يساعد التأمين متناهى الصغر على تحطيم الحلقة المفرغة للصدمات وشِراك الفقر، التى تمنع السكان الريفيين من بناء أنشطة أعمالهم وتحسين حياتهم، وتكمن الميزة الفريدة له فى نقله للمخاطر التى يتعذر السيطرة عليها بعيدا عن المزارعين وأنشطة أعمالهم وبلدانهم.
فعندما يُستخدم التأمين مع أدواته وتقنياته كنهج شامل لإدارة المخاطر الزراعية، فإنه يُطلق دورة حميدة تمكِّن الأسر الزراعية من الإنتاج والكسب واستثمار المزيد، لبناء أصولها وقدرتها على الصمود.
المزارعون في بيئات عالية المخاطر
قال دياب أبو حجر؛ فلاح مالك لحيازة زراعية، إن أصحاب الحيازات الصغيرة يتعرضون لمخاطر وأعباء متعددة، مثل الأمراض وسوء تغذية الحيوانات بسبب بعض الآفات التى تصيب الزرع، وتؤثر على سبل العيش، مشيرا إلى وجوب تضمين التأمين سبلا للحفاظ على الثروة الحيوانية وتخفيف صدمة الأمراض وتعزيز قدرتها على الصمود.
وأضاف أن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة ومعظم الأسر الريفية يعيشون ويعملون فى بيئة عالية المخاطر، حيث إنهم معرضون بشدة للصدمات المالية، فضلا على أن الزراعة تشكل لهم المصدر الرئيسى للغذاء والدخل، مشيرا إلى أن القطاع هو الأكثر تضررا من الآفات، التى تقضى على الإنتاج الزراعى، إضافة إلى أخطار أخرى يمكن أن تقوض قدرة سكان الريف رقيقى الحال على الصمود، كما يتضح من آثار أزمة جائحة كورونا (كوفيد-19).
وأشار إلى ضرورة تضمن منتجات تأمين صغار المزارعين ضد هلاك الماشية، بالتعويض عن الموت الطبيعى للحيوانات أو إثر حادث، إضافة إلى التأمين من الحريق الزراعى، بتغطية الأضرار التى تلحق بالمحاصيل جراء حريق، ويمكن أن يمتد إلى تغطية نتائج المسئولية المدنية إزاء الغير، وكذلك تأمين البيوت المخزن بها المحاصيل، بضمان هياكلها وتجهيزاتها والمزروعات المتواجدة فيها ضدّ أخطار البرد والعواصف والحريق، فضلا على تأمين المركبات الزراعية المستخدمة فى الحرث والزرع والإنتاج.
التأمين لديه الحل.. والتعويل على الوعى
وقال الدكتور خيرى عبد القادر؛ رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للمجموعة الدولية للاستشارات التأمينية ICI وخبير التأمين الاستشارى وأستاذ التأمين بكلية التجارة بجامعة القاهرة، إن التأمين على الماشية والخيول تجربة قديمة شهدتها السوق المصرية، وكانت -وما زالت- تغطى نفوق الماشية والأمراض، سواء كان فرديا أو جماعيا، الأمر الذى يعتبر هاما جدا فى مشروعات الثروة الحيوانية البسيطة والمتوسطة، لحرص أصحابها على أخذ تلك الخطوة؛ اطمئنانا على ما تحت أيديهم من أموال.
وعزا عزوف المزارعين عن شراء التأمين، إلى أن معدل خسائره بسيطا، ما يؤدى إلى انخفاض تعويضاته، وهو ما يُسفر عن انخفاض الطلب من قبل العملاء ومطالبهم بخفض سعر التغطية، مما يثير أهمية دور التغطيات متناهية الصغر.
وأوضح أنه فى حالة زيادة إقبال الأفراد وصغار المستثمرين ومجموعات الشباب العاملين بأنشطة الزراعة والتسمين الحيوانى والداجنى والاستزراع السمكى، على شراء وثائق التأمين الزراعى متناهية الصغر سيساهم ذلك فى حصولهم على أسعار تنافسية، لافتا إلى أن شركات التأمين ستكتسب المزيد من الخبرة فى الاكتتاب على هذا النوع من التغطية مع تكرار إصدار وثائقه وصرف تعويضاته عبر حساب معدل الخسائر بدقة وفى ضوء التجربة العملية.
ويرى أن التأمين متناهى الصغر عامة والمتعلق بالشق الزراعى خاصة فى مصر لم يأخذ حقه الأمثل من الاهتمام؛ نظرا لعدم تمكن شركات القطاع من إغراء المؤمَّن لهم بعروض مقبولة، فغالبا ما تكون الأسعار مرتفعة كما أن الوثيقة لا تغطى كافة الأخطار المتوقعة، فالتأمين على المحاصيل الزراعية تقتصر وثيقته على تغطية خطر الحريق فقط، معتبرا أن شركات التأمين لا تقدم منتجات تأمينية لذوى النشاط الزراعى ضد خطر الآفات التى يمكن أن تصيب المحاصيل أو الحشرات الطائرة وغيرها التى يمكن أن تصيب بعض النباتات، مما أدى إلى ضعف الطلب على البوليصة من قبل الأفراد العاديين والمستثمرين الصغار، وذلك ما يحث على أخذ تلك المحاذير فى منتجات الشركات لـ«متناهى الصغر» بعد توصيات مؤتمر الأقصر.
واقترح على الشباب والمستثمرين الصغار الممتلكين لأراضٍ أو مزارع حيوانية الاشتراك فيما بينهم بإنشاء جمعيات تحمل عبء التعاقد وتسديد الأقساط لشركات التأمين، ولا سيما أن أصحاب النشاط الزراعى والحيوانى يتكبدون أثناء كل كارثة خسائر ضخمة، مثل الحمى القلاعية وإنفلوانزا الطيور وأزمة الجراد التى شهدتها البلاد من قبل، مشيرا إلى أن «الأخطار الإضافية» لا تتوافق وطبيعة التأمين الزراعى، حيث لا بد من شمول تلك القائمة للمخاطر التى تتعلق بكل ما يخص نشاط الزراعة، بجانب مخاطر الحريق، مثل الكوارث الطبيعية مثل السيول والفيضانات والعواصف، والأوبئة والأمراض والحشرات الطائرة.
واعتبر أنه لا مفر من الأخذ فى الاعتبار «الأجزاء المكملة» للعملية، كالمحصول المزروع والأرض الجارى فيها العمل وأماكن إيواء الماشية والماكينات المستخدمة فى الرى وآلات الحرث، وكذلك لا بد من نظرة أشمل تتمكن من تغطية المسئولية المدنية عند وقوع حادث انتقل أثره إلى الغير، كالخسائر التى يمكن أن تصيب جيران المزرعة التى أصابتها الكارثة، أو خطر توقف الأعمال، الذى يصيب بعض العاملين جرّاء عدم تغطية المحصول للمطلوب أو خسارة المشروع.