واجه قطاع التأمين المصري خلال السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا مع دمج التقنيات المتقدمة في آلياته، ولا سيما الذكاء الاصطناعي، حيث أظهر الـ(AI) إمكانات كبيرة في تبسيط عمليات الشركات وتعزيز تجارب العملاء وتحسين إجراءات صنع القرار بها، ومع ذلك، فإن اعتماد النشاط للذكاء الاصطناعي يأتي ضمن مجموعة خاصة من التحديات.
وأشار خبراء أن استخدام الذكاء الاصطناعي في شركات التأمين المصرية كفيل بإحداث ثورة في القطاع، مما يؤدي إلى عمليات أكثر كفاءة وتحسين تجربة العملاء وتحسين إدارة المخاطر، ومع ذلك، يتطلب التنفيذ الناجح إستراتيجية شاملة تعالج التحديات المرتبطة بأمن البيانات والأخلاقيات وتكيف القوى العاملة والامتثال التنظيمي.
ووفقًا لكبريات الشركات العالمية، فإن تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي يوجب على شركات التأمين التعاون مع خبراء التكنولوجيا وعلماء البيانات والمنظمين، لتطوير أُطر عمل قوية تعزز الشفافية والمساءلة والإنصاف في العمليات التي يقودها الـ(AI)، إضافة إلى تقييم وتحسين خوارزميات النظم لضمان دقتها للحفاظ على ثقة الجمهور.
وحسب “ستاتيستا”، ففي 2022، بلغ إجمالي الاستثمار المؤسسي العالمي في الذكاء الاصطناعي ما يقرب من 92 مليار دولار، وهو انخفاض طفيف عن العام السابق له (2021)، وقد زاد استثمار الـ(AI) أكثر من 6 أضعاف منذ 2016، وهو نمو مذهل في أي سوق.
كما تتوقع “ستاتيستا” تجاوز سوق الذكاء الاصطناعي 184 مليار دولار خلال العام الجاري، وهي قفزة كبيرة بنحو 50 مليار دولار مقارنة بـ2023، مع إرهاصات أن يتجاوز هذا النمو 826 مليار دولار في 2030.
قطاع التأمين في مصر.. تاريخه وتطوره
يمكن تتبع جذور قطاع التأمين في مصر إلى أواخر القرن الـ19 عندما بدأت الشركات الأوروبية بإنشاء فروع لها في البلاد، وكانت تلك المؤسسات الأجنبية تقدم خدماتها بشكل أساسي للجاليات الأوروبية المقيمة، عبر توفير تغطيات النقل البحري والحريق والحياة.
وحسب دراسة الدكتورة أمل الدالي بعنوان “تقييم مدى حاجة سوق التأمين المصري لشركة إعادة تأمين وطنية في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية – نموذج كمي” المنشورة بمجلة البحوث المالية والتجارية بالمجلد 21 بالعدد 3 لسنة 2021، فقد شهدت أوائل القرن الـ20 جهودًا لتأميم قطاع التأمين وتعزيز المشاركة المحلية به، حيث بدأ رواد الأعمال الوطنيين بإنشاء شركات خاصة بهم، لتنافس نظيرتها الأجنبية.
وحسب دراسة “الدالي”، ففي خمسينات القرن الماضي، شرعت الحكومة في حملة تأميم للقطاعات الرئيسة، بما في ذلك التأمين، ما أدى إلى تشكيل كيانات مملوكة للدولة، بينما تبنّت مصر في السبعينات نهجًا أكثر تحررًا في ذلك النشاط، ثم تم سن قانون التأمين لعام 1981، الذي قدم إطارًا تنظيميًا شاملًا يحدد حقوق وواجبات شركات القطاع والعملاء والوسطاء، لتعزيز المنافسة وحماية مصالح المؤمن لهم وضمان استقرار المجال.
ويمكن الاطلاع على دراسة “الدالي” كاملة في الملف التالي:
وحسب بحث أجرته “ماكينزي” منشور في 28 يوليو الماضي بعنوان “ما الذي يجب قراءته عن الذكاء الاصطناعي”، قدّرت أن الـ(AI) يمكن أن يضيف ما بين 2.6 إلى 4.4 تريليون دولار سنويًا إلى الاقتصاد العالمي إذ تأثر بالذكاء الاصطناعي بنسبة 15% إلى 40% فقط.
