في ليلة دموية لم تكن الأولى من بعد طوفان الأقصى، وعند الساعة السابعة مساءً حول جيش الاحتلال الإسرائيلي بغارته الجوية، المرضى والنازحين من الأطفال والنساء والمسنين المدنيين إلى أشلاء محترقة، بعدما قصف مستشفى المعمداني بحي الزيتون بجنوب غزة، لتتحول سماء المنطقة إلى نيران، وتغرق الأرض دماء الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين احتموا داخل هذه المستشفى بعدما دمر الاحتلال منازلهم في الغارات الجوية التي يشنها على خلفية أحداث 7 أكتوبر 2023، بهدف تهجيرهم عن منازلهم، ليسقط في تلك المجزرة 500 شهيد و600 مصاب ويدمر مستشفى يعمل منذ 141 عامًا.
جرائم الحرب والعدوان
فمنذ طوفان الأقصى فإن جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة لا تتوقف، وجميعها تستهدف المدنيين من الشعب الفلسطيني، وأغلبهم من الأطفال والنساء، فمن مجزرة مستشفى المعمداني إلى مجزرة جباليا، ثم مجزرة مستشفى دار الشفاء وضرب سيارات الإسعاف إلى مدارس تضم آلاف النازحين، أحدثها مدرسة الفاخورة.
“المال” في هذه القصة المدفوعة بالبيانات رصدت جرائم الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر وحتى 4 نوفمبر لعام 2023، من جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، والتي تعرض «شخصية العقوبة» المسئولة عن جرائم الحرب للمحاكمة الجنائية الدولية، واعتمدت في الرصد على أرشيف أخبار محلية وعالمية وعبرية، ووزارة الصحة الفلسطينية والمكتب الإعلامي الحكومي لقطاع غزة.
ويوضح الرصد، التوصيف القانوني لجرائم الاحتلال وفقًا للقانون الدولي، والمختص النظر بشأنها المحكمة الجنائية الدولية، وتصل أحكامها للسجن.
وبالبحث وجدنا أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي -وفقًا لما تعلنه وزارة الصحة الفلسطينية- راح ضحيتها 9488 شهيدًا من المدنيين حتى 4 نوفمبر 2023، وتصدّر الأطفال والنساء قائمة الضحايا بإجمالي 6409 شهداء، في المجازر التي ارتكبها خلال 29 يومًا بمتوسط 327 شهيدًا يوميًا، وبنسبة زيادة 342% منذ يوم مجزرة مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر 2023.
وكشف الرصد أن مجزرتي مستشفى المعمداني وجباليا التي ارتكبهما الاحتلال الإسرائيلي ضمن 1006 مجازر –الأرقام متغيرة على مدار اللحظة- منذ طوفان الأقصى، بمتوسط 35 مجزرة يوميًا على مدار 29 يومًا.
وتحت الأنقاض حتى الآن لايزال أطفال ونساء لم تستخرج جثامينهم بعد، فبعد غارات الاحتلال الجوية وقصف المنازل مع نقص المعدات يبحث الناجون عن الضحايا ويحاولون استخراجهم باستخدام أياديهم، وبلغت نسبة الأطفال المفقودين 58% من إجمالي البلاغات المقدمة في غزة.
ميزان شهداء غزة وقتلى إسرائيل
ومع تزايد أعداد القتلى والجرحى والجرائم في حق الشعب الفلسطيني، تتزايد أكاذيب الاحتلال الإسرائيلي بأن ما يجري من أحداث بغرض الدفاع عن النفس بعد طوفان الأقصى، وهنا رصدنا الفرق بين معدلات شهداء قطاع غزة، والقتلى في إسرائيل وجيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر الماضي.
وكشف الرصد سقوط 6 شهداء فلسطينيين من المدنيين في غزة لكل قتيل إسرائيلي منذ طوفان الأقصى، وما يمثل 27 ضعفًا لكل قتيل من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وعند البحث في المواقع الرسمية الإسرائيلية وجدنا حجب الموقع الإلكتروني لمركز الإحصاء الإسرائيلي http://www.cbs.gov.il/ منذ حرب غزة في 7 من أكتوبر لغير المقيمين في إسرائيل، وبتتبع مواقع عالمية وعبرية وجدنا تغيرًا طفيفًا في الأرقام المعلنة عن المصابين وثباتها لأيام، والحصيلة المسجلة كانت بنسبة 80% في الأيام الأولى لطوفان الأقصى.
وبالنظر إلى أعداد المصابين في قطاع غزة من الفلسطينيين، نجد الفرق 5 أضعاف مقارنة بمصابي إسرائيل خلال 29 يومًا.
