شهد صافى الأصول الأجنبية لدى البنوك التجارية فى مصر تطورًا دراماتيكيًا خلال العام الماضى، فقد افتتح 2024 مسجلا عجزا قدره 896.12 مليار جنيه، ثم تحسن هذا العجز بشكل طفيف خلال فبراير التالى مسجلة 679 مليارا.
وتقلص هذا العجز عشية تحرير سعر الصرف فى 6 مارس الماضى وترك قيمة الجنيه أن تتحد وفقًا لآليات السوق وقوى العرض والطلب، ليقتصر على نحو198.94مليار جنيه، ثم إلى 174.38 فى أبريل 2024.
وتحول بعد ذلك إلى تحقيق فوائض ابتداءً من مايو 2024 مسجلا نحو 676.4 مليار جنيه، تراجع صافى الأصول الأجنبية بشكل طفيف فى الشهر التالى مباشرة مقتصرا على نحو 626.64 مليار، قبل أن يرتفع إلى 644.76 مليار بنهاية يوليو 2024.
وتراجع إلى 473.22 مليار جنيه خلال أغسطس الماضى ثم تحسن إلى 498.7 مليار بنهاية سبتمبر التالى، قبل أن يتراجع إلى 450.86 مليار بما يعادل 9.2 مليار دولار و295.65 مليار جنيه بما يعادل 5.5 مليار دولار خلال أكتوبر ونوفمبر 2024 على التوالى.
وتحوَّل صافى الأصول الأجنبية لدى البنك المركزى إلى تحقيق فائض، لأول مرة منذ مارس 2022، ليسجل نحو 458.63 مليار جنيه بنهاية مايو 2024.
ويعنى صافى الأصول الأجنبية للبنوك، الأصول المستحقة على غير المقيمين مطروحًا منها الالتزامات المستحقة لغير المقيمين، وبالتالى فهى تعنى ما تمتلكه البنوك من ودائع ومدخرات بالعملة الأجنبية.
وتكون هذه الأصول قابلة للتسييل فى الأوقات التى يحتاج فيها البنك المركزى المصرى، إلى سيولة لسداد التزاماته، والتغير فى صافى الأصول الأجنبية يمثل صافى تعاملات الجهاز المصرفى، بما فى ذلك البنك المركزى مع القطاع الخارجى.
الأصول والالتزامات
من جانبه، أرجع محمد البيه الخبير المصرفى، هذا التراجع فى صافى الأصول الأجنبية لدى البنوك العاملة فى السوق المحلية المصرية، إلى تعاظم جانب الالتزامات بالنقد الأجنبى على حساب الأصول، وهو ما جاء مدعومًا بعدد من الأسباب أبرزها: زيادة الالتزامات الخاصة بالموردين الأجانب.
وأضاف أن ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية (بما هى أصل من الأصول) أحد الأسباب التى دفعت إلى تقلص الفائض فى صافى الأصول الأجنبية للبنوك.
وارتفع إجمالى الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية لدى البنوك العاملة بالقطاع المصرفى لنحو 2.830 تريليون جنيه بنهاية نوفمبر 2024، مقابل 2.776 تريليون بنهاية أكتوبر الماضى، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزى المصرى.
وأشار “البيه” إلى أن تحويلات الأرباح التى تحدث عادة فى نهاية كل عام، وكذلك تخارج بعض المستثمرين الأجانب من سوق أدوات الدين المحلية، من بين تلك العوامل التى دفعت إلى تقلص فائض الأصول الأجنبية.
وتراجعت استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة إلى 1.765 تريليون جنيه (بما يعادل 36.714 مليار دولار) مقابل 1.772 تريليون جنيه بنهاية مايو 2024 (بما يعادل 37.45 مليار دولار)، لتتراجع بنحو 736 مليون دولار خلال شهر واحد، بحسب بيانات صادرة عن «المركزي».
تحويل المدخرات والضغط على الدولار
وقال مصطفى أمين، محلل سوق الأوراق المالية، وعضو الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن هذا التراجع فى صافى الأصول الأجنبية عادة ما يكون مدفوعًا بعدد من الأسباب أبرزها: الضغط على الدولار، وتحويل بعض الودائع والمدخرات الموجودة لدى البنوك بالعملات الأجنبية إلى مشروعات.
وأضاف أنه من المستبعد حدوث تعويم جديد لسعر الصرف لا سيما وأن مصر تعتمد فى الوقت الراهن سياسة سعر صرف مرن، لافتا إلى أن هذا يعنى حدوث حالات من التأرجح صعودًا وهبوطًا اعتمادًا على تدفقات العملة الصعبة على البلاد.
وأكد أن بيع أذون الخزانة، والذى عادة ما يحدث فى نهاية كل عام، وتخارج المستثمرين الأجانب من أدوات الدين بشكل مؤقت أدى إلى الضغط على الدولار فى الفترة الأخيرة، ومن ثم ارتفاع قيمته أمام الدولار.
وتابع أن نمو الطلب الاستهلاكى وفتح الاعتمادات المستندية مرة أخرى لا سيما للسلع الأساسية أو مستلزمات الإنتاج التى يحتاجها المصنعون بشكل عام كلها أمور أدت إلى زيادة الضغط
على الدولار فى الفترة الأخيرة.
وأشار إلى أن زيادة صافى الاحتياطات الدولية هو الأمر الذى سيشكل ركيزة أساسية فى تصنيف مصر الائتمانى.
وارتفع صافى الاحتياطيات الدولية إلى 47.109 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقابل 46.952 مليار بنهاية نوفمبر الماضى، بحسب بيانات البنك المركزى.
والاحتياطى النقدى الأجنبى هو المبلغ الذى يحتفظ به البنك المركزى لدولة معينة من العملات الأجنبية، مثل الدولار الأمريكى، واليورو، والجنيه الإسترلينى، أو أى عملة أجنبية أخرى، ويتم استخدامه لتأمين استقرار العملة المحلية وتمويل الواردات والسدادات الدولية، وكذلك للتصدى للتقلبات السريعة فى سوق الصرف الأجنبى.
كانت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتمانى رفعت فى وقت سابق تصنيف مصر الائتمانى من “بى سالب” إلى “بي”، مع نظرة مستقبلية مستقرة.
ولفتت الوكالة إلى أن القرار جاء فى ظل زيادة التمويل الخارجى لمصر بفضل الاستثمار الأجنبى فى رأس الحكمة وتدفقات غير المقيمين إلى سوق الدين وتمويل جديد من مؤسسات مالية دولية.