شهد عام 2007 هبوط أغلب أسعار الفائدة الرئيسية في السوق، ومنها أسعار العائد علي أذون الخزانة وأسعار الإقراض بين البنوك »الإنتربنك«، بالإضافة إلي العائد علي الودائع المربوطة لدي البنك المركزي. في حين جاء قرار »المركزي« الأخير بتثبيت أسعار الفائدة علي الإيداع والإقراض لديه ليواصل الثبات للشهر الحادي عشر علي التوالي. لكن هذا الانخفاض لم ينعكس بشكل واضح علي الهامش بين الفائدة الدائنة والمدينة في السوق، وهو ما دعا عدد من الخبراء إلي مطالبة البنوك بتخفيض هذا الهامش لمصلحة الاقتصاد.
أسعار الفائدة انخفضت علي جميع فئات الأذون بنسبة تصل إلي %3 وذلك بعد مرورها بعدة منعطفات وتغيرات، حيث بدأ العام بارتفاع في أسعار العائد عن عام 2006، فسجل العائد علي الأذون فئة 91 يوما حوالي %9.7 مرتفعا بنسبة %0.2 عن العام السابق. كما سجلت أسعار الأذون فئة 182 يوما ارتفاعا بنسبة %0.3 عن نهاية تعاملات العام الماضي، لتصل إلي حوالي %9.99 كما سجلت الأذون فئة 364 يوما %10.2 بارتفاع %0.2 هي الأخري.
إلا أن هذا الارتفاع لم يستمر طويلا، فعاودت الأسعار هبوطها خلال شهر فبراير لتصل إلي %8.92 علي الأذون فئة 91 يوما و%9.04 لأذون فئة 182 يوما و%9.34 للأذون فئة 364 يوما. وواصلت الأسعار هبوطها في ظل اتجاه »المركزي« نحو دفع البنوك للتخلي عن الاستثمار في الأدوات المالية صفرية المخاطر، والاتجاه نحو التوسع في منح الائتمان للقطاع الخاص، لتصل الأسعار إلي أدني مستوياتها عند منتصف العام، وتفقد حوالي %30 من قيمتها عن بداية العام، حيث سجل العائد علي أذون فئة 91 يوما %6.772، وسجلت فئة 182 يوما %7.165 بينما سجلت الأذون فئة 364 يوما حوالي %7.52.
إلا أن الضغوط التضخمية التي واجهها البنك المركزي خلال النصف الثاني من العام دفعته للعمل علي امتصاص السيولة من خلال الأذون – في ظل حرصه علي إبقاء أسعار الكوريدور ثابتة – فعاودت أسعار الأذون الارتفاع إلا أن ذلك لم يكن علي نفس الدرجة من قوة الهبوط لتسجل تعاملات الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر %6.852 لأذون 91 يوما و%7.091 لأذون 182 يوما و%7.388 لأذون 364 يوما. ليفقد بذلك العائد علي الأذون حوالي %30 من قيمته منذ بداية العام.
أسعار العائد علي شهادات الإيداع بالبنك المركزي شهدت هي الأخري انخفاضا واضحا وإن لم يكن بنفس قوة الهبوط في الأذون حيث بدأت متوسط أسعار الودائع قصيرة الأجل (أقل من شهر) حوالي %9.364 في بداية العام، ثم انخفضت تدريجيا لتفقد حوالي %6 من قيمتها لتصل إلي %8.76 كما انخفضت أسعار الفائدة علي الودائع طويلة الأجل (أكثر من 6 أشهر) حوالي 1.37 نقطة من %10.61 إلي %9.24.
وانعكس هذا الهبوط علي أسعار الفائدة علي القروض بين البنوك »الانتربنك« لليلة واحدة، فسارت الأسعار علي خطي الأسعار في سوق الأذون في ظل تناقص حجم النشاط، وفقد سعر الفائدة حوالي %10 من قيمته عندما هبط من %9.75 علي الإقراض لليلة واحدة ليصل إلي %8.75 في تعاملات الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر.
