة لأى شخص.
وأعرب عاطف عن تعجبه من نص المادة «18» الذى يشير إلى أن هناك مواقع الكترونية غير متاحة للكافة بالإضافة إلى وضع المسئول عنها تحذيرًا بذلك، فقال إن الأصل فى المواقع الالكترونية أن تكون متاحة للجميع، ولو هناك مواقع بها أسرار لمستخدمين فهناك طريق للدخول بكلمات السر واسم لكل مستخدم، وهو ما جعله يفترض أن المقصود بهذه المادة هو حماية هذه البيانات التى يدخل فيها المستخدم ليرى شكاوى أو صفحات أو معلومات تخصه هو فقط، وتضع من يحاول التلصص عليها أو معرفتها تحت طائلة القانون.
من جانبه، قال المدون وائل عباس، إن القانون مرفوض من حيث المبدأ، لا سيما أن تلك النوعية من القوانين يجب أن تصدر عن البرلمان – اتفقنا معه أو اختلفنا – ويجب ألا تصدرها السلطة التنفيذية، إضافة إلى أنه من الواضح أن هذا القانون جاء لتكبيل الفضاء الإلكترونى.
واعتبر أن القانون وسَّع من سلطة الاشتباه، وسعى إلى تغليظ العقوبات دون وجه حق، وتساءل متعجبًا: لماذا لم تستطع الدولة بأجهزتها وسلطاتها أن تمنع المواقع الإباحية التى صدر بحقها حكم نهائى من محكمة الإدارية العليا، وتحججت بأن الأمر ليس بيدها؟!.. ولماذا الآن يصدرون قانونا قائما على الحجب والمنع دون الالتفات إلى أى معايير لحقوق الإنسان؟! وتساءل مَن الذى سيقوم بالضبطية القضائية النيابة أم الشرطة ؟ وإذا كانت الشرطة فمن يضمن معايير الاتهام والعقوبة؟
كما اعتبر أن القانون بصورته الحالية موجه للمجتمع المدنى والمعارضين، وليس لمكافحة الإرهاب كما يدعى البعض، مؤكدًا أن الإرهاب لا يحتاج إلى حساب على «فيس بوك» أو «تويتر»، وأن الإرهابيين يبثون ما يرغبون دون أن تستطيع الحكومة منعهم من ذلك، مشددا على أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية هو – فى حقيقته- موجه للمجتمع المدنى، وليس لأى جهة أخرى.