اليوم 31 ديسمبر، آخر يوم فى 2023، موعد مقالتى الثلاثين فى تحضيرات قضية مصر ضد نسخة تمثال شامبليون 1875، للنحات الفرنسى أوجست بارتولدى، والكائنة بالسوربون/ الكوليدج دى فرانس بباريس.
30 مقالًا عرضت جوانب قضية إساءة نسخة تمثال شامبليون للنحات بارتولدى، للحضارة المصرية القديمة ومصر والشعب المصرى، منذ 1875 وحتى الآن! حرصت فى مقالات 2023 أن تكون “سنة التوعية” التى نقلت الموضوع من “مشكلة” تمثال يثير حفيظة وحنق المصريين، إلى “قضية” إثبات المسئولية التقصيرية الفنية على بارتولدى فى تحريفه عمدًا لنسخة تمثاله الأصلية “شامبليون 1867” المعروضة بمعرض المصريات بفرساى بباريس – كما وثقته جريدة Le Journal illustre الفرنسية عدد أغسطس/ سبتمبر 1867 – (المكتشفة من المصرى الفرنسى الأصل/ هشام جاد 2023) بتورطه فى خطأ فنى ومهنى عمدى عام 1875 فى نسخته المعدلة للتمثال، بوضع الحذاء الأيسر لشامبليون على رأس الملك المصرى رمسيس الثاني! فى رمزية فنية تبروز الإهانة المباشرة والواضحة لمصر، بعد رفض الخديو إسماعيل لوضع تمثال بارتولدى المقترح فى مدخل قناة السويس عند افتتاحها!
ورغم ازدحام 2023 بزخم من الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، التى ضغطت وغطت على “حواديت” شامبليون، لدرجة اعتبار الكثيرين جدًّا أن (عفريت شامبليون) خالد، رغم أنف كل من يحاول مجرد زحزحة ذكره فى العالمين! إلا أننى حرصت على أن تكون 2023 الترقية من التغطية الإخبارية للموضوع، للتغطية الموضوعية الموثقة لمقاطع النزاع الفنية والقانونية والتاريخية والمستندية لأزمة التمثال المنكود، بإثبات عناصر المسئولية التقصيرية الفنية على بارتولدى، طبقًا للقوانين الفرنسية والمصرية، وميثاق اليونسكو، وقرارات جمعيتها العمومية بشأن التماثيل المسيئة مثل؛ قرار 39C/Resolution 12 (2017): الصادر للتعبير عن استنكار اليونسكو للعمل الفنى المسيء المعروض فى معرض فى العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، والذى كان يسيء للمسلمين والمسيحيين – كذلك قرار 40 C/Resolution 53 (2019): الذى أكدت به اليونسكو أهمية حماية التراث الثقافى والتعاون الدولى لمكافحة الأعمال الفنية التى تنتهك الثقافات والحضارات – أيضًا قرار 32 C/Resolution 42 (2003): ، وبه تعهدت اليونسكو فيه بتكثيف جهودها لمكافحة الإساءة والإهانة للدول الأعضاء وثقافاتها، ودعت الدول الأعضاء إلى تعزيز الحوار الثقافى والتفاهم المتبادل بين الثقافات، وتجنب أى تصرفات تسبب التوتر والصدامات بين الثقافات – ومثله قرار 34 C/Resolution 69 (2007): باتخاذ اليونسكو قرارًا يدين الإساءة والإهانة التى تستهدف الثقافات والأديان والتراث الثقافى، ودعت الدول الأعضاء إلى تعزيز التفاهم والحوار بين الثقافات، والتركيز على تعزيز الاحترام المتبادل والتعاون الثقافى.
