عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أمس الثلاثاء، ندوة بعنوان: “أين تقف المناطق الحرة في مصر من النماذج المنافسة في تركيا والإمارات؟، تم خلالها عرض الدراسة التي أعدها المركز حول المناطق الحرة في مصر مقارنة مع أهم التجارب الدولية في تركيا والإمارات، بحضور نخبة مميزة من الخبراء والمتخصصين.
واستعرضت الدراسة بشكل مفصل تعريف المناطق الاقتصادية والمناطق الحرة وأنواعها وعددها وتوزيعها وتاريخ نشأتها، والتطور التاريخي للإطار التشريعي والمؤسسى الحاكم للمناطق الحرة في مصر، وأدائها خلال عام 2023 على مستوى الأداء التصديرى والتشغيل، وقدمت الدراسة مقارنة تفصيلية بين أداء المناطق الحرة في مصر ونظيرتها في الإمارات وتركيا، سواء على مستوى الأداء أو الإطار المؤسسى والتشريعي الحاكم للمناطق الحرة في الدول الثلاث.
وتعد المناطق الحرة في مصر هي الأقدم من حيث تاريخ إنشائها حيث تم إنشاء أولى المناطق الحرة في مصر عام 1973 في مدينة نصر والإسكندرية، وتعد في مصر هي الأكبر عددا حيث يبلغ عددها نحو ما يقرب من 218 منطقة عام 2024. وتشكل صادرات المناطق الحرة المصرية النسبة الأكبر من حيث نسبة مساهمتها في صادرات الدول محل المقارنة، حيث تسهم صادرات المناطق الحرة المصرية بما يقرب من نصف الصادرات المصرية وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول محل المقارنة، وتعد قيمة صادرات المناطق الحرة المصرية والتركية ضعيفة مقارنة بالإمارات، حيث بلغت 22.2 مليار دولار في مصر عام 2022، مقابل 18 مليار دولار في تركيا، و105 مليارات دولار في الإمارات.
ورصدت الدراسة ضعف معدلات نمو قيمة الصادرات للمناطق الحرة المصرية مقارنة بالإمارات وتركيا، بحساب متوسط معدلات النمو السنوية للمناطق منذ 2017 ، فبالرغم من تحقيق المناطق المصرية متوسط نمو يقدر بحوالي 7% الا أنها تظل النسب الأقل بين الدول محل المقارنة حيث حققت الإمارات حوالي 12% بينما حققت تركيا حوالي 8%، وباستبعاد نسبة النمو السنوي لعام 2022 (والتي تشكل الوزن النسبي الأكبر لنمو للمناطق الحرة المصرية حيث حققت نمو يقدر بـ 32%)، يحقق متوسط معدل النمو السنوى للمناطق المصرية 2% فقط.
ووفق الدراسة تنخفض نسبة تصدير المناطق الحرة المصرية للسوق الأجنبي مقارنة مع السوق المحلية، حيث تبلغ نسبة تصدير المناطق الحرة للسوق الأجنبية في الإمارات 92%، وفي تركيا ما يقرب من 65%، بينما لم تتجاوز تلك النسبة 42% في مصر.
وبينت الدراسة انخفاض نسبة المشروعات والصادرات الصناعية من المناطق الحرة المصرية مقارنة مع تركيا، حيث تشكل المشروعات الصناعية حوالي 47% من حجم المشروعات في المناطق الحرة المصرية يليها المشروعات الخدمية والتخزينية، كذلك بلغت قيمة الصادرات الصناعية (على أقصي تقدير) ما يقرب من 48% من قيمة صادرات المناطق الحرة، بينما بلغت في تركيا نسبة قطاع الصناعات التحويلية النسبة الأكبر من حجم تجارة وأداء المناطق الحرة بنسبة تصل إلى 96%.
ويختلف هيكل صادرات المناطق الحرة في الدول الثلاث، حيث يلاحظ استحواذ قطاعي تكرير البترول والملابس الجاهزة والمفروشات على النسبة الأكبر من حجم صادرات المنطقة الحرة في مصر بنسبة تصل إلى ما يقرب من 66%، كذلك شهد قطاع البترول تغيرا كبيرا خلال عام 2022 مقارنة مع العام السابق له حيث ارتفع وزنه النسبي من 37% إلى 52%، ويعاني قطاع الآلات والمعدات الكهربائية من ضعف وتذبذب في الأداء التصديري للمناطق الحرة المصرية حيث لم تتعد صادراته 6% من صادرات المناطق الحرة.
و بالنظر إلى الإمارات يلاحظ اختلاف هيكل صادراتها عن هيكل الصادرات للمناطق المصرية حيث استحوذ كل من قطاعي الآلات والمعدات الكهربائية والمركبات والسيارات على نسبة تصل إلى ما يقرب من 65% من إجمالي صادرات المناطق في عام 2022، حيث شهد نموا ملحوظا يقدر متوسطه بحوالي 13% سنويا منذ عام 2017، كما يلاحظ دخول صناعات جديدة أكثر تفصيلا داخل تلك القطاعات ساهمت بشكل ملحوظ في تحقيق ارتفاع نسب النمو لها.