وفي 14 أغسطس الماضي نشرت “ماكينزي” دراسة مسحية بعنوان “كيف يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يساعدك على الخروج من المأزق؟” أكدت فيها أن 65% من المؤسسات عالميًا تستخدم الـ(AI)، بينما تشهد العديد من الشركات بالفعل فوائد مادية منه.
ووفق بيانات “ستاتيستا” العالمية، فإن الولايات المتحدة صاحبة أقوى قدرة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي عالميًا في 2023، وتأتي بعدها الصين، بينما تتمتع معظم بلدان أوروبا بأقوى أداء دولي في الـ(AI)، ومن بين الدول العشرين الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي تأتي السعودية بما تمتلك من إستراتيجية حكومية تزامنًا مع تحولها من دولة مصدرة للنفط فقط إلى بلد أكثر ديناميكية تعتمد على صناعة التكنولوجيا، وتبعتها ألمانيا والصين من كثب، بينما كانت كولومبيا البلدة الوحيدة التي شاركت في القائمة من أمريكا الجنوبية، وهو ما يمثل تغييرًا مثيرًا للاهتمام من قائمة تهيمن عليها الاقتصادات المتقدمة.
والجراف التالي يبين ترتيب الدول ذات الدخل المتوسط عالميًا وفق مؤشر الحوكمة الإلكترونية الخاص بالأمم المتحدة 2020، وفق بيانات “ستاتيستا” العالمية (من صنع الكاتب):
وقد تباين الإنفاق على الذكاء الاصطناعي عالميًا في مختلف القطاعات في 2023، حيث بقيت أنشطة البنوك وبيع التجزئة أكبر استثمارات الـ(AI) في العام الماضي، وقُدِّر الإنفاق العالمي على التقنية بنحو 154 مليار دولار في العام الماضي لجميع المجلات الاقتصادية، وبلغت استثمارات القطاع المصرفي 20.6 مليار دولار، وهي الأعلى بين الصناعات المرصودة، وتبعه قطاع بيع التجزئة بقيمة استثمارية بلغت 19.7 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو استثمارات القطاع المالي في الذكاء الاصطناعي بشكل كبير بين عامي 2024 و2027، حسب “ستاتيستا” العالمية.
أتمتة المهام اليدوية يسرّع من وتيرة العمليات
وأوضح خبير التأمين التكنولوجي وائل ثروت، أن الذكاء الاصطناعي (AI) إنما يهدف إلى محاكاة نظيره البشري، من خلال الآلات المبرمجة للتفكير والتعلم وحل المشكلات، مثل الإنسان، بينما يتضمن ذلك تطوير أنظمة حاسوبية وخوارزميات قادرة على أداء المهام التي تتطلب عادة ذكاء بشريًا، مثل الإدراك البصري والتعرف على الصوت واتخاذ القرارات ومعالجة اللغات.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي إنما يقوم على مجموعة من إستراتيجيات برمجة الأجهزة الحاسوبية عبر تزويدها بالبيانات، أو باستخدام الشبكات العصبية للتعرف على الصور وفهم المعلومات البصرية ومعالجة اللغات الطبيعية (NLP) والتعرف على الصوت وتتبع الفيديو، ومن ثم، محاكاة قدرات اتخاذ القرار للخبراء البشريين، كما أن الروبوتات المدعومة بـ(AI) يمكنها أداء مهام الإنسان بشكل مستقل أو مع تدخل بسيط.
والتقرير المصور التالي أجراه وصنعه الكاتب (بواسطة الموبايل)، تتحدث به مطوّرة (AI) عن آخر مستجدات صناعات الروبوتات عالميًا، وإمكانية استخدامها في التعاملات المالية لتعزيز التيسير على العملاء والسرعة في الأداء بمختلف النشاطات الاقتصادية، ومنها قطاع التأمين المصري:
وفي دراسة مسحية نشرتها “ماكينزي” في 24 يوليو الماضي بعنوان “كيفية التخلص من المأزق من خلال اتخاذ القرارات المتعمدة” أكدت بها أن عواقب التأخير في اتخاذ القرار قد يفوّت على الشركات مكاسب كبيرة، فقد يهدر المديرون في كيانًا نموذجيًا من شركات “فورتشن 500” العالمية أكثر من 500 ألف يوم في السنة، وهو ما يعادل حوالي 250 مليون دولار من الأجور السنوية، في اتخاذ قرارات غير فعالة.