عندما وصفت 2023 (سنة التوعية) بقضية شامبليون قصدت بها، أنه من خلال كتابتى 30 مقالًا، ونشرى كتابًا واحدًا وزعته، وندوتين ثقافيتين، إحداهما بصالون الإعلامية الأستاذة/ إيمان الخضرى، والأخرى ببيت السنارى (بمناسبة مناقشة كتاب د/ بهى الدين مرسي)، عندما عرضت بعد كلمة أستاذنا د. وسيم السيسى (الذى أفرد مقالين 2023 لأزمة التمثال بعد زخم موضوعاته عنه منذ 2018)، لخلفيات وعناصر وأبعاد القضية فى الوعى الثقافى المصرى بقدر الإمكان. استهدفت حملة توعيتى القانونية/الموضوعية – من خلال صفحات جريدة المال وموقع فيسبوك – لتجاوز الوعى الغضبى مكتوف الوسيلة، للوصول لتبصير المصريين بالبيانات والمعلومات اللازمة عن قضية نسخة تمثال شامبليون 1875، لوقف نزيف كرامة المصريين من الأضرار الناجمة عن وجود التمثال بباريس، وكذلك عن الاستمرار فى التعتيم عليه، وتقزيم أو وأد أى محاولات جادة لمحاكمته، وأيضًا محاولات إظهار استفادة البعض من وجوده المؤثر علينا منذ 150 سنة وحتى الآن (يكفينا الإحساس بوجود حذاء فرنسى على عنقنا منذ 1875 ولا نعرف كيف نرفعه)! وعند المحاولة إما تجهض، وإما تُسخف، وإما يُعتم عليها، وإما تودع الأدراج.. إلخ.
أزعم أن وعى 2023 بقضية شامبليون ستجعل المصريين ينتقلون لحياة يقظة الفعل فى 2024 (أى الحياة التى يعود لها المرء، بعد النوم، أو الغشى، والحمى) ليستعيدوا قواهم الذهنية المعتادة، فى تجديد وعيهم بالقضية واستعدادهم لدعمها تنفيذيًا فى 2024.
أشرت فى ختام مقالى السابق (أريد حلًّا وشامبليون)، لاختيار السفير المصرى بباريس رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية والبرامج التابعة للمجلس التنفيذى لليونسكو، وما يمنحه هذا المنصب من فعاليات موضوعية للنظر فى المبادرات ومشروعات القرارات الوطنية التى قدمتها الدول الأعضاء خلال دورة المجلس، بجانب عدد من الموضوعات الهامة المتعلقة بمجمل مبادرات وأنشطة اليونسكو بمختلف مجالات ولايتها الثقافية والعلمية، والتعليمية، والفنية إقليميًّا، وعالميًّا؛ لذلك وصف عام 2024 (سنة الفعل)! فماذا يبقى أمام مصر لطرح قضية كرامة حضارتها وشعبها المدعوسة تحت الحذاء الشامبليونى، بعد أن يترأس “مصرى وسفير ومثقف وطني” لجنة العلاقات الخارجية التابعة للمجلس التنفيذى باليونسكو؟ والتى أصدرت جمعيتها العامة قرارات توجيهية تدين الإساءة والإهانة للدول الأعضاء أو شعوبها أو حضاراتها، وشملت اتفاقيتها لحماية التراث الثقافى غير المادى عام 2003، حماية التقاليد والعبادات والممارسات الثقافية التى ترتبط بالهوية الثقافية للشعوب – فماذا يبقى بعد ذلك لمصر من مطالبة ابنها “رئيس اللجنة باليونسكو” للذود عن كرامة أهله، ورفع رأس جده الخانعة تحت حذاء شامبليون، بمباركة الكوليدج دى فرانس، والسفراء الفرنسيين بمصر، والمتفرنسين بها والبارتولديين، على مر السنين؟
قضية مصر ضد نسخة تمثال شامبليون 1875، غير موجهة لفرنسا أو الشعب الفرنسى أو الثقافة الفرنسية، ولكن قضيتها مع الفنان النحات أوجست بارتولدى فى إساءته الحق فى الإبداع، بتشويهه متعمدًا لمعنى فنى، تحققت معه عناصر مسئوليته الفنية التقصيرية. ومن هنا فإن تحديد مقاطع نزاع القضية وأطرافها والطلبات فيها، ستخضع للأصول التقليدية فى القانونين المصرى والفرنسى ومواثيق اليونسكو، من حيث الحق فى الشكوى (التى تكفلها اليونسكو للأفراد ومنظمات المجتمع المدني)، وعناصر إثبات الخطأ والضرر وموضوعية الطلبات، لتكون الكلمة فى النهاية لمدى إيمان اليونسكو بمواثيقها وقراراتها، وللقضاء الفرنسى بقوانينه ومبادئ الثورة الفرنسية.
كل عام ومصر والمصريين بخير، والكرامة والعزة المصرية بعافية لا تنام أو تستسلم، فـ2024 عام الأفعال لا الأقوال!
* محامى وكاتب مصرى