جرائم الإبادة الجماعية
وبالعودة مرة أخرى لجرائم الاحتلال، والتي وصفها خبراء القانون الدولي بأنها تمثل إبادة جماعية في حق المدنيين، وجدنا تعريف الإبادة الجماعية في القانون الدولي أنها التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم.
وصنفت الفظائع التي ارتكبت أثناء محاولات الإبادة لطوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي، كجريمة دولية في اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948، ووضعت موضع التنفيذ 1951، بعدما صادق عليها 20 دولة.
وفي هذه الاتفاقية، بِمُوجَب المادة الثانية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وقتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيًا.
وبموجب الاتفاقية حكمت المحكمة الدولية في عام 1998 على مرتكبي الإبادة الجماعية في رواندا بالسجن مدى الحياة.
جرائم ضد الإنسانية
ومارس الاحتلال الإسرائيلي سياسات التهجير القسري للشعب الفلسطيني مع حصارهم وتجويعهم واستهداف حياة عائلات بأكملها، وقطع الكهرباء والمياه، ومحاولة منع المساعدات، مع نقص الوقود وضرب المستشفيات والكوادر الطبية، وأظهرت النتائج في الجراف التالي جرائم الاحتلال ضد القطاع الصحي:
وحاول الاحتلال الإسرائيلي منع نقل الصورة الإعلامية للأحداث، فارتكب الجرائم في حق الصحفيين الفلسطينيين، والتي تسببت في استشهاد 38 صحفيًا، مع ضرب منازل الصحفيين مما أدى لاستشهاد عائلاتهم بالكامل كأسرة الصحفي وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة.
وأسفرت غارات العدو الإسرائيلي خلال 29 يومًا عن تدمير 200 ألف وحدة سكنية بنسبة 50% من إجمالي الوحدات في قطاع غزة.
ودمرت الهجمات الإسرائيلية 543 مدرسة ومقرًا حكوميًا ومسجدًا وكنيسة، بنسبة 40% دمارًا كاملًا للمدارس.
نزوح 60.8% من شعب غزة داخليًا
ورغم إجبار الاحتلال الإسرائيلي لشعب غزة على النزوح والتهجير جنوبًا كشف الرصد أن نسبة النازحين بلغت 60.8% من شعب غزة البالغ سكانه 2.3 مليون مواطن في 29 يومًا.
وبمقارنة النتائج مع أعداد النازحين منذ طوفان الأقصى في غزة وإسرائيل وجدنا أن نسبة 92% من النازحين من الشعب الفلسطيني.
وكشفت وزارة الصحة الفلسطينية أن مخيمات الأونروا يعيش بها 629 ألف فلسطيني من إجمالي 150 ملجأً، ووصل متوسط عدد النازحين داخليًا لكل مأوى 2.7 ضعف طاقته مع وصول المأوى الأكتر اكتظاظًا إلى 11 ضعف طاقته الاستيعابية.
قانوني: إسرائيل ارتكبت جرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
وعن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب غزة خلال 29 يومًا الماضية، قال محمود الحديدي الخبير القانوني، إن المحكمة الجنائية الدولية هي جهة الاختصاص في النظر بكل الجرائم التي ارتكبت، وذلك بعد الإحالة القانونية لها.
وأضاف أن الإحالة القانونية للمحكمة الجنائية الدولية، تكون بحالتين: الأولى من دولة طرف من الدول الأعضاء تحيل للمدعى العام عن وجود جريمة أو أكثر من جرائم ارتكبت في هذه الدولة، والطريقة الثانية وفقًا للمادة 14 للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن يحيل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، للمدعى العام عندما يجد جريمة حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، كونها تعد من الجرائم المخلة بالأمن والسلم الدوليين بطبيعتها.
قانوني: الجرائم الدولية لا تسقط بالتقادم.. وإسرائيل ستحاكم لو بعد 100 عام
وأشار إلى أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم طبقًا للمادة 29 من النظام الأساسي، التي أكدت عدم تقادم الجرائم في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية أيًّا كانت أحكامها، مستشهدًا بأنه لو بعد 100 عامًا سيحاكم مجرم الحرب عن الجرائم في غزة.
وأوضح الحديدي أنه وفقًا للمادة 5 التي حددت الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فجاء نصها: يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية:
أ)جريمة الإبادة الجماعية، ب)الجرائم ضد الإنسانية، ج) جرائم الحرب، د) جريمة العدوان.
قانوني يوضح جرائم الاحتلال في غزة
وأضاف الحديدي، أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جميع الجرائم في المادة السابقة، فوقعت جريمة العدوان عند قصف قطاع غزة، مخالفًا بذلك المادة الثانية من قانون المحكمة الجنائية الدولية، والتي نصت على أنه عند قيام قوات مسلحة للكيان المحتل بقصف إقليم دولة أخرى، وهي قطاع غزة التابعة السلطة الوطنية الفلسطينية بالقنابل، يعد عملًا غير مشروع.