وذكر ثروت أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في التأمين إنما يؤدي إلى فوائد قد تؤثر إيجابًا على الشركات والعملاء والقطاع، حيث إن أتمتة المهام اليدوية المتكررة يسرّع من وتيرة العمليات ويقلل الحاجة إلى التدخل البشري، ما يوفر التكاليف على الكيانات، ومن ثم، ضخ العناصر البشرية للمهام المعقدة التي تتطلب خبراتهم.
ووفق مسح أجرته “ماكينزي” العالمية على أكثر من 1800 منظمة تمت استشارتها، تبنت 56% منها الذكاء الاصطناعي في عام 2021 مقارنة بـ50% في 2020، وعزا رؤساء تلك الكيانات 5% من الأرباح قبل الفوائد والضرائب إلى الذكاء الـ(AI)، حيث ارتفعت إلى 27% في 2022 مقارنة بـ22% في العام السابق عليه.
وبيّن ثروت أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تسهم في تحليل البيانات بكميات هائلة مع تقييم ملفات تعريف المخاطر بدقة أكبر، وهذا ما يجعل قرارات الشركات أكثر استنارة ودقة في تسعيرها، لا سيما مع فهم سلوكيات العملاء بصورة مثالية، للحفاظ على رضاهم.
وأوضح أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكنها اكتشاف الأنماط والشذوذ والسلوكيات المشبوهة التي تدل على أنشطة احتيالية خاصة بمطالبات العملاء، من خلال تحليل بياناتهم، ومن ثم، الحد من الخسائر المالية وحماية حاملي الوثائق الآخرين.
وفي تقرير لـ”زيورخ” العالمية للتأمين بعنوان “الذكاء الاصطناعي يفرض تحديات ويقدم حلولًا مغرية لشركات التأمين التي تكافح الاحتيال” نشرته في 20 أغسطس الماضي، فإن شركات التأمين تستثمر مبالغ كبيرة لتحسين أدائها في اكتشاف الخداع، ففي المملكة المتحدة وحدها، منعت زيورخ بوسائط الـ(AI) عمليات احتيال بقيمة 78.5 مليون جنيه إسترليني من المطالبات الزائفة، كان منها أكثر من 200 ألف جنيه إسترليني يوميًا في عام 2023 فقط.
وتابع تقرير “زيورخ” أن الأموال التي يكسبها المحتالون بشكل غير مباشر من جيوب العملاء في هيئة أقساط أعلى، حيث يقدر التأثير الاقتصادي للاحتيال في التأمين بنحو ألف دولار سنويًا زيادة على كل شخص في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حيث يسرق المحتالون ما لا يقل عن 308.6 مليار دولار سنويًا من المستهلكين الأمريكيين فقط.
وأفاد ثروت بأن روبوتات الدردشة (Chatbots) المدعومة بالذكاء الاصطناعي تمكّن العملاء من الحصول على معلومات حول التغطيات وتقديم مطالباتهم والحصول على ردود سريعة عن استفساراتهم في أي وقت، ومن ثم، توقّع احتياجات الجمهور وتحديد اتجاهات السوق وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة، وهذا ما يقلل الأخطاء البشرية.
والجراف التالي يبين أهم الشركات الناشئة المنتجة لروبوتات الدردشة عالميًا في 2023 من حيث التمويل الذي تم جمعه، حسب بيانات “ستاتيستا” العالمية (من صنع الكاتب):
فعلى سبيل المثال، تتعامل “أليانز” مع مطالبات تغطيات السيارات باستخدام تطبيق CE المدعوم بالذكاء الاصطناعي، الذي طورته شركة Control Expert المملوكة لـ”أليانز”، حيث لا يكون على العملاء سوى التقاط صور لسياراتهم التالفة بعد وقوع الحوادث والحصول على عروض التسوية على الفور، عبر تقديم مبلغ التعويض لهم تلقائيًا، وتكتمل العملية في بضع دقائق وتؤدي إلى نتائج فورية للعميل.
