اتفق عدد من الخبراء والمحللين المصرفيين على أن لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري قد تلجأ خلال اجتماعها الخميس المقبل إلى خيار تثبيت أسعار الفائدة، موضحين أن هناك الكثير من العوامل والمحددات التي قد تدفع «» إلى السير في هذا المسار.
وأضافوا في تصريحات لـ «المال» أن رفع الفائدة لن يؤثر في معدلات التضخم، خاصة وأنه وارد من جانب العرض، ناهيك عن وجود نقص في المعروض النقدي من العملة الأجنبية، موضحين أنه من الممكن أن يلجأ المركزي إلى تأجيل قرار رفع الفائدة إلى الاجتماع ما بعد القادم.
ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية الخميس القادم لبحث أسعار الفائدة، فيما تأتي الأسعار الحالية عند مستوى: 18.25% و19.25% و18.75% للإيداع والإقراض والعملية الرئيسية للبنك المركزي على التوالي.
قال هاني جنينة، الخبير المصرفي والمحاضر بالجامعة الأمريكية، إن كثيرًا من مستجدات الوضع الاقتصادي في مصر تبرر رفع أسعار الفائدة الأساسية بـ 200 نقطة أساس إلى ما يفوق الـ 20%.
وأشار إلى أن هناك العديد من العوامل التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان، وقد تؤثر على قرار لجنة السياسة النقدية المقبل، ومنها ترقب ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود المحددة إداريا، بالإضافة إلى احتمالية انخفاض سعر الصرف إذا ما أبدت الحكومة المصرية رغبتها في إتمام المراجعة الأولى من برنامج صندوق النقد الدولي قبيل أسابيع قليلة من موعد المراجعة الثانية والمقررة في شهر سبتمبر المقبل.
وقال: «ولا تزال مصر التي تواجه أيضًا صعوبات في توفير تدفقات دولارية تترقب المراجعة الأولى لبرنامج الصندوق – الذي وقعته في ديسمبر لقرض بقيمة 3 مليارات دولار تتيح لها تأمين تدفقات دولارية من شركاء – التي كان مقرر لها منتصف مارس ولم تتم حتى الآن».
وأشار إلى أنه على الرغم من التوقعات برفع الفائدة، لكن حساسية الوضع الاقتصادي الحالي قد تدفع المركزي إلى إرجاء قرار التشديد إلى اجتماع 21 سبتمبر.
الفائدة والتضخم الجامح
قال طارق متولي، الخبير المصرفي، إنه من المتوقع لجوء لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي، خلال اجتماعها الخميس المقبل، إلى تثبيت أسعار الفائدة، موضحًا أن أداة رفع الفائدة تكون مفيدة في كبح جماح التضخيم في الظروف العادية.
وأضاف أن معدل التضخم الحالي أعلى الآن بكثير من معدلات الفائدة، ولكي نتخلص من عبء الفائدة السلبية (الناتجة عن طرح معدل التضخم من معدل الفائدة) فمن الواجب رفع الفائدة لما فوق الـ 40% وهو أمر غير وارد بالمرة.
وأشار إلى أن رفع الفائدة بمعدل 1 أو 2% لن يكون مجديًا، خاصة وأنها ستظل أقل بكثير من معدلات التضخم، وبالتالي فإن اللجوء إلى خيار رفع الفائدة سيكون ضرره أكبر من نفعه.
وفيما يتصل بسعر الصرف وأزمة المعروض النقدي من العملة الأجنبية، أوضح «متولي» أن دور البنك المركزي لا يتمثل في حل هذه المشكلة، وإنما يقتصر دوره على إدارة السيولة الدولارية المتاحة لدى البلاد.
نمو الاقتصاد
ومن جانبه، توقع هاني أبو الفتوح، الخبير المصرفي، أن تبقي لجنة السياسة النقدية أسعار الفائدة الحالية دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي خلال هذا العام.
وأضاف أبو الفتوح أن هذا القرار يأتي في ظل توقعات صندوق النقد الدولي لنمو اقتصاد مصر في عام 2023، حيث يُتوقع أن يتراجع النمو إلى مستوى 3.7% هذا العام.
وأشار أبو الفتوح إلى أنه أي زيادة في سعر الفائدة قد تؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي الذي بدأ يُظهر تحسنًا طفيفًا مؤخرًا. فعلى سبيل المثال، ارتفع مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص غير النفطي في الشهر الماضي لأعلى مستوى في 22 شهراً.
وأوضح أن للبنك المركزي فرصة لتقييم تأثير الزيادات السابقة في أسعار الفائدة، وبالتالي تحديد أدوات السياسة النقدية الأخرى التي من الممكن أن تُستخدم لمواجهة التضخم، دون التأثير على تكاليف التمويل للحكومة والمقترضين الآخرين.
التثبيت هو الخيار الأمثل
قال الخبير المصرفي محمد عبد العال إن معدلات التضخم في مصر قد ارتفعت إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، وأشار إلى أن رفع أسعار الفائدة معروفة كآلية حاسمة ومستخدمة في جميع أنحاء العالم لاحتواء التضخم.
وأوضح عبد العال أنه تم رفع سعر الفائدة بنسبة 10 نقاط أساس خلال دورة تشديد نقدي مدتها 6 أشهر، ولكن مازال التضخم يبتعد عن مستهدفات البنك المركزي حتى نهاية عام 2026.
وأضاف عبد العال أن سعر الفائدة ليس العامل المؤثر الوحيد في تحريك معدلات التضخم، وأن العامل الرئيسي هو سعر الصرف، حيث إن خفض سعر الصرف سيؤدي إلى زيادة فاتورة الاستيراد.
وأشار إلى أن رفع سعر الفائدة لا يعد الحل الأمثل، حيث سيؤدي إلى زيادة تكلفة إنتاج السلع للمستهلكين النهائيين، وبالتالي سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
واختتم عبد العال حديثه بالقول إن التثبيت هو الخيار الأرجح، وأن هناك مشاكل متعددة ستنشأ عن رفع سعر الفائدة على غير المنتجين، والبنوك وعجز الموازنة.
وأوضح أن هبوط معدلات التضخم ممكن خاصة مع انخفاض السلع المستوردة، حيث تراجعت قيمة الاستيراد بنسبة 22% خلال 9 أشهر الأخيرة، وأن التضخم ليس نتيجة الطلب حاليا فلدينا ركود في القوة الشرائية، بالإضافة إلى تقليص متوسط الكتلة النقدية.
سياسة التشديد النقدي
أشار محمد البيه الخبير المصرفي إلى أنه من المتوقع لجوء البنك المركزي في اجتماعه القادم إلى تثبيت أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن معدلات التضخم شهدت، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ارتفاعات طفيفة، وهو ما يعني أن السياسة النقدية التشددية بدأت توتي ثمارها، خاصة وأن معدلات ارتفاع أقل من نظيرتها في النصف الأول من العام الماضي والربع الأول من الجاري.
وأوضح أن لجنة السياسة النقدية تبني قراراتها بناءً على التوقعات المستقبلية لمعدلات التضخم، موضحًا أن التضخم في جانب العرض فقط، نظرًا لعدم وجود تدفقات نقدية بالعملة الأجنبية كافية، وهو ما يؤثر على عدم القدرة على استيراد المواد الخام.
وأفاد أنه ليس هناك ما يدعو، بناءً على ما فات، إلى رفع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، مشيرًا إلى أن مصر لن تتأثر كثيرًا برفع البنوك في أمريكا وأوروبا، خاصة وأن جزءًا كبيرًا من استثمارات في سندات وأذون الخزانة قد خرجت خلال الفترة الماضية.