تتحرى مختلف الفئات المجتمعية أن تقضي إجازات قصيرة بالمدن الساحلية التي تناسبها ظروفها في تلك الأحيان، إلا أن ذلك العام بالتحديد قد ألقى عبئًا عليها، حيث لم تتمكن العائلات من التعامل مع سكن المصايف التي ارتفعت أسعارها بأماكنهم المعتادة، ما اضطرهم إلى تغيير خططهم للتماشي مع الأزمة الاقتصادية.
ويشاع في الشارع المصري أن تدفق السودانيين إلى مصر بعد تصاعد الأحداث ببلادهم، أثر على جميع المناحي الاقتصادية، والذي ظهر جليًا في ارتفاع إيجارات الشقق السكنية بالقاهرة الكبرى، لتركزهم بها دون باقي المحافظات، مع تقديمهم عروضًا سخية للملاك، الذين يؤثرون المال، ما ألجأهم إلى زيادة التكاليف على المواطنين المحليين.
ربما لم تتأثر بعض الفئات الاجتماعية، لاعتمادها على سكن ثابت ودخل ليس من السهل الانتقاص منه، بينما اضطرت طبقات أخرى لهيكلة حياتها مرة أخرى تماشيًا ما طرأ على الحياة الاقتصادية من جديد الظروف.
في التحقيق التالي، نلتقي بأشخاص مختلفين من طبقات شتى، لنعرف آرائهم في ما يشاع أن ارتفاع أسعار السكن الساحلي إنما جاء إثر تدفق السودانيين إلى البلاد، بينما يرى آخرون أن مسألة غلاء المصايف بالتحديد لا دخل للسودانيين بها.
2023 تطل بأعباء ثقيلة
اعتاد أشرف سعدون؛ مدرس ثانوي للغة الإنجليزية، أن ينظم لأسرته الصغيرة كل عام رحلة إلى إحدى المصايف التي تتناثر على مختلف الشواطئ، ولكن 2023 ليست كسابقاتها من وجهة نظره، حيث لم تعد ميزانية العائلة ذات بأس كما قبل؛ نظرًا لارتفاع الأسعار في مناحٍ كثيرة، فضلًا على وهن الملاحقة القائمة بين دخله شبه الثابت ومصروفاته النامية.
يبحث سعدون عن مصيف لأسرته المكونة من 5 أشخاص، ولكن بإصرار بالغ ألا يقل مستوى المسكن في العام الحالي عن السنوات السابقة، واستطاع أن يقتنص عروضًا عديدة على أيدي السماسرة أحيانًا أو الملاك في أحيان أخرى.
قال، إن العروض المتاحة لديه في الوقت الحالي من قبل السماسرة لا تعنى سوى ازدياد الأسعار مقارنة بالسنة السابقة بنسبة 80%، ففي الغردقة، إيجار الاستوديو المهيأ لإقامة شخصين بمناطق ليست بالقريبة من الشاطئ لا يقل عن 400 جنيه لليلة الواحدة، بينما لم يتعدَ في صيف 2022 حاجز 250 جنيهًا.
وبيّن أن الشقق السكنية غير القريبة من الشاطئ ليست بأفضل حال من الاستوديوهات التي تفتقر إلى الإنسانية في الإقامة، زيادة على سعرها الذي يتعدى 600 جنيه في الليلة الواحدة دون قربها من الشاطئ.
استطاع سعدون التواصل مع أحد أقربائه المقيمين بالغردقة، لترتيب إجازة مصيف يستطيع فيها الأخير أن يمد له يد العون في ترشيد النفقات، فصدمه أن الحجرة التي تتسع لفردين بالفنادق غير المطلة على الشاطئ تكلفه 400 جنيه لليلة الواحدة، دون وجبات أو خدمات أخرى، بينما نظيرتها التي ترى البحر فإن كل 24 ساعة بها تتطلب 2500 جنيه، مع 3 وجبات وبعض المميزات البسيطة، كالكراسي والمظلات المتاحة بلا مقابل أمام الماء.
صراع الأسعار يطل برأسه
تزوج المهندس يحيى عباس مؤخرًا، وأحب الزوجان أن يقضيا بعضًا من الوقت بساحل ومكان نظيفين.
تواصل الزوج مع إحدى الفنادق الشهيرة بالجونة، فعرف أن الليلة الواحدة لهما تتكلف 8600 جنيه، مع وجبات وإطلالة على الشاطئ، في حين أن أحد الأماكن الأخرى شبه النائية عن البحر عرضت عليه ذات المميزات بـ4600 جنيه.
قرر الزوجان أن يوليا وجههما نحو الإسكندرية، ومن خلال تطبيق “بوكينج” استطاعا الحصول على شقة مفروشة ذات إطلالة على الشاطئ مقابل 1050 جنيهًا لليلة الواحدة، بمنطقة “رشدي”، ولا يختلف الأمر كثيرًا في مرسى مطروح.