وأكمل ثروت أن أنظمة الـ(AI) تمكّن شركات التأمين من تحسين قرارات الاكتتاب وإدارة المخاطر بشكل فعّال، عبر تقديم أسعار وتغطيات تنافسية مصممة لتلبية احتياجات حاملي الوثائق الفردية.
وكانت شركة سويس ري العالمية لإعادة التأمين، قد نشرت تقريرًا لها بعنوان “مستقبل الذكاء الاصطناعي في التأمين” في 12 يوليو من العام الماضي، وحسمت فيه أن مستقبل الـ(AI) يتوقف على الأفراد الذين يطورونه، دون آثار جانبية سلبية، وفي نهاية المطاف، فلن يكون الذكاء الاصطناعي جيدًا إلا بقدر جودة أولئك الأشخاص الذين يستخدمونه من خلال عمليات التدريب الأساسية.
وفي تقرير آخر لها منشور في 17 أبريل من العام الماضي بعنوان “فوائد وحالات استخدام الذكاء الاصطناعي في التأمين”، أشارت “سويس ري” إلى أن قدرات الذكاء الاصطناعي لا تتوقف على تحسين الكفاءة فحسب، بل يمكنها أيضًا تمكين تطوير حلول وتغطيات جديدة للمخاطر التي لم تكن قابلة للتأمين من قبل، فعلى سبيل المثال، يعتمد تعويض تأخير الرحلات المعياري من “Swiss Re” على نموذج “AI” يمكنه التنبؤ بتأخّر الرحلات، وفي حالة حدوث ذلك يحصل العملاء الذين اشتروا تلك التغطيات على دفعة تعويض فورية دون الحاجة إلى تقديم مطالبات، وقد استخدم ذلك الحل أكثر من 200 مليون نقطة بيانات تاريخية، وقد سمح نظام التعلم الآلي لمحرك التسعير بتعديل الأسعار بمرونة، بناء على بيانات من أكثر من 90 ألف رحلة يوميًا.
اتخاذ قرارات استثمارية في الوقت المناسب
وذكر وسيط التأمين محمد الغطريفي، أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في شركات التأمين المصرية قد اكتسب زخمًا متزايدًا، حيث أدركت العديد من كيانات القطاع حجم الفوائد المحتملة التي يجلبها، بينما من المهم أيضًا ملاحظة أن الخبرة البشرية ما تزال أمرًا محوريًا لدى المؤسسات، فالـ(AI) يعد أداة مكمّلة لعمليات الاكتتاب، تمكّن المؤمّنين من اتخاذ قرارات أكثر دقة في تقييم المخاطر والتسعير.
وقد أشارت دراسة أجرتها شركة جارتنر للأبحاث والاستشارات التكنولوجية في عام 2022 إلى أن 40% من المنظمات التي شملها الاستطلاع تستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الأعمال، وتوقعت أن تصل القيمة التجارية لـ(AI) عالميًا إلى 5.1 مليار دولار بحلول 2025.
كما بيّن الغطريفي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعرف الضوئي على الحروف (OCR) ومعالجة اللغة يمكّن الشركات من تسجيل المعلومات تلقائيًا من مختلف مستندات المطالبات، مثل الفواتير والتقارير الطبية والوثائق، وهذا ما يؤثر بشكل ملحوظ على الطريقة التي تدير بها كيانات التأمين محافظها الاستثمارية، من خلال تحليل البيانات السوقية المستمر وضبط تخصيصات المحفظة ديناميكيًا بناءً على قواعد وأهداف محددة مسبقًا، بناء على أتمتة المعلومات.
وفي تقرير لها، تتوقع “ماكينزي” العالمية لاستشارات الإدارة، أن يتم أتمتة أكثر من نصف أنشطة مطالبات التأمين العالمية بحلول 2030، بينما تشير أبحاث شركة أوليفر وايمان للاستشارات الإدارية إلى أن أتمتة مهام قطاع التأمين يمكن أن يوفر الوقت بنسبة تصل إلى 20٪ عالميًا.
وأكد الغطريفي أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتمكّن من مراقبة بيانات السوق وتقديم إشعارات للشركات بشأن الأحداث أو التغييرات المهمة، وهذا ما يُبقي كيانات التأمين من البقاء على اطلاع دائم بتحركات القطاع واتخاذ قرارات استثمارية في الوقت المناسب أو تعديل الإستراتيجيات الخاصة بالمؤسسات.
