يشهد قطاع النفط العالمي تقلبات حادة أثارت قلق الأسواق الناشئة، خصوصًا الدول المصدرة للنفط، بعد أن أدى فرض رسوم جمركية واسعة من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تراجع حاد في أسعار الخام، بحسب تحليلات اقتصادية حديثة نشرتها وكالة رويترز.
ففي أعقاب إعلان ترامب في الثاني من أبريل عن رسوم جمركية جديدة ضمن حرب تجارية متصاعدة، انخفض سعر خام برنت بأكثر من 20% خلال أسبوع واحد، ليصل إلى أدنى مستوى له في 4 سنوات، قبل أن يتعافى جزئيًا إلى نحو 66 دولارًا للبرميل بعد أن كان دون 60 دولارًا.
هذا التراجع يشكل ضغطًا مباشرًا على ميزانيات الدول المصدرة للنفط في الأسواق الناشئة مثل دول الخليج، نيجيريا، أنغولا، فنزويلا، وكذلك البرازيل وكولومبيا والمكسيك بدرجات متفاوتة، في حين تستفيد بعض الدول المستوردة مثل تركيا، الهند، باكستان، المغرب، وعدد من دول أوروبا الناشئة من انخفاض فاتورة الاستيراد.
وحذر توماس هوغارد، مدير محفظة السندات في الأسواق الناشئة بشركة Janus Henderson، من أن الخاسرين سيتكبدون خسائر أكبر نسبيًا من المكاسب التي تحققها الدول المستوردة “.
وأضاف أن صادرات النفط غالبًا ما تمثل مصدرًا رئيسيًا لإيرادات المالية العامة، وهو ما ينعكس على ارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة المخاطر الائتمانية.
بحسب تقديرات مورغان ستانلي، فإن متوسط سعر النفط المعتمد في موازنات الدول المصدرة يبلغ نحو 69 دولارًا للبرميل، ما يجعل الأسعار الحالية أدنى من التوقعات، ويضع دولًا مثل أنغولا والبحرين ضمن قائمة الأكثر تأثرًا.
أنغولا في مرمى الخطر
أنغولا بدأت بالفعل تشعر بتداعيات الأزمة. فقد أعلنت وزارة المالية أنها سددت الأسبوع الماضي 200 مليون دولار استجابة لطلب تغطية هامش ضمان أصدره بنك JPMorgan على صفقة تمويل مرتبطة بسندات دولية بقيمة مليار دولار.
وكانت هذه الآلية تهدف لإدارة الالتزامات في ظل صعوبات تواجهها أنغولا في الوصول إلى أسواق الدين بسبب ارتفاع ديونها الخارجية، لا سيما تجاه الصين ومقرضين تجاريين آخرين.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن ديون أنغولا مصنفة ضمن فئة الدول المعرضة لمخاطر مفرطة، غير أن الحكومة الأنجولية تؤكد أن مسار الدين العام لا يزال مستقرًا.
اهتزاز صفقات الديون في الأسواق الحدودية
أشارت مذكرة بحثية صادرة عن JPMorgan إلى أن هبوط أسعار النفط أدى إلى تفكك بعض الصفقات المتعلقة بديون الأسواق الحدودية، والتي كانت مستقرة نسبيًا خلال العام الماضي.
ومن أبرز تلك الصفقات ما يُعرف بـ”الصفقة النيجيرية”، التي اعتمدت على شراء أذون خزانة محلية مع الرهان على استقرار العملة المحلية (النيرة) مقابل الدولار. الآن، يواجه المستثمرون مخاطر كبيرة في حال استمر تراجع أسعار النفط وتأثر سعر صرف النيرة.
وأوضح أن البنك المركزي النيجيري اضطر إلى تكثيف تدخلاته عبر بيع الدولار في السوق لتفادي فقدان السيولة واحتواء تقلبات العملة.
وقال محللون إن استمرار هبوط الأسعار قد يعرقل التقدم في الإصلاحات الاقتصادية التي حققتها بعض هذه الدول، وقد يؤدي إلى انتكاسات في برامج الإصلاح.
ميزانيات على المحك
في نيجيريا، التي تشكل عائدات النفط نحو 90% من صادراتها، كانت الحكومة قد بنت موازنة 2024 على أساس سعر 75 دولارًا للبرميل.
ومع تراجع الأسعار، باتت خطط الإنفاق مهددة. وقال وزير المالية والي إدون: “نحن مضطرون للعودة إلى لوحة التخطيط وإعادة النظر في الموازنة بالكامل”.
مرونة نسبية في دول الخليج
ورغم أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تمتلك احتياطيات مالية قوية ومستويات دين منخفضة نسبيًا، إلا أن انخفاض الإيرادات قد يعيق قدرتها على تمويل مشاريع جديدة، خاصة في ظل التزامات تنموية طموحة تقودها المملكة العربية السعودية.
مكاسب محدودة للدول المستوردة
في المقابل، يرى محللون أن الدول المستوردة للنفط قد تستفيد من تحسن في موازين المدفوعات وتراجع في الضغوط التضخمية، لكن هذه المكاسب تبقى محدودة في ظل استمرار التوترات التجارية العالمية. وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: “التراجع في أسعار النفط يشكل عاملًا إيجابيًا للدول المستوردة، لكن من غير المرجح أن يعوض تمامًا عن التحديات الكبرى التي تفرضها الحرب التجارية والمخاطر العالمية المتزايدة”.
في المجمل، تبدو الصورة قاتمة بالنسبة للدول النفطية الناشئة، حيث يتحول الذهب الأسود من مصدر للثروة إلى تحدٍ اقتصادي قد يُعيد خلط أوراق السياسات المالية والاقتصادية.