بينما استغرق الدكتور رأفت البربري؛ أستاذ بإحدى الجامعات المصرية، فترة طويلة للبحث عن مكان لإقامة أسرته بإحدى القرى السياحية التي اعتاد على قضاء شطر من إجازته الصيفية بها. أخبره أحد السماسرة الذين يتعامل معهم دائمًا أن الشاليه المطل على الشاطئ سيكلفه 1600 جنيه لليلة الواحدة.
ويعلق البربري أن الأسعار قد ارتفعت للضعف تقريبًا مقارنة بالسنة السابقة بذات الفترة، بينما يضيف السمسار أن تلك التكلفة لشاليه غير مؤثث، بينما نظيره المزود بكماليات محدودة يتخطى 1900 جنيه لليلة الواحدة.
استطاع البربري “من باب التغيير” التوصل إلى قرار التوجه إلى مدينة دهب برفقة أسرته، وتمكن من الحصول على شقة على مقربة من الشاطئ بمنطقة العصلة بـ750 جنيه لليلة الواحدة، وأشار أن الأسعار بمجملها “في حدود المعقول”، ولم تشتط في الارتفاع كما ببعض الأماكن الأخرى.
تماشٍ مع الواقع الاقتصادي
وقالت حمدية محمود إن أسعار الإيجارات ارتفعت بشكل جنوني بالمنصورة الجديدة التي اعتادت على قضاء إجازتها الصيفية فيها، حيث تتكلف الليلة الواحدة بشاليه مطل على البحر 1600 جنيه، ولا يتسع لعدد أطفال أبنائها المرافقين لها، ما اضطرها إلى النزوح إلى رأس البر.
وأوضحت أن الليلة الواحدة بشاليه قريبة من الشاطئ برأس البر تكلفت 600 جنيه لليلة الواحدة، بشارع 51، بينما علقت كذلك على ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أن ذلك النوع من السكن لم يتعدَ بالعام السابق 350 جنيهًا لكل 24 ساعة.
وقال عبد الرحمن عقل؛ وسيط تأجير عقارات بالغردقة، إن تدفق السودانيين على مصر لم يؤثر بشكل ملحوظ على ارتفاع إيجارات الشاليهات والسكن بالمناطق الساحلية، لا سيما أن فترة الصيف تعد موسمًا لأهل تلك المناطق.
وأضاف أن موجات التعويم المتتابعة وعدم استقرار سعر الصرف وارتفاع نسبة التضخم عوامل رئيسة في ازدياد إيجارات السكن الساحلي بنسبة قد تتخطى الضعف، لافتًا أن ذلك قد دفع بعض القرى السياحية لعدم التعامل بالجنيه مطلقًا، لعدم ثبات قيمته، مضيفًا أن الشاليه بإطار منطقة “مكادي” يتراوح بين 1000 و1500 يورو لليلة الواحدة.
ومن جمصة، قال سعيد جعيدي؛ سمسار عقارات، إن إيجار الشاليه المطل على الشاطئ لا يتعدى 300 جنيه لليلة الواحدة، بالأماكن المتوسطة، بينما في مناطق أخرى أكثر رقيًا بـ350 جنيه، مشيرًا إلى أن الأسبوع كاملًا يكلف 1500 جنيه لسُكنى الصف الأول على البحر.
وأضاف أن وجود السودانيين يكاد ينعدم تمامًا، فتدفقهم بمصر لم يغير أسعار الإيجارات في المدن الساحلية، مشيرًا إلى أن القاهرة الكبرى الأشد تأثرًا بهم، ولا يوجد أثر ملحوظ لهم في الإسكندرية وبلطيم ورأس البر وجمصة وفايد وبورسعيد والإسماعيلية.
ختامًا، يعد قطاع العقارات الأكثر حساسية في قضايا اللاجئين، إذ إن ارتفاع الأسعار مؤشر على طلب الشراء أو التأجير المتزايدين عقب بدء الحرب في السودان منتصف إبريل الماضي، لتتضاعف تكاليف أماكن السكن والإقامة لأكثر من 100%، ما دفع بعض ملاك العقارات لتأجيرها للسودانيين إثر عروض سخية أو استغلالًا للواقع الذي يرزحون تحته، بعدما حددت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة بؤر النازحين في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ودمياط والدقهلية، حيث يتمركز فيها 56% منهم.
إلا أن ارتفاع أسعار السكن الساحلي والمصايف لا يعتمد في العموم على تدفق السودانيين إلى مصر، وإنما يرتبط بشكل مباشر بالتضخم وارتفاع الأسعار وتحرير سعر الصرف، وحدا الأخير بعض القرى السياحية للتعامل بالعملات الأجنبية وإخراج الجنيه من اللعبة، لعدم استقراره.