وتابع: تمارس المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن، وفقاً للمادتين 121 و123 يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقًا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.
وعن جرائم الإبادة الجماعية، أوضح الحديدي، أن الاحتلال ارتكبها وفقًا للمــادة (6)، والتي تنص: أنه لغرض هذا النظام الأساسي تعني الإبادة الجماعية أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه, إهلاكًا كليًا أو جزئيًا:
أ) قتل أفراد الجماعة، ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، ج) إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً، هـ) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
وأكد الحديدي، أن الاحتلال الاسرائيلي ارتكبها جميعًا، مستشهدًا بقطع الغاز وإمدادات الوقود، وقطع الاتصالات والمياه.
أما عن الجرائم ضد الإنسانية، أوضح الخبير القانوني، أن المــادة (7) نصت في هذا الشأن على الآتي:
1-لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أيّ مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم:
أ ) القتل العمد، ب) الإبادة، د) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، وهو ما فعله الاحتلال في شعب غزة وفقًا للحديدي.
وتابع: أوضح القانون الفقرة 1 بالآتي:
أ ) تعني عبارة “هجوم موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين نهجًا سلوكيًا يتضمن الارتكاب المتكرر للأفعال المشار إليها في الفقرة 1 ضد أية مجموعة من السكان المدنيين, عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم, أو تعزيزاً لهذه السياسة.
ب) تشمل الإبادة تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان، وهما عملوا دا بمنع ادخال المساعدات وقطع المياه وضرب المستشفيات وكلها جرائم حرب.
ب) الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي, أي فعل من الأفعال التالية:
-تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.
-تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.
-تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ماداموا يستخدمون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة.
-تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة.
-مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت.
عقوبات مجرم الحرب تصل إلى 30 عامًا
وعن العقوبات المقررة في جرائم الاحتلال، أوضح أنه طبقًا للجرائم التي ارتكبها من إبادة جماعية والعدوان والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، فإن المــادة (77)، قضت بالعقوبات واجبة التطبيق وجاءت كالتالي:
1- رهنًا بأحكام المادة 110 يكون للمحكمة أن توقع على الشخص المدان بارتكاب جريمة في إطار المادة 5 من هذا النظام الأساسي إحدى العقوبات التالية:
أ ) السجن لعدد محدد من السنوات لفترة أقصاها 30 سنة.
ب) السجن المؤبد حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة للشخص المدان.
2- بالإضافة إلى السجن للمحكمة أن تأمر بما يلي:
أ ) فرض غرامة بموجب المعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.
ب) مصادرة العائدات والممتلكات والأصول المتأتية بصورة مباشرة أو غير مباشرة من تلك الجريمة، دون المساس بحقوق الأطراف الثالثة الحسنة النية.
وأوضح أن العقوبة تقع على شخصية العقوبة، أو مجرم الحرب طبقًا للمادة 17 من قانون المحكمة الجنائية الدولية، حيث يسأل الرئيس جنائيًا عن الجرائم التي تنظر فيها المحكمة وترتكب من جانب مرؤسين يخضعون لسلطته، الرؤساء أو القادة عسكريين أو من ينوب عنهم يحاسبون طالما على علم بما حدث.
قانوني: مجلس الأمن مختص بإحالة الدعوى للمحكمة الجنائية الدولية
وتطرق إلى أن إسرائيل غير عضوة في المحكمة الجنائية الدولية، ولكن السلطة الفلسطينية عضوة بها ونظام المحكمة سمح بامتداد اختصاص المحكمة إلى الدول غير المنضمة إليها، ما يعني أن مجرم الحرب في إسرائيل يخضع لعقوبات المحكمة الجنائية الدولية، شريطة أن يحيل مجلسا الأمن والسلام الدوليين الدعوى للمحكمة طبقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ولفت إلى أن الهدف الأساسي من محاكمة في الجرائم الدولية، هو صون حقوق الإنسان واحترام القواعد الدولية والقانون الدولى وحماية الإنسان عن طريق عقاب مجرم الحرب، ومجابهة الجرائم الدولية ومعاقبتها لأن الإنسان يعاني من ويلات الجرائم التي يرتكبها من رؤساء الدول والمنظمات.
وأضاف أن الإنسان في حد ذاته له حريته السياسية وهذا أمر مقدس، ويجب أن يكون متحررًا من سلطة الآخرين في الإقليم الذي يعيش فيه وتتمتع دولته بالاستقلالية.