أتذكر فيلم «أريد حلًّا»، عن قصة واقعية وثّقتها الأديبة حُسن شاه، لزوجة بقضية استمرت 15 عامًا بالمحاكم لتطليقها للضرر من زوجها الدبلوماسي، وأحجمت الدوائر عن الفصل فيها وتأجيلها لزخم من الأسباب، لاستشعار القضاء الشرعى الحرج من الطلاق للضرر وقتها، وعدم وجود قانون حاسم للأحوال الشخصية يسعف، وتجنب كل قاض حمل مسئولية حكم قد يصبح سُنّة لاحقًا، إلى أن تصدَّى للقضية المستشار المرحوم/ حامد كيلانى عمر – الذى أخبرنى بالواقعة شخصيًّا بمنزله بشارع رمسيس قبل وفاته 1988 – بأنه كتب الحكم بالطلاق وتهيّأ للنطق به يوم الجلسة، ليتفاجأ بمحامى الزوجة الأستاذ/ المعداوي، ليلة الجلسة، يتصل به قائلًا “حكم السماء صدر يا سيادة المستشار وتُوفى الزوج أخيرًا!”.
تم إنتاج فيلم «أريد حلًّا» 1975، وتفاعل الشارع معه جدًّا، وكان سببًا لصدور قانون الأحوال الشخصية الجديد 44 لسنة 1979، ليسدّ ثغرات الماضى ويساعد فى منح الحرية لجيش من الزوجات ضد عسف وتعنت الأزواج. فهل تمثال شامبليون يدعس رأس رمسيس الثانى يحتاج لقرار منصف أو قانون لاسترداد وردّ انتهاكات الآثار المصرية القديمة؟ أم ننتظر 15 قرنًا إضافية ليموت الكبرياء والتعنت والمكابرة والموالسة، ليصدر قانون يعطينا حلًّا؟
على مدار 29 مقالًا منذ 4/12/2022، تداولت مع القارئ جذور قصة، فمشكلة نسخة 1875 من تمثال شامبليون، للنحات الفرنسى بارتولدى بمدخل السوربون / الكوليدج دى فرانس، ممثلًا عالم المصريات الفرنسى شامبليون يدعس بحذائه الأيسر رأس الملك رمسيس الثاني! تبلور المدار فى ترسيمى لـ“قضية تمثال شامبليون” بصورة قابلة للمطالبة قانونًا وقضاء بتقرير عدم صلاحيته للعرض وإزالته. وكأى قضية يلزمها صفة وحق ومصلحة فى واقعة مُثبتة من مخطئ على مضرور، سند قانوني، دليل فني، تكامل عناصر الخطأ والضرر وعلاقة السببية، عدم وجود أسباب مشروعية أو إعفاء من المسئولية، وهو ما يدخل فى تحقق أركان المسئولية التقصيرية للمخطئ وتعويضه عن الأضرار بأنواعه التى أصابها خطؤه، فيما ألحقته بالمضرور من خسارة، وما فاته من كسب. طبقًا للمعطيات والمستندات والأدلة، فإن قضية (المسئولية الفنية التقصيرية للفنان التشكيلى أوجست بارتولدى عن نسخة تمثاله شامبليون 1875) لها أصل فى التاريخ والأوراق والقانون المصرى والفرنسى والدولى وميثاق الأمم المتحدة.