ووفق “زيورخ” العالمية للتأمين، فإن أتمتة مطالباتها قلّل الوقت المستغرق في المهام وأزال المراجعة اليدوية وحسّن الكفاءة التشغيلية، مما أدى إلى تحقيق وفورات بقيمة 1.4 مليون دولار في العام الماضي.
وأشار تقرير لـ”ماكينزي” إلى أن العمال الذين يعانون انخفاض مستوى كفاءتهم التشغيلية يكبدون كيانًا متوسط الحجم من شركات “ستاندرد آند بورز” خسائر تتراوح بين 228 مليون دولار و355 مليون دولار سنويًا في الإنتاجية الضائعة.
بينما أشار الغطريفي إلى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تؤثر على معالجة إدارة المخاطر في ذلك قطاع التأمين، حيث يمكن لخوارزميات الـ(AI) تحليل البيانات، كالسجلات التاريخية واتجاهات السوق والمصادر الخارجية، لتقييم المخاطر بدقة أكبر، ومن ثم، تحديد الأنماط والارتباطات التي قد يتغاضى عنها البشر، وهذا ما يُكسب فهمًا أكثر شمولًا لاتخاذ قرارات بشأن انتقاء الأخطار المغطاة وتسعيرها، إضافة إلى التنبؤ بالخسائر المحتملة وتقدير متطلبات الاحتياطي.
وأوضح أن بعض شركات التأمين العالمية تعتمد على أنظمة التلي (матика) المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقديم تغطيات قائمة على الاستخدام، من خلال استخدام أجهزة الاستشعار والبيانات الخاصة بالمركبات وساعات اليد الذكية وأجهزة الهاتف، إذ يمكن يمكن لخوارزميات الـ(AI) تقييم سلوك القيادة، مثلًا، كالسرعة وأنماط الكبح، ومن ثم، توفير تغطية وتسعيرًا شخصيًا بناء على عادات الفردية، وهذا ما يساعد شركات “الحياة” على إدارة المخاطر بشكل أفضل.
وفي تقرير لـ”مارش ماكلينان” العالمية، المنشور بعنوان “هل من حق النساء أن يحذرن من الذكاء الاصطناعي؟”، قالت إن قطاعات الإدارة والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية تعد الأكثر عرضة لفقدان الوظائف على نطاق واسع بسبب الذكاء الاصطناعي والأتمتة، بينما يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي بحلول 2027 أن تتأثر 26 مليون وظيفة في أدوار الإداريين وأمناء الصناديق وموظفي الرواتب والسكرتيرات.
وتوقع الغطريفي أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في القطاع التأميني سيطوّر من تكنولوجيا التغطيات، وسيلعب دورًا متزايد الأهمية في نمو وتنافسية الشركات المصرية العاملة بالنشاط.
وقد أصدرت “سويس ري” العالمية تقريرًا بعنوان “الذكاء الاصطناعي الجدير بالثقة.. الطريق إلى الأمام في مجال التأمين” في 5 يونيو من العام الماضي، قالت به إن شركات إعادة التأمين تعد الثقة الرقمية ضرورية لجميع الأعمال التجارية، ومن ثم، فإن تحسّن قدرات تحليل المخاطر والأتمتة باستمرار تسمح بالاستفادة من موارد البيانات، فالوصول إلى معلومات المستهلكين يسمح للشركات بفهم المخاطر وتسعيرها بشكل أفضل، وجعل القطاع أكثر مرونة.
يتطلب مهارات في علوم البيانات والتعلّم الآلي
وأكد خبير التأمين الاستشاري أحمد إبراهيم، أن اعتماد الذكاء الاصطناعي في قطاع التأمين يوفّر الكثير من الفوائد، بينما هناك العديد من العوائق أمام اعتماد الـ(AI) في الشركات، حيث تتطلب الخوارزميات كميات هائلة من البيانات عالية الجودة لتوليد تنبؤات دقيقة، وغالبًا ما تواجه المؤسسات تحديات للوصول إلى مصادر المعلومات المتنوعة وتوحيدها وضمان دقتها.
وأضاف أن شركات التأمين قد تستخدم أنظمة أساسية قد لا تتوافق مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويمكن أن يكون دمج الـ(AI) في بنية الكيانات التحتية الحالية معقدًا ويتطلب استثمارات كبيرة، بينما قد تفتقر النظم القديمة إلى القدرات اللازمة لدعم ذلك.