وعلي الرغم من جهود »المركزي« في دفع البنوك نحو خفض الهامش بين الفائدتين الدائنة والمدينة، إلا أن محاولاته لم تأت بالأثر المطلوب، ولم يكن هناك تأثير واضح لهذا الانخفاض علي الهامش الذي حافظ علي مستواه طوال العام ما بين 6 و%6.03 بين الفائدة علي الودائع والقروض قصيرة الأجل (أقل من عام).
الدكتور خليل أبو راس الخبير المصرفي، انتقد من جانبه هذا التوجه من قبل البنوك، وأوضح أن استجابتهم لمطالب البنك المركزي جاءت أضعف من المستوي المطلوب مشيرا إلي أن هذا هو نظام السوق؛ حيث يعمل كل بنك علي تعظيم أرباحه دون النظر إلي أحوال السوق واتجاهاتها.
وأضاف أن تحديد أسعار الفائدة داخل السوق يقوم بالأساس علي حجم الودائع بالسوق، فهي مسألة عرض وطلب، وكلما زاد حجم الودائع انخفض العائد عليها – سعرها – الذي تدفعه البنوك. وتكمن المشكلة في الفائدة المدينة؛ فأصبحت البنوك لا تعتمد علي نشاط الإقراض في عملياتها بالشكل المناسب في ظل ارتفاع درجة المخاطر ووجود البديل الأقل خطرا المتمثل في إقراض الحكومة سواء كان ذلك من خلال سندات وأذون الخزانة أو الإقبال علي أدوات البنك المركزي مثل الودائع المربوطة وشهادات الإيداع.
يذكر أن حجم الودائع في السوق المصرفية وصل في أكتوبر الماضي إلي 681 مليار جنيه بنسبة نمو بلغت حوالي %10 منذ بداية العام، في حين وصل إجمالي الائتمان من البنوك إلي 554 مليار جنيه بعد أن كان 522 مليارا فقط في بداية العام بنسبة نمو %6 فقط.
وقال أبو راس إن البنوك لا تتعاون بالشكل الكافي فيما يتعلق بمكافحة التضخم، فتزيد من إحساس المواطنين بالآثار السلبية الناتجة عنه في ظل معدلات الفائدة الحقيقية (معدل الفائدة الأسمي مطروحاً من معدل التضخم) السالبة، مما يؤدي إلي ضياع مدخرات المودعين، وأضاف أنه لا ينبغي للبنوك أن تتلقي ودائع أكبر مما تحتمل؛ لأن ذلك يؤدي إلي ارتفاع تكلفة الأموال لديها، وهو ما يدفعها بالتالي لرفع تكلفة الاقتراض وخفض العائد علي الودائع.
وجاء قرار البنك المركزي الأخير بتثبيت أسعار الفائدة علي الإيداع والإقراض لديه لمدة ليلة واحدة عند مستويات %8.75 للإيداع و %10.75 للإقراض ليضع العديد من علامات الاستفهام حول عدم سعي البنك المركزي بجدية نحو إجبار البنوك علي خفض أسعار الفائدة علي الإقراض، حيث جاء هذا القرار في وقت كان ينتظر فيه من البنك أن يقوم بتخفيض أسعار الفائدة لديه ليتماشي مع معطيات السوق العالمية التي بدأت في خفض أسعار الفائدة لديها لمواجهة أزمة الائتمان العقاري وما قد يستتبعها من تباطؤ في النمو الاقتصادي في هذه الأسواق.
إلا أن المخاوف من شبح التضخم الذي يتراوح -طبقاً للتقديرات المختلفة- بين 9 و %12 في الاقتصاد المحلي، دفعت المركزي لاتخاذ قراره بالحفاظ علي مستويات أسعار الفائدة عند مستوياتها لضمان امتصاص السيولة من الأسواق.
ورأي دكتور »أبو راس« أن قرار المركزي بتثبيت أسعار الكوريدور لا يتناقض مع قراراته السابقة بخفض أسعار الفائدة علي أدواته الأخري؛ فالكوريدور أداة مختلفة نسبياً عن بقية الأدوات، فهي أداة الملاذ الأخير (instrument of last resort ) للبنوك، أي أن البنوك تلجأ إليها سواء للإيداع أو الإقراض كحل أخير بعد أن تعجز الحلول الأخري عن توفير ما تتطلبه من توظيفات.