يتوقع مراقبون أن تشهد العملة التركية عمليات بيع حادة وكبيرة خلال الأسابيع القليلة القادمة بعد أن تمكن رجب طيب أردوغان من تحقيق فوز سهل في جولة إعادة انتخابه أمس الأحد، بحسب وكالة بلومبرج.
وتحول تركيز المستثمرين حالياً إلى تعيين حكومة جديدة، الأمر الذي يمكن أن يشير إلى إجراء مراجعة لمزيج السياسة الاقتصادية التي يراها الكثيرون أنها غير قابلة للاستدامة.
بعد توليه السلطة منذ 20 عاماً، فاز أردوغان بولاية أخرى مدتها 5 سنوات بحصوله على أكثر من 52% ضد منافسه المعارض كمال كيليجدار أوغلو، الذي وعد بالعودة إلى سياسات أكثر تقليدية وداعمة للسوق.
عمليات بيع حادة وكبيرة
في حين يرى البعض أن نهج أردوغان غير التقليدي -القائم على أسعار الفائدة شديدة الانخفاض والتدخل المكثف من جانب الدولة في الأسواق- مستمر لأطول فترة ممكنة، فقد أصبح من الصعب بشكل متزايد الإبقاء عليه مع تزايد الضغط على فئات الأصول التركية.
فقدت أسهم البنوك التركية أكثر من خُمس قيمتها منذ الجولة الأولى من الانتخابات، في حين ارتفعت مقايضات التخلف عن السداد لأجل خمس سنوات نحو 200 نقطة أساس قبل أن يدعو البنك المركزي التركي المصارف إلى شراء سندات دولية في محاولة للسيطرة على تكلفة التأمين على ديون الدولة ضد التخلف عن السداد.
الجمعة الماضي، وهو آخر يوم تداول قبل التصويت، باع المستثمرون ما قيمته 31 مليون دولار من صندوق “آي شيرز إم إس سي آي تركيا” المتداول في نيويورك، وهو أكبر تخارج خلال يوم منذ مارس 2018.
وقال نيك ستاد ميلر رئيس المُنتجات لدى شركة “ميدلي غلوبال أدفايزوس” نيويورك: “يسيطر أردوغان على جميع أجهزة الدولة لضمان استمرار السياسات غير التقليدية محل التطبيق طالما كان ذلك ممكناً، وهذا يعني أن أسعار الفائدة ستظل منخفضة على الأرجح، وسيظل التضخم مرتفعاً، ويزداد فارق العائد على السندات السيادية التركية وغيرها في الأسواق الدولية، بينما من المحتمل أن تنخفض العملة ببطء بفضل التدخل”.
“يمكن للحكومة أن تجبر البنوك على الاستمرار في شراء السندات الدولية السيادية، لكن ذلك سيؤدي إلى استنفاد الدولارات الشحيحة الضرورية في مجالات أخرى للحفاظ على استقرار العملة. لذا فإن الحفاظ على استقرار جميع الأسواق قدر الإمكان سيكون مهمة صعبة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الضغوط على الاقتصاد”.
وقال بريندان ماكينا استراتيجي العملات لدى “ويلز فارجو” نيويورك:”نتوقع أن تشهد العملة التركية عمليات بيع حادة وكبيرة في الأسابيع المقبلة وأن تصل إلى 23 ليرة أمام الدولار بنهاية الربع، كما نتوقع أن تظل أطر السياسة النقدية والاقتصادية غير التقليدية قائمة”.
توقعات أداء العملة التركية
وقال كلفن وونغ كبير محللي السوق لدى “أوندا آسيا باسيفك”: “يبدو أن الهبوط الذي شهدته الليرة الأسبوع الماضي قد تم تقديره بالفعل في انتصار أردوغان. لا يمكن استبعاد حدوث انتعاش طفيف نحو 19.50 إلى 19.40 لكل ليرة أمام الدولار”.
“على المدى المتوسط إلى الطويل، من المرجح أن تستمر العملة في ضعفها بسبب اختيار أردوغان المفضل لبيئة أسعار فائدة منخفضة”.
حسنين مالك المحلل الاستراتيجي لدى “تليمر” في دبي:”فوز أردوغان لا يريح المستثمرين الأجانب. في ظل التضخم المرتفع للغاية، ومعدلات الفائدة المنخفضة كثيراً وعدم وجود احتياطيات أجنبية صافية، يمكن أن تحدث أزمة شديدة تؤثر على جميع الأصول”.
“الأمر الأكثر تفاؤلا فقط هو أن يشعر أردوغان حالياً بالأمان السياسي الكافي للعودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية”.
وقال محللو “مورغان ستانلي” بينهم هاند كوكوك وألينا سليوسارتشوك:”في ضوء وجهة نظر الرئيس أردوغان المعروفة أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي إلى صعود التضخم، لا نتوقع حدوث عكس مسار أسعار الفائدة بعد الانتخابات. ومع ذلك، فإن الضغط الأخير على الاحتياطيات الرسمية وسط احتياجات التمويل الخارجي الكبيرة والتضخم المرتفع سيتطلب على ما يبدو تغييراً في اتجاه السياسة النقدية لاحتواء المخاطر التي تهدد الاستقرار الكلي”.