وعلى سبيل المثال، بلغت استثمارات “أليانز” في تكنولوجيا المعلومات 5.7 مليار دولار عالميًا في 2022، مع تخصيص الجزء الأكبر منها لتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد ابتكرت شركة Allianz Commercial برنامج استكشاف (GenAI) بالشراكة مع “أليانز كونسلتينج” و”مايكروسوفت” لتحسين تقييم المخاطر، كما تخطط الشركة إلى تعزيز المهارات الرقمية للعاملين بمشاركة أكثر من 7 آلاف موظف في التدريب الذي تقدمه لهم “أليانز”.
والتقرير المصور التالي، حوار أجراه وصنعه الكاتب (بواسطة الموبايل) مع أحد كبار المسئولين بواحدة من كبريات كيانات التأمين الوطنية المصرية، يتحدث به عن رحلة شركة “مصر لتأمينات الحياة” في رقمنة معاملاتها ومعالجة مطالبها بواسطة الذكاء الاصطناعي:
وأشار إبراهيم إلى أن تنفيذ الذكاء الاصطناعي في التأمين إنما يتطلب مهارات وخبرات متخصصة في علوم البيانات والتعلّم الآلي، بينما يعاني القطاع من نقص المهنيين ذوي المهارات في ذلك المجال، إضافة إلى أن تدريب خبراء الـ(AI) المؤهّلين يعد أمرًا صعبًا، خاصة بالشركات الصغيرة ذات الموارد المحدودة.
ووفق تقرير لـ”أوليفر وايمان” نشر في 28 أكتوبر 2022 بعنوان “كيف يغير الذكاء الاصطناعي طريقة تفكيرنا بشأن المخاطر؟” أن خطر الذكاء الاصطناعي يكتسب تركيزًا متزايدًا من الحكومات والهيئات التنظيمية ووسائل الإعلام، على الرغم من عدم وجود إجماع حقيقي على ماهيته أو مخاطره، بينما أفادت 33 مؤسسة مالية في الولايات المتحدة وأوروبا أنها تستخدم الـ(AI) لكن ثلثيها لديها قلقًا بشأن المخاطر المرتبطة به.
كما أوضح إبراهيم أن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في التأمين قد يثير مخاوف الشركات بشأن حماية بيانات العملاء والشفافية، إضافة إلى أن التغييرات التنظيمية داخل كيانات التأمين يمكن أن تخلق مقاومة لدى العاملين للنظم الجديدة، إذ يمكن أن يخشوا فقدان وظائفهم.
بينما على صعيد آخر، فإن “أكسا” العالمية وفق دراسة مسحية لها نشرتها في 16 نوفمبر من السنة الماضية، توقعت أن بحلول 2035 أن يكون 50% من سكان أوروبا فوق سن 45 عامًا، وأن 70% من الوظائف الشاغرة ستكون غير موجودة، ومن ثم، فتزايد مدة الحياة المهنية دفع الشركة إلى الاستثمار في تدريب العاملين بها على تقنيات الذكاء الاصطناعي للاستفادة منهم بما يتماشى مع أعمارهم مستقبلًا بمساعدة الـ(AI).
وذكر إبراهيم أن العملاء كذلك يمكن أن يتولد لديهم مخاوف بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بعملياتهم داخل شركات التأمين، كما أن معالجة تنفيذ تقنيات الـ(AI) تتطلب نهجًا إستراتيجيًا يشمل الاستثمار في جودة البيانات والبنية التحتية وتنمية مهارات الموظفين وتعزيز الابتكار وبناء الثقة مع العملاء.
وفي تقرير لـ”سويس ري” العالمية لإعادة التأمين، نشرته في 30 من يوليو الماضي بعنوان “الذكاء الاصطناعي في الاحتفاظ بالعملاء”، جاء به أن هناك عناصر أساسية لنشر نهج الذكاء الاصطناعي لتعزيز مشاركة العملاء بقطاع التأمين، منها أتمتة البيانات لتوفير صور محدثّة وشاملة لكل شخص، مع تقديم تقييم للعملاء الأفراد باستخدام الـ(AI)، إضافة إلى استخدام نماذج أتمتة عمليات اتخاذ القرار وتحديد التغطيات المثلى لكل عميل، ومراقبة نتائج تفاعلهم ودمج تلك الملاحظات في تنبؤات النماذج المستقبلية لتعزيز تحسين الخدمات.
