كانت المرة الأولى لاجتماع بهذا الحجم والتركيب وتعارض المصالح! ولكن الضرورات تبيح المحظورات، ولأول مرة يجتمع أطراف اللعبة بقاعة الاجتماعات الخاصة تحت أكبر ملعب بالمنطقة، بعد التعديلات الأخيرة بالبنية التحتية وعمارة الإستاد (قِبلة للناظرين والطامحين أيضًا)! فالاجتماع مصيرى للعبة بالكامل، مما دعـا لتمثيل الأطراف المعنية الأكثر غرابة! بداية من الشركة المالكة للنادي، فرئيس النادى ومديره المالى والأمن، فرئيس الاستاد، فممثلين من الالتراس، الحكام واللاعبين، فممثلى منتفعى اللعبة والاستاد (محلات، مقاولين، موردين، سماسرة المراهنات)، وأخيرًا ممثل عن الجمهور!
ورغم خطورة اجتماع هذه الأطراف على مائدة واحدة لتعارض المصالح واحتمال انفجارها، فإن رئيس القفازات الصامتة – المستثمر الإستراتيجى خلف الشركة المالكة – هو مَن أوعز لرئيسها بجمع هذا الحشد لاستيعابه بدعم قوي! فالشركة المالكة للنادى والإستاد تدير استثمارات وعليها مليارات، وأداؤها مؤخرًا استفز الألتراس وإدارة الإستاد، بعد زخم التطويرات والتوسعات المتجاوزة للعبة وسقف الديون ومفهوم الفريق! فطبقة المنتفعين زادت سماكة وشراسة وتوغلًا، والجمهور مطحون بين ارتفاع التذاكر والخدمات وسوئها، وإدارة الملعب مُغيّبة فى القرارات المتضاربة لرئيس الإستاد، أما الحكام ففقدوا موضوعيتهم وتدنّت لياقتهم، واللاعبون أصبح الإعلام والرواتب شغلهم الأول! المنظومة كاملة تغلي، لدرجة احتمال تكرار صراع ألتراس ونادى ميلان بسبب النتائج السيئة والأداء المتواضع، لجبره على تغيير الإدارة الفنية للنادى (فغيروا فعلًا الطاقم التدريبى والفني)، وصراع ألتراس نادى ليفربول الإنجليزى لإخراج المالكين الأمريكيين توم هيكس وجورج جيليت!
من هنا أتت رؤية رئيس القفازات الصامتة لوضع القنابل كلها فى سلة واحدة، للسماح بمعارك محدودة حتى لا تتحول إلى حرب تهدد اللعبة نفسها والاستثمارات المليارية، فالمهم عنده هو الإستاد نفسه (فليس لديه وقت لتكرار مآسى فشل الكولوسيومات السابقة)! أما تشتيت وبعثرة البشر والكيانات والتكتلات، فأرخص كثيرًا من دمار إستاد يعز تعويضه حاليًّا! خاصة أن اللعب أصبح عالميًّا، وانضم الإستاد للمعالم الرئيسية للعبة! لذلك فضّل حكماء القفازات الصامتة غربلة المصالح وتحجيمها، لصدّ الألتراس، وتخدير الجمهور، وشراء الحكام، وتغويل المنتفعين، وضغط الشركة المالكة لتغيير إستراتيجيتها التى ينفذها النادى وحواشيه! ونظرًا لأن مصلحة القفازات الصامتة استمرار اللعبة نفسها، وعدم استعدادهم لأى انتفاضات جماهيرية أو تمرد ألتراساوى أو تحالف مضادّ من المنتفعين، فكان لا بد من مصير مختلف لعالم الإستاد واللعبة نفسها!
استغرق الاجتماع 4 ساعات متواصلة تحت عين كاميرا خفية تنقله لمجلس القفازات الصامتة! فتبادل الألتراس ضد النادى قذائف فُحش الفساد الإدارى والمالى والفنى المنعكس على أداء ونتائج اللعب وتمييع تراث الإستاد والصفقات المشبوهة للاعبين وأطقم التدريب! ليردَّ الرئيس بتسييس وبلطجة وتفسّد الألتراس نفسه. وكشف رئيس الإستاد عن تجاوز التعديلات الجديدة لحساب المنتفعين، وهاجم المدير المالى للشركة المالكة مجلس النادى لتبديد استثماراتها بقرارات عشوائية! ليكشف رئيس النادى تواطؤ مدير أمن الشركة مع الألتراس ليتلاعب بالجهاز الفنى المعارض لتحكم هذا الرئيس! ولإنقاذ الموقف غازل رئيس النادى ممثل الجمهور بوعود جديدة مريحة تعصره أكثر! فيكشف مدير الإستاد أن كل شيء يتم بعلم الشركة المالكة المعنية بحصتها مع المنتفعين والفساد المتبادل على حساب اللعبة نفسها! ليتهم الألتراس رئيس الإستاد بتسييس الحكام لفوز باطل لفِرق أجنبية مقابل عمولات! فيظهر الصراع أن الحكام لا حول لهم ولا قوة ويديرون اللعب بتعليمات وليس قواعد اللعبة! ويشكو المنتفعون من موالسة مدير أمن النادى مع الألتراس للإضرار بمصالحهم لرفضهم زيادة إتاوته! ويصمت ممثل اللاعبين منتظرًا دوره فى قلب الدور كله.. “ومش لاعبين”!
