فرق كبير بين “نُكْتةٌ” أى نُقْطَةٌ سَوْدَاءُ فِى الأَبْيَضِ أَو بَيْضَاءُ فِى الأَسْوَدِ أو شِبْهُ وسَخٍ فى المِرآة، وبين “نُكْتَة لِلتَّفْكِير” أَيْ مَسْأَلَة فِيهَا إِمْعَانٌ وَنَظَرٌ وَفِكْرٌ، وبين “ نُكْتة مُسْتَمْلَحَة”، وتحتها (السخرية) باستخدام اللغة بأسلوب قاسٍ أو هزلى لتوجيه نقد، أو استهزاء بشيء أو شخص، و(الاستظراف) بمحاولة إضحاك الآخرين بسلوك غريب أو تصرفات مُبالغ فيها، و(الفكاهة السمجة) بنِكاتٍ أو تعليقات تحترف السطحية أو التذاكى المكرر أو المفتقر للذكاء. وهذا يختلف عن “نُكت الحياة” وفلسفة الضحك منها، لتفريغ التوترات النفسية، والطاقات المكبوتة، وإدراك التناقض بين التوقعات والواقع، كانعكاس وتأثير على المعايير الاجتماعية والثقافية، وتسليط الضوء على المواقف الاقتصادية والسياسية، وقد تصل إلى “النكت أو الكوميديا السوداء” التى تتناول مواضيع جادة أو مؤلمة بشكل ساخر ومضحك، سلاحها فيه التناقض والصدمة والاستفزاز، لهزِّ مشاعر ووعى المستمع ليستوعب، فيدرك، فيفوق، فيتفاعل! وما دامت هناك “نكت الحياة” وأهل التنكيت والتبكيت، وحتى الكوميديا السوداء، فهناك مساحات لتنفس وعينا وتفكيرنا وحريتنا مع الآخر، فنكت الحياة انعكاس لصورة بلد كامل بشعبه وثقافته ومتغيراته ونظامه وقوانينه وظروفه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل الدولية. ولتصور الفوارق بينهم، يكفينا استرجاع تاريخ أساطين صانعى نكت الحياة مثل العظيم شارلى شابلن، بيتر سيلرز، ريتشارد بيرنز، الأديب نجيب محفوظ، المازني، بديع خيري، عبد الحميد الديب، كامل الشناوي، محمود السعدني، ا.ف.نجم، عبد الرحمن الخميسي، محمد عفيفي، جلال عامر، أحمد رجب، وغيرهم من صُناع نكت الحياة فى القرن العشرين.
منذ إطلالة القرن 21، وهو قرن ظهور تمكين بروتوكولات الـ”24 نكتة سوداء” لمشارف انتهاء الربع الأول منه! النكت بمعناها النقط السوداء وتجريف البشر والجغرافيا لصناعة تاريخ جديد! بداية من إستراتيجيات وتدشين وتداعيات ومستقبل العالم الجديد منذ 11 /9/ 2021 (وقبلها أزمة الصفرين Y2K) (البروتوكول 2، 5، 7، 10، 11، 12، 13، 20)، اجتياح الكويت وفضيحة أبو غريب 2004، الكساد الكبير الأمريكى 2008 (البروتوكول 4، 6، 11، 21)، 2010 – 2012 الربيع العربى بثورات تونس ومصر، نقل السلطة باليمن، الثورة المسلّحة بليبيا، انتفاضات واحتجاجات بالجزائر، أرمينيا، البحرين، جيبوتي، العراق، الأردن، تركيا، احتجاجات صغيرة بأذربيجان، الكويت، لبنان وموريتانيا والسعودية والسودان (البروتوكول 1، 2،5، 9، 10، 13، 16، 20، 21، 23)، التسريبات الكبرى 2010 – 2013 لوثائق ويكيليكس بأزمات السياسة الدولية، وفضيحة سنودين لبرامج المراقبة واسعة النطاق لوكالة الأمن القومى الأمريكية (البروتوكول 2، 12)، مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبى 2016 وتغيرات السياسة والاقتصاد الأوروبى (البروتوكول 5)، 2016 تفاقم مذابح مسلمى ميانمار والروهينغا (البروتوكول 17)، 2008 – 2023 فخ الديون الصينى بإقراض 3 تريليونات دولار تقريبًا لـ22 دولة بمبادرة طريق الحرير، المنضمّ لها 156 دولة، وبدأ تنفيذ الاستعمار الاقتصادى الصينى العالمى واقعيًّا، بالاستحواذ لأراضى ومشروعات الدول المدينة (البروتوكول 8، 11، 20، 21)، لمعان الخليج، وأزمة ريتز الرياض 2017 وبدء تغير الخريطة السعودية بالكامل حتى 2024 ومستمرة (البروتوكول 1، 4، 9، 13، 17 ، 22)، كورونا 2020 كأول أحبولة