توغلت التكنولوجيا الحديثة في عديد من مجالات الحياة، وبرز دورها جليًا في ظل أزمة كورونا (كوفيد-19)، حيث استطاعت مؤسسات كثيرة وقطاعات شتى من ممارسة أنشطتها وإنجاز مصالحها من بُعد، مما جعل أثرها على الأعمال إيجابيًا، إذ وقَت أرباب كل مجال من التعرض للخسائر ووفّرت على العملاء التعطل.
وكانت الفكرة جديدة نسبيًا بمصر، فالبيروقراطية الإدارية لم تدع مجالًا من قبل لممارسة تكنولوجية حديثة -إلا قليلًا- تقي الناس من دوّامة اللف على المؤسسات، فتوطد عند المتعاملين مع أي مصلحة أن الوسائل التي كانوا يستخدمونها في الترفيه والتواصل مع الآخرين هي نفس الأدوات التي يمكن من خلالها إنجاز أعمالهم دون كلفة المشقة.
ومن جملة من اعتمد سبلًا حديثة في التعامل مع الأزمة قطاع التأمين، حيث غدا إصدار الوثائق إلكترونيًا من بُعد، وصار دفع الأقساط من خلال ماكينات الصرف الآلي المتناثرة في كل مكان، وبات الاستفسار عن مسألة بواسطة مكالمة هاتفية، ولم يعد الأمر يكلف ذويه سوى ضغطة زر فقط.
لا بد لـ”عقليات الستينات” أن تجدد أدواتها
أشار الدكتور علاء العسكري؛ أستاذ التأمين بكلية التجارة بجامعة الأزهر، أن تطوير قطاع التأمين تكنولوجيًا سيعود عليه بمزيد من ازدهار الأداء وارتفاع الحصة السوقية، مما سيؤثر بشكل إيجابي على شركاته، وفي المقابل ستعمل الوسائل الحديثة على تيسير تعامل الجمهور مع مؤسسات المجال، الأمر الذي سيحد من الإحجام الذي يتوافر جليًا عند بعض العملاء بسبب تعقيدات الإجراءات فقط.
وأبرز أهمية دور التكنولوجيا الحديثة في سوق التأمين الحالية، حيث إنه على حد تعبيره الأكاديمي “سلعة تُباع ولا تُشترى”، فلا بد من استلهام الطرق الأكثر حداثة في تسويقه وفتح شهية العملاء له بواسطة شركات المجال أو الوسطاء على حد سواء، فتسهيل الإجراءات على المؤمّنين سبيل جديدة لترويج القطاع بين أرجاء عدد لا محدود من المعارف والأصدقاء والأهل والجيران، وكل ذلك لن يتأتى بغير “طفرة إدارية” -على حد قوله-، يكون قِوامها استخدام الأدوات الإلكترونية في أرجاء المؤسسات والكيانات المتعلقة بالقطاع.
ويضرب لذلك مثالًا، حيث يقول أن السلعة التأمينية حينما تُعرض على الناس بطريقة توافقهم وتتفق وظروفهم المعيشية والحياتية، فإن ذلك يرأب الصدع الذي خلّفته ممارسات “عقليات الستينات” -كما وصفها- التي ما زالت تقوم على معظم الشركات العاملة بالمجال، بل وبالمؤسسات الأكاديمية التي من المفترض لها أن تسهم إيجابيًا في تطوير القطاع، وهو ما جعلنا بمصر واقفين عند نقطة بعيدة لم نبرحها منذ خمسين سنة عمليًا وتعليميًا.
“الهندسة المالية” سبيل “الأرباح المليارية”
ويستطرد في برهنته على ما يقول بأن العميل إذا لمس جدّية في التيسير عليه إجرائيًا، فإنه سيكون أفضل سفير لشركات التأمين، لأنه سيروّج للقطاع من خلال سهولة الخطوات التي يمكن أن تتم كلها بواسطة هاتفه الذكي بينما يتناول فنجانًا من القهوة، بدلًا من التردد على المؤسسة ذهابًا وإيابًا مرات عدّة.
ومن هنا، يعمل تطوير القطاع تكنولوجيًا -والكلام لـ”العسكري” على خلق سوق تأمينية بين أرجاء طبقات من المواطنين لا يُلقون له بالًا، ومن ثَم يأتي دور “الهندسة المالية” في ترويج المجال بسبل أكثر براعة، وساق لذلك مثالًا ببرامج الهواتف الذكية الخاصة بالمواصلات وكيفية الحصول على وسيلة بمجرد فتح شاشة الموبايل، فـ”الصناعة المالية” لا بد أن يسبقها عوامل هامة تسهم في إنجاحها، والتي منها بلا شك مجال التأمين.
ويؤكد “العسكري” أن باتباع تلك السبل التكنولوجية في قطاع التأمين سيعود عليه بـ”أرباح مليارية” -على حد تعبيره-، إلا أن شركات المجال بمصر لديها من التخاذل عن مواكبة الحداثة ما لا يكفي الحديث عنه ساعات طويلة، وبرهان ذلك يتمثل في تعاملهم مع السوق بشكل معين من الوثائق لم يتغير مضمونها منذ عهد بعيد، لا تناسب القدر الكافي من العملاء ولا تُجاري كل الفئات المستهدفة.
ولكن لا بد من معرفة أهمية خلق تطوير لتأمين أخطار التكنولوجيا على كافة القطاعات.
والجراف التالي يوضح المجالات الأكثر تضررًا من الذكاء الاصطناعي:
“التكنولوجيا المالية” و”الابتكار المالي” مفتاح التطوير
ويستمر “العسكري” في ضرب الأمثلة، حيث يقول أن عزوف الجمهور عن شركات التأمين مردوده إلى إحجام تلك المؤسسات عن دراسات تكنولوجية لطبيعة السوق التي يزاول بها نشاطه، فالوثائق التي توافق طبيعة سكان منطقة جاردن سيتي ليست بالضرورة ما يتفق وأهل حي السيدة زينب، رغم تجاور السوقين جغرافيًا، إلا أن هذه ليست كتلك.
ويرد تلك التخبطات في إدارة السوق التأمينية إلى ما عبّر عنه بالفقر إلى “التكنولوجيا المالية” وانعدام “الابتكار المالي”، والذي هو نتيجة حتمية لإحجام مؤسسات المجال عن التطوير المستمر، ووقوفهم عند حِقبة ما قبل خمسة عقود.
ويقترح لتطوير قطاع التأمين؛ إبداع برامج للهواتف الذكية من شأنها تيسير توصيل العملاء بالشركات، فضلًا عن إنشاء وثائق جديدة تتمحور حول احتياجات كل طبقة وما يناسبها، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال أساس إلكتروني قوي يتوصل إلى بيانات كل سوق على حدة، حتى تتمكن المؤسسات والوسطاء من جذب عدد أكبر من المؤمّنين.