أحدث العصر الرقمي ثورة في مجال الامتثال والتدقيق داخل صناعة التأمين وإعادة التأمين، حيث أعادت التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والبيانات الضخمة، تشكيل العمليات وتقديم مشهد معقد يتطلب تطورا في الامتثال التنظيمي والتدقيق الداخلي، بينما أدت رقمنة العمليات الأساسية، مثل الاكتتاب والمطالبات والتفاعل مع العملاء، إلى ظهور مجموعة جديدة من المتطلبات التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بخصوصية البيانات والأمن السيبراني والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
وتفرض اللوائح، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا وقانون حماية خصوصية المستهلك في الولايات المتحدة، التزاما صارما بإرشادات إدارة البيانات وحماية معلومات العملاء، فيجب على شركات التأمين وإعادة التأمين أن تتعامل مع هذه المتطلبات من خلال معالجة تحديات، مثل الامتثال لحماية البيانات العالمية وإدارة تدفقات البيانات عبر الحدود ومواكبة التغييرات السريعة في اللوائح الرقمية.
تظهر الفرص من خلال تبني حلول التكنولوجيا التنظيمية لأتمتة الامتثال، وتطبيق سلسلة الكتل لتسجيل المعاملات بشفافية، واستخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة وتوقع مخاطر الامتثال، فالزيادة الهائلة في حجم البيانات التي تولدها العمليات الرقمية في التأمين وإعادة التأمين، بدءا من معلومات العملاء وحتى سجلات المعاملات وتقييمات المخاطر، تتطلب نهجا جديدا لضمان الدقة والشفافية والامتثال التنظيمي.
ولم تعد طرق التدقيق التقليدية كافية لإدارة تعقيدات البيئات الحديثة للبيانات، وتشمل التحديات الرئيسة تدقيق كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي والحد من المخاطر المرتبطة بأنظمة اتخاذ القرار الآلية وضمان سلامة البيانات عبر منصات متعددة، ومع ذلك، توجد فرص لتعزيز كفاءة التدقيق من خلال أدوات تحليل البيانات المتقدمة والكشف عن الشذوذ باستخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيق تقنية سلسلة الكتل لإنشاء سجلات تدقيق غير قابلة للتغيير.
وتعليقا على ذلك، قالت أماني الماحي، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروأسيوي للتحكيم الدولي، إن الأمن السيبراني أصبح عنصرا حاسما في الامتثال والتدقيق في مجال التأمين وإعادة التأمين الرقمي، بينما مع تحول الشركات نحو الرقمنة، يزداد تعرضها للهجمات السيبرانية التي تشكل مخاطر تسريب البيانات والخسائر المالية والعقوبات التنظيمية.
وأشارت إلى أن الامتثال للأنظمة والمعايير الأمنية، مثل إطار العمل الوطني للأمن السيبراني، يعد أمرا أساسيا لحماية المعلومات الحساسة والحفاظ على ثقة العملاء، وتشمل التحديات الدفاع ضد التهديدات السيبرانية المتطورة، وضمان الامتثال عبر الولايات القضائية وإدارة المخاطر المرتبطة بالموردين الخارجيين.
وبينت أن فرص تنفيذ إجراءات أمن سيبراني متقدمة، تتضمن إجراء تدقيقات منتظمة لتحديد الثغرات الأمنية والتعاون مع خبراء الأمن السيبراني للتنبؤ بالتهديدات الناشئة.
وذكرت أن، مع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في عمليات اتخاذ القرار في التأمين وإعادة التأمين، تظهر الاعتبارات الأخلاقية وحوكمة الذكاء الاصطناعي كأولوية، بينما يعد ضمان شفافية نظم الذكاء الاصطناعي وعدالتها وخلوها من التحيز أمرا ضروريا للحفاظ على الامتثال التنظيمي وحماية مصالح العملاء، وتشمل التحديات الحفاظ على الشفافية في القرارات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي ومنع التحيزات الخوارزمية وإقامة أطر حوكمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي.
والجراف التالي يبين حجم سوق التأمين على الأمن السيبراني من 2020 وحتى المتوقع في 2030، وفق بيانات “سويس ري” العالمية لإعادة التأمين:
وتابعت أن الفرص إنما تظهر من خلال تطوير إرشادات لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والتدقيق المنتظم لأنظمة الذكاء الاصطناعي، والتفاعل مع الأطراف المعنية لبناء الثقة في العمليات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت أن شركات التأمين وإعادة التأمين في العصر الرقمي إنما يجب عليها التنقل في مشهد سريع التغير من تحديات الامتثال والتدقيق، من خلال تبني التقنيات المتقدمة واعتماد إستراتيجيات استباقية يمكنها تعزيز قدراتها في الامتثال والتدقيق، ما يضمن المرونة والقدرة على المنافسة في عالم يركز على الرقمنة وخصوصية البيانات والأمن السيبراني والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، والتدقيق في الوقت الفعلي أمر حاسم لبناء الثقة والتمسك بالمعايير التنظيمية في صناعة التأمين وإعادة التأمين المستقبلية.