“النهج السابق هو الأرجح تطبيقه على المدى القصير. سيكون الشخص الذي يتولى منصب وزير المالية والتغييرات المحتملة في إدارة البنك المركزي بمثابة علامات مهمة، إذ نتوقع الحصول على مزيد من الإرشادات حول السياسات الاقتصادية التي سيتم تنفيذها بعد الانتخابات”.
توجهات غير مستدامة
وقال فيكتور زابو، مدير الاستثمار لدى “أبردن” ( Abrdn) لندن:”سيتم ترقب الإعلان عن التوجهات كون السياسات غير التقليدية الحالية غير مستدامة. يجب إجراء بعض التصحيحات لتجنب نفاد احتياطيات العملات الأجنبية على الأقل. من المتوقع ضعف الليرة وبالتالي رفع معدلات الفائدة.
وقال إمري أكاكماك، كبير المستشارين لدى “إيست كابيتال إنترناشيونال” دبي:”مع انتهاء الانتخابات، تواجه تركيا الآن الركود (يوم الحساب)، وبغض النظر عن خطاب الحملة الانتخابية، يتعين على تركيا مواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة مثل ارتفاع التضخم والعجز الكبير في الحساب الجاري وتزايد الديون قصيرة الأجل وتراجع احتياطيات العملات الأجنبية”.
“سوق العملات بحاجة إلى تحقيق توازن جديد، ومن المرجح أن تحذو حذوها الأسواق المالية. قد يُظهر المستثمرون الأجانب القليل من الاهتمام بالأسهم التركية بسبب عدم اليقين في السياسة الاقتصادية”.
“مع ذلك، سيحاول المستثمرون المحليون تجاوز الظروف الحالية والتي تشمل التقييمات المنخفضة تاريخياً خلال عقدين من الزمن وأسعار الفائدة المرتفعة القياسية. في غضون ذلك، ستظل تركيا سوقاً للمتداولين، بدلاً من أن تكون مقصداً للمستثمرين الاستراتيجيين على المدى الطويل”.
وقال ستيفن شوينفيلد الرئيس التنفيذي لشركة “ماركت فيكتور:”حتى لو قام أردوغان “بتعديل سياساته الاقتصادية غير التقليدية للغاية، فإن السجل الحافل لأردوغان ليس ملائماً للسوق، كما أشارت الانخفاضات القياسية في سعر صرف الليرة التركية خلال الأسبوع الماضي”.
الهروب إلى الأسهم التركية
“إذا استمرت الليرة في الانخفاض وارتفع التضخم مرة أخرى بسبب سياسة أسعار الفائدة المنخفضة بشكل غير لائق، فقد نشهد تكرار” الهروب إلى الأسهم التركية بغية توفير الأمان من جانب المستثمرين المحليين، مما أدى إلى ارتفاع حاد في السوق خلال عام 2022″.
وقال بوراك سيتينسكر مدير الاستثمار لدى “ستراتجي بورتفوي” في إسطنبول:”في حين يمكن توقع رد فعل سلبي في الأسواق، فإن النتيجة ليست مفاجئة بعد الجولة الأولى من التصويت، وقد تم تسعيرها غالباً في الأسبوع الماضي. الآن ستتجه الأنظار إلى أعضاء الحكومة الجديدة وفريق الاقتصاد، والذي من المرجح أن يحدد مسار تحركات السوق”.
“من الواضح أن نموذج الاقتصاد الحالي ليس ناجحاً. ربما يدرك أردوغان ذلك أيضاً، ومن المحتمل حدوث تحول بسيط إلى سياسة اقتصادية تقليدية في المستقبل القريب لأنه بخلاف ذلك، لن يكون الوضع قابلاً للاستدامة. السوق سترحب بأي إشارة تجاه ذلك”.
وقال بيوتر ماتيس كبير محللي العملات لدى “إن تاتش كابيتال ماركتس” لندن:”من المعقول تماماً أن نفترض أن الرئيس أردوغان سيفسر إعادة انتخابه بمثابة تصويت على الثقة في رؤيته للاقتصاد التركي بناء على فرضية أن أسعار الفائدة والتضخم مرتبطان بشكل إيجابي. وبالتالي، ستظل أسعار الفائدة الحقيقية منخفضة بعمق في النطاق السلبي، مما يجعل الليرة تواجه مزيداً من الانخفاض في قيمتها”.
“قد تتسارع وتيرة انخفاض قيمة الليرة في الواقع نظراً لأن إدارة أردوغان سيكون لديها حافز أقل لدعم العملة الوطنية بأي ثمن من خلال إنفاق كمية هائلة من العملة الصعبة”.
“رفع أسعار الفائدة بشكل ملحوظ، أي من 8.50% إلى 20% على الأقل أو حتى 30%، سيقلل من حجم البيع المحتمل لليرة، ويبدو أن مثل هذا السيناريو غير مرجح استناداً إلى تعليقات الرئيس أردوغان، المسؤول فعلياً عن السياسة النقدية”.