أصبحت انفجارات المواجهات والمصالح موسيقى تصويرية لإستراتيجية رئيس القفازات الصامتة النساجة لوشاح من الفوضى تحيط بالشركة المالكة نفسها! أما النادى فأداة مُسخّرة لمواجهة الغضب وجنى الأرباح وتدوير الإستاد ماليًّا لمصلحة القفازات، التى لم تر مصلحة للإستاد ولا اللعبة فى فورات أرضية تطيح بمصالح الجميع! ورغم كل الظواهر المؤيدة لقرب وجواز الانفجار، تحتَّم عمل الحسابات بحكمة وأقل ضرر! فلو سمح المستثمر الإستراتيجى بمزيج من تسيّد الشركة المديونة، أو نجاح الألتراس، أو قلبة الجمهور، أو غنج اللاعبين، أو غباء مجلس النادي، أو تحالف المنتفعين، أو استئساد رئيس الإستاد بالمشهد، أو يقظة الحكام، لكان ذلك خسارة على استمرار اللعب نفسه وتهديد الإستاد والاستثمارات المليارية! فكان الحل – على خلاف كل التوقعات – أن يأتى التغيير من داخل الشركة المالكة نفسها لتتوازن مع حتمية استمرار اللعب، خاصة أن النهائيات أصبحت قريبة، والمصالح أكبر من مجلس شركة مالكة صدقت تملكها!
كان للقفازات الصامتة عيون وآذان وأصابع فى أى مكان وكل وقت، يخدمها التكنولوجيا، المطامع، ضعف النفس البشرية، الكبر والخيانة، خبراء الشائعات والمؤامرات. كان إيعازها لرئيس الشركة المالكة للاجتماع أحبولتها لغربلة وتصفية الموقف من داخل أضابيره نفسها! فكان إعفاء الرئيس ومديره المالى هو خطة حكماء القفازات الصامتة لمصير جديد لعالم الإستاد واللعبة! وفى توقيت محسوب دوّت ميكروفونات القاعة بأصوات رئيس الشركة المالكة وفريقه مع رئيس النادى وفريقه، يتحاورون على تطويرات فجة للإستاد لصالحهم مع المنتفعين، واقتسام خصومات مكافآت اللاعبين، وشفط عائد عقود الرعاية، وتدبير مكائد لرءوس الألتراس، وفرض رسوم على التشجيع، وزيادة العضوية والتذاكر… إلخ! وفُتحت شاشة العرض لفيلم الاجتماع، وسط غليان الحاضرين، الذين وجدوا بتحالفهم لأول مرة فائدة لهم بعد إرهاقهم من الكولوسيوم الدموي! لتتركز العيون والأصابع على رئيس الشركة المالكة والنادى وفريقهما؟ فإما الاستقالة أو محاكمتهم، بعد تسجيل الهواتف لصوت وفيلم الاجتماع المشئوم؟! تمسّك رئيسى الشركة المالكة والنادى بشرعية وجودهما ودفاعهما عنه! ولكن رسائل نصية من رقم مجهول دوّت بهواتف باقى الحاضرين لاستمرار الضغط لجبرهم على أن يستقيلوا؛ إنقاذًا للإستاد واللعبة! وتدريجيًّا تشجَّع ممثلو الألتراس والحكام واللعيبة والجمهور لإخراج ما بجعبتهم لاكتشافهم التهديد الجارى لشغفهم الوحيد، وتلمظ المنتفعين بالموقف مع الجميع، لعدم مصلحتهم فى هدم معبد الإستاد! لتنطلق التحذيرات خافتة ثم هادرة بموضوعية، منعًا من محاكمة شاملة! فلم ينته الاجتماع إلا واستقال المسئولون مع وعد بعدم الملاحقة (كان لديهم ما يكفى للمقاومة أو الهرب، ولكن رئيس الشركة المالكة فقط متـأكد أن للقفازات أظافر تشّرح أحلامهم جميعًا)! لتغلق شاشة كاميرا الاجتماع بمجلس القفازات الصامتة برسالة “أحسنت” للمدير الثاني! ويلتفت الأعضاء لشاشة أخرى تبث نتائج كولوسيوم مواز! فمصير القفازات الصامتة هو اللعبة الحقيقية الوحيدة المُصرَّح بها!
* محامى وكاتب مصرى