أما بالنسبة لتركيا – فبالرغم من عدم توفر بيانات تفصيلية حديثة للقطاعات – ولكن يلاحظ ارتفاع المساهمة التصديرية لكل من قطاعات الآلات الكهربائية والمركبات منذ عام 2004 محققين نسبة تصل إلى 45% من صادرات المناطق الحرة التركية في عام 2009.
كذلك وفقا لآخر الإحصائيات فقد بلغت نسبة مساهمة القطاعات متوسطة وعالية التقنية ما يقرب من 52% من إجمالي صادرات المناطق الحرة التركية في عام 2023.
وأظهرت الدراسة ضعف الصناعات عالية التقنية وانخفاض القيمة المضافة من صادرات المناطق الحرة في مصر مقارنة مع تركيا، حيث بلغت نسبة الصناعات عالية التقنية في المناطق الحرة المصرية حوالي 1% من حجم الصناعات داخل المناطق، بينما ظهر تطور ملحوظ في حجم الصناعات عالية التنقية في تركيا منذ عام 2002، وحتي اليوم حيث بلغت ما يقرب من 9%، كذلك بلغت صادرات القيمة المضافة لصادرات للمناطق الحرة في تركيا حوالي 2.5 دولار للمنتج وهي نسبة تفوق المستهدفات العامة لتركيا الخاصة بتحديد نسب القيمة المضافة المستهدفة والتي تقدر بـ 1.5 دولار للمنتج في عام 2023 للصادرات التركية.
ورصدت الدراسة ضعف الاستثمارات الأجنبية بالمناطق الحرة المصرية، حيث تستحوذ مصر على النسبة الأقل من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية بالمناطق الحرة مقارنة مع الإمارات وتركيا ، حيث تصل نسبتها 20% في مصر، مقابل 26% في تركيا، بينما تبلغ 80% في الإمارات، وتستحوذ منطقة جبل علي على 24% من إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي.
وعلى الرغم من مساهمة المناطق الحرة المصرية بحوالي 47% من حجم الصادرات المصرية إلا أن حجم العمالة بها لم يتجاوز 200 ألف عامل، وهي نسبة لم تتعد خلال تاريخها 1.3% من إجمالي حجم المشتغلين بمصر، كذلك تستحوذ مصر على النسبة الأقل في عدد المشروعات بين الدول محل المقارنة، والنسبة الثانية بعد تركيا في أعداد المشتغلين.
وأشارت الدراسة إلى وجود اختلاف في طبيعة التنظيم والإطار المؤسسي الحاكم للمناطق الحرة في الدول الثلاث، حيث يوجد في مصر جهة إدارية واحدة وهي الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة وهي الجهة المسئولة عن تطبيق أحكام قانون الاستثمار والجهة المشرفة على الاستثمار في مصر كلها ويتولى مسئولية المناطق الحرة قطاع داخل الهيئة من ضمن 9 قطاعات، بينما يقوم القطاع الخاص في تركيا بإدارة وتشغيل معظم المناطق الحرة، بينما تقوم المديرية الحكومية بالإشراف عليها.
وفى الإمارات يكون لكل منطقة هيئة مستقلة تديرها قد تكون حكومية أو غير حكومية، وهو ما يساهم في تسريع وتيرة الإجراءات البيروقراطية، ويعتمد توجه الإمارات بشكل عام في تنظيم المناطق على مبدأ التخصص والاستقلالية وهو أيضا ما ينعكس على أدائها.
كما أن هناك تنوعا في طبيعة ودرجة التعاون بين المناطق المختلفة ما بين الدول الثلاث، حيث يرتفع مستوى التعاون بين المناطق بشكل كبير للغاية في تركيا والذي ظهر في وجود شركة مساهمة تجمع تحتها جميع شركات القطاع الخاص الذي يدير المناطق التركية، بينما تنخفض درجة التعاون نسبيا في الإمارات وهو ما دفع الحكومة إلى إنشاء مجلس يجمع مناطق دبي وأبوظبي لتعزيز التعاون بينهما، بينما يكاد التعاون شبه منعدم في مصر نتيجة المركزية في إدارة تلك المناطق.
وعلى جانب التكامل والترابط مع أهداف الدولة، أوضحت الدراسة أن المناطق الحرة فى تركيا تتميز بكونها جزءا من خطة التنمية الاقتصادية المستدامة للدولة بحيث تتكامل وتترابط مع أهداف الدولة التنموية على المستويين سواء قصير أو طويل الأجل، بحيث كانت جميع المستهدفات الخاصة بالمناطق على مدار تاريخها منبثقة من إستراتيجية التنمية الاقتصادية للدولة، وبالرغم من تحقيق مستهدف زيادة الصادرات الخاص بالمناطق المصرية ولكن العديد من الأهداف الأخرى لم تشهد تطورا نوعيا خلال الفترات الأخيرة.
ومن ناحية البعد التشريعي فهناك تنوع واختلاف بين الدول الثلاث في طبيعة رؤية المناطق الحرة وهو ما نعكس على فلسفة التشريع لكل منهم. لكل من المناطق الحرة في تركيا والإمارات قانون أو قوانين خاصة بها تختلف عن طبيعة قوانين الاستثمار الأخرى في الدولة، بينما في مصر تندرج تشريعات المناطق الحرة تحت قانون واحد حاكم لكل أنواع الاستثمار في مصر.