فى تقديرى أن بارتولدى والبارتولديين بفرنسا ومصر لم يصادفوا منذ 1875 حتى ديسمبر 2023 حملة موضوعية قانونية ممنهجة، كتلك التى تداولتها على صفحات جريدة المال، لإخراج الموضوع من الامتعاض الفنى التاريخي، الذى لم ينجح فى إثبات موضوعيته، إلى بلورته فى “مطالبة قانونية/ قضائية” بها صفة وحق ومصلحة وخطأ وضرر وعلاقة سببية. إذن أين المشكلة أو الإعاقة فى المطالبة؟
هل تنحصر (صفة) المطالبة فى مصر، ولو كذلك فلِم لا تفعل؟ ولو قيل، بل تمّت ورفضتها فرنسا، فهل نكتفى بهذه الإجابة؟ ونكمل الصمت والانشغال فى الديون والتضخم وحرب غزة وسد النهضة وتعلية جدار رفح والفترة الانتخابية والتشكيل الوزارى الجديد… إلخ؟ ونضمن استمرار غلق ملف مصر وشامبليون ليهنأ بارتولدى وأحفاده وحواريوه؟ من الحالات الدولية النادرة أن توجد صفة لدولة للحصول على حق مُثبت ومقنن ولا يُطالَب به؟ حسمًا، هناك اعتبارات سياسية ودبلوماسية، وقد تكون عسكرية أو “أثرية” حرِجة فى العلاقات بين البلدين، تحرص على وأد هذه القضية بصورة خارج أى مناقشة! ولكن هل هذه الاعتبارات تُعدّ من «موانع مسئولية» الإدارة المصرية أمام الشعب والتاريخ والمستقبل، منذ 2010 وحتى يُتخذ قرار قدَّر الله أن يكون مفعولًا يومًا ما؟
منذ 2010، وتزدحم الصحف والمجلات والميديا المصرية والعالمية بالامتعاض والهجوم المصرى على تمثال شامبليون، مقابل الرفض والتبرير والمكابرة والصمت الفرنسي! منذ 1875 ولمصر وشعبها وتاريخها ومستقبلها صفة وحق ضد أوجست بارتولدي، فيما لقّم به تمثاله من معانٍ ورموز غير صحيحة تسيء لحظيًّا لمصر وشعبها وتاريخها وحضارتها، منذ 2010 تاريخ نشر أول صور وفيديو عن التمثال على الإنترنت ولمصر وشعبها ذات الصفة والحق فى المطالبة برفع الضرر، من 2010 ولم تتخذ مصر رسميًّا مطالبة قانونية رسمية صحيحة بفرنسا لرفع الضرر الواقع من تمثال شامبليون!
غير أن اقتراح دبلوماسى مصرى بباريس – بارتولدى الهوى – أنه لحلِّ المشكلة يمكن وضع لافتة مكتوبة على التمثال تفيد بمعناه وأنه لا يمثل إساءة لمصر ولشعبها! وتم تنفيذ الاقتراح، ولم يذكر هدفه، كلطمة تكميلية من التمثال العنيد!
شعب مصر يريد حلًّا فى إشكالية شامبليون! وقد يكون بصيص الأمل فى اختيار المجلس التنفيذى لليونسكو – أكتوبر 2023 – سفير مصر لدى فرنسا والمندوب الدائم لدى اليونسكو، رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية والبرنامج التابعة للمجلس، التى تنظر عددًا من الموضوعات المهمة للجنة المتعلقة بمبادرات وأنشطة اليونسكو بمختلف مجالات ولايتها الثقافية والعلمية والتعليمية والفنية إقليميًّا وعالميًّا، فضلًا عن النظر فى المبادرات ومشروعات القرارات الوطنية التى قدمتها الدول الأعضاء خلال دورة المجلس. فهل ينصف سفير مصر ورئيس لجنة اليونسكو بلده فى إعداد قرار وطنى مصرى بعدم صلاحية تمثال شامبليون للعرض، وإعفائه من هدر كرامة مصر والمصريين منذ 1875؟
هل ينحاز رئيس لجنة العلاقات الخارجية والبرنامج، التابعة للمجلس التنفيذى لليونسكو (المصرى المولد، والوظيفة، والصفة)، فى حمل صوت مصر على عَلم مرصَّع بالكرامة والتاريخ والالتهاب الشعبى والمطالبة بحل قضية تمثال شامبليون 1875؟ أم ينضم إلى صفوف القضاء الشرعى قبل حكم السماء بموت معانى العنصرية والمكابرة والتبرير؟
من أسس القواعد القانونية بطلان المطالبة عند انعدام الحق، ولكن إذا وُجد، وأُثبت، وثبتت الصفة والمصلحة ولم تتم المطالبة، أو تتم خطأ – سهوًا أو قصدًا أو إهمالًا – فنحن نتغنى بحكمة كابتن على زيور (هناك فرق بين تضييع الوقت واستهلاك الوقت) ونجرى بعيدًا عن «الجون»… أو الحل!
أريد حلًّا يا بارتولدى فى 2024، وما بدايته ببعيد… فانتظر!
* محامى وكاتب مصرى