عالمية علنية لمنظومة العالم الجديد، وبدء منظومة العالم الأجدد للمليار الذهبى (البروتوكول 2 ،6، 11، 13)، يوليو 2021 بداية بناء وأزمة سد النهضة (البروتوكول 5، 6، 10، 19)، الأزمة السياسية بفنزويلا للطعام والوقود، واستجابات الحكومة غير الفعالة (البروتوكول 1، 5، 21)، الفضيحة المالية لحكومة الأرجنتين لاستغلال الوزراء مناصبهم لأغراض شخصية (البروتوكول 8، 9، 6)، كل ذلك يكمل صورته الشبكية، تطورات حركة الأفروسنتريك بمصر 2024 (البروتوكول 2، 9، 12، 13، 19)، الحركة المدروسة لهجرة بعض الأفارقة إلى تونس وليبيا ومصر 2023 – 2024 (البروتوكول 1، 5، 11، 15، 19)، اجتياح روسيا لأوكرانيا وتداعياتها الأوروبية (البروتوكول 5، 7، 8، 9، 11، 13، 15، 19، 21، 24)، 2019 تدشين البيت الإبراهيمى بأبوظبى وافتتاحه 2023 (البروتوكول 4، 8، 13، 17)، 2023 عملية طوفان الأقصى بغزة وتحول إسرائيل لدفاع الإبادة تنفيذًا لمخطط الشرق الأوسط الجديد، توترات الحوثيين بالبحر الأحمر وغارات أمريكا وبريطانيا على اليمن، تأثر حركة النفط العالمية وتهديدات طرق الملاحة الدولية، وتداعيات جرّها لضرب غاز إسرائيل المؤثر فى كهرباء مصر، اغتيال القيادى إسماعيل هنية بإيران 2024 وتوقعات المؤامرة والرد (البروتوكول 1، 4، 5، 7، 11، 13، 19)، عرض فرنسا “ملكة السحب” بافتتاح أولمبياد 2024 كموجة جديدة سافرة لخلل مجتمعى ودينى وقيمي، رفضه المجتمع الدينى والسياسى المسيحى (البروتوكول 1، 9، 12، 13، 14، 16، 17، 19)، وغيرها من أزمات عالمية مصنوعة بحبكة درامية متصاعدة، تفوق روايات ملك الخواتم، وتوقعات جورج أورويل فى 1984!
للأسف تجاوز العديد من الدول عهد “نكت الحياة” وفلسفة وفلاسفة الضحك، لتتورط بسيناريوهات البروتوكولات وحواشيها وبطون النكت السوداء، وتوثيق تنفيذها فعلًا، وأثرًا، وتداعيات! ليسود مهرجو الاستظراف الممجوج والفكاهة السمجة والتلاعب بالعقول والمشاعر، إدارة ثقافات ومصالح الشعوب والمجتمعات، لدرجة جفاف وتخدير منابع الذكاء الفطري، ويقظة الوعي، وتحليق الرأي، ليرصدوا زخم توالى وتشابك الأزمات العالمية، الفاسقة عن أى فهم أو بلورة أو حتى تنكيت هادف يحاول ربط قطع البازل ببعضها!
عند النظر فى أى موقف محلى أو إقليمي، فأحداث القرن الـ21 تُحتم علينا النظرة البانورامية لمجريات العالم، ولم يعد يكفى لحل مشاكل محلية مثلًا، أن نفكر ونتدبر مصريًّا أو عربيًّا أو إسلاميًّا فقط! ولكن ندخل خلاط عالمية الأزمات، وإعادة جيوسياسية مصر مثلًا، وعبور الاستثمارات الحدود، واستيلاد رضا عبيد جدد بأجور سخية لسادة حكمة الملايين وجمال المليارات لنكون عبرة العالمين!
ولعل ما يلخص مفهوم وأزمة قرن النكت السوداء، هى أشهر نكت “قديمة” ومستمرة حتى الآن على الإنترنت! (يقول الطبيب لمريضه عندى أخبار جيدة وأخرى سيئة! أما السيئة فعلينا بعملية بتر ساقيك! يرد المريض وما الجيدة؟ فيطمئنه الطبيب: عندى صديق يستطيع شراء حذائك!) – (راكب أوكرانى مضمد عينيه وأذنيه وفمه، يمد يده بكارت لمحصّل التذاكر: عفوًا، من ذوى الهمم كما ترى) – (يسأل روسي: ماذا يحدث إذا قلت شيئًا ضد الحكومة؟ فيردّ الآخر: لا أعرف، لم يخرج أحد ليخبرنا بذلك بعد!) – (تساءل مواطن أرجنتيني: كيف تعمل الديمقراطية هنا؟ فيردّ مواطنه: نحن نصوّت فى كل انتخابات، ثم الحكومة تفعل ما تريد!). هذا ملخص النكت السوداء التى يرضعنا إياها القرن الـ21 فى ربعه المشكل الأول! والله أعلم بباقى الأرباع؟
* محامى وكاتب مصرى