مصرنا على أعتاب مرحلة جديدة، وفرصة ذهبية للمحافظة على خطوات جادة وتغيرات جذرية منذ 2013. مرحلة نحتاج فيها تغليب مصر تاريخًا وجغرافيةً وشعبًا على المصالح البينية والفئوية وتطويرًا مع المصالح العربية. نحتاج فيها التعامل بمنتهى الحذر مع كلمة “حرب”، هل هى حتمية أم دعوة أم أحبولة للتوريط بكافة آثارها على الشعب والموارد والجغرافيا، وهل حددنا العدو ومن سنحارب فعليًا؟ وهل اخترنا موقعها ووقتها بحسابات العُدة والعتاد؟ وهل صنفناها هل هى عسكرية أم سياسية أم قانونية أم وعيية أم إعلامية؟ هذه المرحلة فرصة لتطعيم أهل الثقة بالخبرة وإعادة أهل الحل والعقد للصفوف، وتفكيك شفرة صفقات السياسة بالاقتصاد بالأمن بالأعدقاء (الأعداء/الأصدقاء). 6 سنوات قادمة تحتاج مراجعة وإنعاشًا لقدرات ووطنية الإعلام الداخلى المكتوب والمرئى والمسموع، بصورة تضمن توحيد فهم الشعب والإعلام والحكومة والجيش لمعنى ودور ومسؤولية مصر المعاصرة والغد، هذا الفهم بدرجات ومعانٍ مختلفة تحتاج استيعاب الصراع الدولى وحركة التاريخ فى إعادة تشكيل العالم والمنطقة وموقع مصر فيها والانتباه لتأثيرها عليها، خاصة إذا كانت التغيرات والتهديدات الجيوسياسية خلال الـ٦ سنوات القادمة قد تمس تدهور أحوالنا أكثر وأعمق، لنكون أكثر حكمة وروية. لا شك أن نتائج أى حرب خارجية ستؤثر على نتائج تنمية وبنية تحتية 10 سنوات ومصالح وطنية مستهدف تفريغها، وتحتاج تأمين وتطوير علاقة ومصالح مصر مع الاتحاد الأفريقى والجامعة العربية والأمم المتحدة ومراجعة تحالفاتها العسكرية. من جهة أخرى فتناول منظومة “الحرب” تتطلب حسابات تدهور العلاقات الدولية والانقسام السياسى والاجتماعى بالشارع والآثار البشرية والاقتصادية الكارثية للحرب، اللهم إذا حسبنا ميزة وخسارة الحرب بين رحى الأزمة الاقتصادية والكساد العالمي، وضمنا آثار نتائجها على الموارد الطبيعية لمصر لباقى القرن 21، وهو ما يحتم مناقشة مدى استعداد الشعب من كيانات تراخت وشباب مُجرف وعقول مستفهمة ومشككة، لتكتشف حتمية وقف نزيف الإهمال والفساد والتلاعب بالذوق العام.
كلنا نحلم بحزمة دراسات جديدة أو تنجبها الأضابير لنعمل عليها خلال المرحلة الجديدة؛ عن أثر الديون فى قرار الحرب وخطة تفكيكها، أخطاء لا تُكرر من حروب اليمن و67 و73 والثغرة، وصورة مصر بعد الحرب؟ كلنا نحلم بدراسة جريئة بعنوان لإنقاذ اقتصاد مصر نحتاج؟ وما يمنع مصر من استعادة عظمتها؟ لا يكابر إلا مكابر عن تنمية مادية واقعة، ولكنا نحتاج دراسات تنفيذية لإزالة أسباب تعثر التنمية وتنميتنا المتعثرة!، لنجاوب على سؤال لنهزم الفساد فى ٢٤ شهرا نحتاج ماذا؟ هل بإصدار قرارات مصيرية تنتظر البزوغ، أم آليات صناعة القرار، أم اختزال وتطوير قوانين متعارضة، أم استحداث كوادر محترفة؟ أم بدء تطوير الاستثمار فى البشر والتعليم لا المبانى والترفيه التعليمي. تحديات مصر 24 – 30 داخلية وخارجية، تحتاج لتصفية ماسكى الزلات ومُفرقى الجماعات وصناع ومستفيدى الأزمات، ورؤية جديدة للإنفاق الحكومى لمدة 24 شهرا فقط.
تحتاج مصر الجديدة بموضوعية الواقع وبقوة المستقبل، حماية وتطوير وتنمية ما حققته هذا البلد خلال 10 سنوات، لحلول خارج الصندوق للديون، لمنظومة واقعية للعلاقة بين الضرائب وتحرير القوانين والقرارات والإجراءات المؤثرة على الدخل مصدر الضريبة (بصورة تحل تناقض زيارة الضرائب والرسوم مع ثبات الدخل ومعوقات تطويره)، لحروب منظمة تتدارك وتصحح جوانب من الخلل المقنن فى قطاعات كثيرة تحكمها البيروقراطية والعشوائية والمجاملات، لخطط تنفيذية لقضايا الحدود، نهر النيل، الاقتصاد الموازي، والتعليم، لمعارك مشروعة لإزالة تمثال شامبليون بباريس يدعس بحذائه رأس رمسيس الثانى واستعادة حجر رشيد. تحتاج هذه المرحلة عنوان (ليس متأخرا جدا / NEVER TOO LATE) لتغليب البشر بعد تطوير الحجر، بعد تنمية وليدة أنفقنا فيها مليارات الدولارات والأعصاب، وتنتـظر بعده مكونات وعينا الجمعى (التعليم، الإعلام، الدين، صناعة المال) لانتفاضة دراسات الإفاقة وقرارات تنفيذ الاستمرار.
كمصري، كمواطن، كمتأثر، كواحد من ملايين يصحو ويغفو على أمل لا يموت.. لا أستطيع الاستسلام أو اليأس أو مشاركة العادية! كمصرى أثق بتاريخى وجغرافيتى وقياداتي.. أؤمن أن هذه المرحلة تنتظرها مصر، وحروب مصر، ومستقبل مصر، وأبناء مصر. فإن كنا قدرها فليُعِنها الله علينا، وإن كانت قدرنا فنسأله تعالى إنارة بصيرتنا وإفاقة وعينا – ليكون جهادًا فى الشروق لا حربًا للغروب.
* محامى وكاتب مصرى