وجاء بتقرير “ميونخ ري” العالمية لإعادة التأمين “صناعة التأمين – القدرة التنافسية من خلال أتمتة الاكتتاب” نشر في 22 من مايو الماضي، فإن شركات التأمين تركز بشكل متزايد على التحول الرقمي، بينما ما يزال هناك العديد من عمليات الاكتتاب غير آلية وغير الرقمية، فغالبًا ما تكون البيانات غير منظمة بطريقة مرهقة وغير متصلة كذلك، بينما تكافح شركات التأمين الكبيرة لتمويل التحول الرقمي وأتمتة عملياتها.
ووفقًا لـ”أكسنتشر” العالمية للاستشارات الإدارية والخدمات المهنية، فإن أتمتة عمليات الاكتتاب تسمح بمكاسب لقطاع التأمين العالمي تصل إلى 160 مليار دولار بحلول 2027، فقط عن طريق تبسيط عمليات الاكتتاب وتقليل الوقت والموارد اللازمة له، وزيادة الربحية من خلال تسعير الوثائق وتقييم المخاطر بدقة.
خاتمة
وفي الختام، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع التأمين المصري يوفر العديد من الفوائد، ومن المهم تقييم تأثيره الشامل، خاصة في شركات “الممتلكات والمسئوليات”، من خلال معالجة التحديات ومراعاة الآثار الأخلاقية والتنظيمية.
ويمكن لشركات التأمين تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لدفع الابتكار وتعزيز الكفاءة التشغيلية وتقديم خدمات متفوقة لحاملي الوثائق، وبالتالي تشكيل قطاع أكثر تقدمًا تكنولوجيًا يخدم عملاءه في مصر.
وقد استنتجت دراسة سعيدي صبيرة وفلاق صليحة “تبني الذكاء الاصطناعي في شركات التأمين كآلية لتعزيز الشمول المالي – دراسة حالة شركة أكسا” المنشورة بالمجلة الجزائرية للاقتصاد والتسيير بالعدد 15 لسنة 2021، أن توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف أنشطة شركات التأمين لها دور مهم في توفير تغطيات تتسم بالجودة والتنوع وكذلك السرعة، تتناسب مع جميع فئات المجتمع، ومن ثم، يتمكن القطاع بفضل توظيفات ذكاء الأعمال من التنبؤ واتخاذ القرارات التي تساهم في تطوير خدماته واستقطاب الكثير من العملاء وتعزيز الشمول المالي.
ويمكن الاطلاع على الدراسة كاملة في الملف التالي:
ويخلص التحقيق الذي نحن بصدده إلى أن شركات التأمين في مصر على دراية بأهمية استخدام الذكاء الاصطناعي، ولديها موقف إيجابي تجاهه، وتنظر إليه باعتباره تكنولوجيا من شأنها تحسين عملياتها، إلا أن من الضروري وضع خطط عند تبني تطبيق الـ(AI) في الجوانب المختلفة من تعاملات القطاع، وبالتالي تشكيل نشاط رقمي متقدم مدعوم بالتقنية.
ولا بد من الإشارة إلى أن اتحاد التأمين قد أفرد إحدى جلسات الملتقى السنوي الأول للتأمين وإعادة التأمين (شرم رانديفو 2018 و2019) وكذا ملتقى الشمول المالي والتأمين المستدام 2020، لمناقشة تطبيقات الهاتف لخدمات الرعاية الصحية، لمحاولة إطلاع السوق على المستجدات العالمية والتطورات التكنولوجية والاتجاهات العالمية الحديثة.
وكانت “e finance” قد شاركت منذ أيام بملتقى شرم الشيخ (رانديفو 2024)، حيث قال المهندس هاني موسي رئيس قطاع تطوير الأعمال بـ”إي فاينانس” إن شركته قد استثمرت في البنية التحتية والتكنولوجيا ويناء الكوادر في قطاع التأمين، لاستعمال الذكاء الاصطناعي وتحسين الكفاءة التشغيلية لكياناته، حسب ما نشرته تغطيات “المال” للحدث.