يتجه قطاع البلاستيك لتسجيل هوامش أرباح هزيلة خلال السنوات القادمة، بعد أن كان في وقت من الأوقات المحرك الرئيسي لأرباح النفط العالمية، إذ تتهيأ المصافي العملاقة في الصين لضخ إنتاج وفير في السوق، بحسب وكالة بلومبرج.
تقول شركة استشارات القطاع “آي سي آي إس” إن أكثر من 20 مشروع بتروكيماويات لإنتاج مواد خام تدخل في صناعة كل شيء بدءاً من البلاستيك وحتى الملابس والمنظفات سيُستكمل بناؤها عبر الصين العام الجاري.
رغم أن جزءاً من إنتاج هذه المشروعات سيذهب للمصانع في الدولة التي تظل أكبر مستهلك في العالم للمواد الخام، فإن التعافي الأبطأ من المتوقع في الاقتصاد الصيني والاستثمار المفرط يعني أن تخمة المعروض ممكنة، ونتيجة لذلك فإن عائدات صناعة البتروكيماويات مثل الإيثيلين والبروبلين متوقع لها أن تنكمش، وبالتالي سيمتد ركود الأرباح المشهود العام الجاري إذ جاءت الهوامش في يونيو دون مستويات 2019 بنحو 40%.
هوامش أرباح هزيلة
توسعت الصين بقوة في قطاع البتروكيماويات على خلفية نمو الطلب المحلي على المواد البلاستيكية بوتيرة فاقت المنتجات الأخرى المشتقة من النفط مثل أنواع الوقود المستخدمة في النقل والصناعة، وبينما كانت الفكرة الأولية هي الارتقاء في سلسلة القيمة وتعويض انخفاض استخدام البنزين مع تحول أفراد أكثر للسيارات الكهربائية، فإن استكمال مصانع عديدة في نفس الوقت هو تمهيد لفترة من التخمة وتقلص الأرباح، لكن أيضاً زيادة الحصة السوقية والنفوذ في السوق بين عشية وضحاها.
لعدم قدرتها على استهلاك المزيد محلياً، تصدر الصين مواد بلاستيكية رخيصة أكثر إلى بقية المنطقة، آكلة حصة السوق من عمالقة التصنيع التقليديين، مثل كوريا الجنوبية واليابان، وتلك أخبار سيئة لكبار المنتجين في المنطقة مثل “فورموسا بلاستيكس كورب” ، و”لوت كيميكال كورب” ، و”جي إس كالتكس كورب” التي أصبحت الآن تنافس قوة بحجم الصين.
قال سالمون لي، الرئيس العالمي للبوليستر في “وود ماكنزي”: “توقعت السوق أن يكون تعافي الصين من الوباء حاداً وقوياً، لكن هذا لم يحدث”، والآن هناك إمدادات قد لا تستوعبها حتى الأسواق التي تسجل نمواً مثل فيتنام وتركيا وجنوب أفريقيا والهند.
فائض في المعروض
يقول لي إنه في مجال البوليسر، على سبيل المثال، يعني فائض الإنتاج الصيني بالفعل أن المنتجين لا يتوقعون هوامش هزيلة أو معدومة.
يتوقع لاري تان، نائب رئيس الاستشارات الكيميائية في منطقة آسيا لدى “إس أند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس” في سنغافورة، فائضاً في المعروض العام الجاري، وترى “إس أند بي” ضعفاً في الهوامش حتى يعود التوزان للطلب والقدرة الإنتاجية في 2025.
يقدّر تان أن ما يناهز 60% من إنتاج الإيثيلين الجديد البالغ نحو 50 مليون طن والمتوقع دخوله السوق ما بين 2020 إلى 2024 سيأتي من الصين. ويشير إلى أن الزيادة في إنتاج البلاد في تلك الفترة تعادل 400% من الإنتاج الياباني الحالي.
أيضاً تواصل الصين ضخ استثمارات أكبر في هذه المصافي، وفي مايو من العام الجاري، أعلنت “سينوبك” عن استثمار بقيمة 27.8 مليار يوان (3.85 مليار دولار) في مصنع جديد في مدينة لويانغ، ومن المقرر الانتهاء منه في 2025، وفق وسائل الإعلام المحلية. كذلك، قطاع البتروكيماويات يأتي في صميم أحدث استثمار للسعودية في شركة “رونغشنغ بتروكيميكال” .
قالت ميشال ميدان، مديرة برنامج الصين لأبحاث الطاقة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: “تمتلك الصين قطاع بتروكيماويات متقدماً، وتتميز بسوق محلية ضخمة ومتنامية، فضلاً عن إنتاج منافس من حيث التكلفة موجه للتصدير”.
أضافت: “كما رأينا مع استثمارات شركة (باسف) والاستثمارات السعودية في الآونة الأخيرة في الصين، يتضح أن الدولة ستكون سوقاً مهمة رغم تحولها في نفس الوقت لمنافس على نحو متزايد”.
تأثير التوسع الصيني في القطاع
لكن بالنسبة للدول الغربية، فإن السؤال هو تأثير التوسع الصيني إذ سيشكل إنتاج البتروكيماويات الصيني ما يقرب من ربع الإجمالي العالمي بنهاية العام الجاري، وفق بيانات “آي سي آي إس”، وفي ذلك قفزة عن المستوى قبل خمس سنوات، عندما كان إنتاجها يمثل 14% فقط من القدرة التصنيعية العالمية، وكذلك القفزة كبيرة في وقت تستعرض به الصين عضلاتها في أجزاء أخرى من سلسلة التوريد فيما تخشى الدول من اضطرابات الإمدادات والأمن الصناعي.
قال جون دريسكول، مدير “جيه تي دي إنرجي سيرفسيز” في سنغافورة: “يمكن للصين الاستفادة من قوتها كجهة تكرير رائدة في العالم لتصبح أيضاً المورد الأكثر أهمية وتنافسية للبتروكيماويات”.
تابع: “سيصحو الغرب ذات يوم ليجد الصين أكبر مورد منفرد لكل ما هو مصنع من البلاستيك خاصة وأن المزيد من الاقتصادات الأكثر نضجاً في الولايات المتحدة وأوروبا وأماكن مثل أستراليا تقلص بالفعل إنتاجها دون معالجة استمرار حاجتها لتلك المواد”.
في ضوء هذه المخاطر، قد تختار دول مثل الهند وفيتنام بناء مرافق الإنتاج الخاصة بها على أراضيها، كما يقول تان من “إس أند بي”، مجادلاً بأن الدول ستعطي أولوية أقل للعائد على الاستثمارات لصالح أهداف أخرى بدءاً من النمو الاقتصادي الوطني إلى الوظائف وتقليل الاعتماد على الواردات.
وأضاف لي: “العامان الجاري والمقبل هما نقطة تحول في صناعة البتروكيماويات…اعتادت دول شمال آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على ريادة القطاع، لكن الآن ستكون الصين قوة رئيسية لسنوات قادمة”.