كيف تقهر الضجر وتعي المراحل المختلفة للمؤسسة؟

حازم شريف

10:51 ص, الأحد, 19 مارس 23

حازم شريف

حازم شريف

10:51 ص, الأحد, 19 مارس 23

يمل المرء أحيانا مداومة الاحتفال بالذكرى السنوية الدورية لحدث أو مناسبة هامة فى حياته، كعيد ميلاده، أو زواجه، أو بداية الالتحاق بعمل جديد، أو وظيفة محببة.

وضع لبنات مؤسسة صحفية، والاستمرار فى الصدور والنشر لعقدين من الزمان، لا يمثل استثناءً من ذلك، ولا يشكل تفرده حلًا لتلك المشكلة.

لماذا هى مشكلة؟

ببساطة لأن مجرد الاستمرار فى الحياة أو العمل أو الزواج أو العزوبية أو نشر الموضوعات والمنتجات الصحفية، ليس بالضرورة أمرًا يستحق تكرار الاحتفاء، إن لم يكن يدعو إلى الحنق والضجر والاكتئاب.

ويزيد الأمر سوءًا فى حالة المؤسسات والمشروعات المختلفة، أن اكتئاب المؤسس أو المدير أو مجموع المديرين، لن تقتصر توابعه على شخوصهم ومستقبل ذويهم فقط، بل أيضا -وهذا هو الأهم- ستنال مصير الشركة ذاتها، والعشرات والمئات من فريق العمل وأسرهم.

كيف تتخلص من الضجر؟

النصيحة الذهبية تتلخص فى الحرص تمامًا على تجنب استخدام كلمة «الشغف»، تلك التى تم ابتذالها من جانب «خبراء» التنمية البشرية المزعومين، ومشاهير سوشيال ميديا، وبعض محدثى الشركات الناشئة، الذين لا يتورعون عن الهتاف بها بتكلف وحماسة مصطنعة، لا تخطئها عين خبيرة مدربة، لتحلية نماذج أعمالهم الخربة، أثناء محاولات جمع الأموال.

فى هذا السياق البائس، يصبح مجرد التفكير فيها، ناهيك عن جريانها على لسانك، مسببًا رئيسًا للاكتئاب عوضًا عن تلافيه.

إلا أن مجرد اتباع هذه النصيحة لا يكفى، فلندخل فى صلب الموضوع.

………….

منذ عدة أيام، تلقيت اتصالًا هاتفيًا مفاجئًا من ناشرٍ كبيرٍ وصديقٍ عزيزٍ، يطمئن على أحوالى وسير العمل، ويبدى اندهاشه من قدرتنا على الاستمرار «حتى الآن» فى ظل هذه الظروف الاقتصادية غير المواتية.

ولكن منذ متى كانت الظروف مواتية؟

على مدار عشرين عامًا تمثل عمر «المال»، تعرض الاقتصاد المصري لخبطات متعددة، تعاقبت على تشكيلها متغيرات وأحداث جسام دولية وإقليمية ومحلية، كحرب الخليج الثانية واحتلال العراق، والأزمة المالية العالمية فى 2008، وثورتى يناير ويونيو، وجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية.وهوت العملة تحت وطأة 3 تعويمات بنحو %300، لتعيد تشكيل ملامح بيئة الأعمال.

بحسبة بسيطة، سجل متوسط معدل النمو السنوى للناتج المحلى الإجمالى فى الفترة من (2003-2022) نحو %4.5.

ماذا يعنى ذلك؟

بناءً على الخبرة المتراكمة بالسوق المحلية لعقدين من الزمان، ولأسباب متعددة، فإن بمقدور الصحف والوسائل الإعلامية المختلفة أن تربح حين تتجاوز معدلات النمو الاقتصادى %5، فى النطاق ما بين «%5-4» عليك أن تجاهد لتغطية المصروفات بالكاد.

ما دون %4 أنت ميتٌ لا محالة.

وطبعًا ما اتحدث عنه هنا، يخص المؤسسات الصحفية الطبيعية، التى لا تستطيع أن تستمر فى الخسارة، بل وصرف أرباح –لم تتحقق قط- على العاملين، على أن يتولى سد العجز صاحب الدكان القومى أو الخاص.

ما العمل؟!

فى ظل وضع كهذا تفرضه عليك الظروف لمدة 20 عامًا فيما يشبه اللعنة، يصبح التخطيط والابتكار والتطوير وامتلاك المرونة لتعديل الرؤى والأهداف والحرص على التجدد المعرفى وتجديد الدماء، كلها عناصر تشكل الخلطة الأمثل للبقاء.

باختصار، نحن لا نمارس المهنة ولا ندير الصناعة ولا نعمل بالتصورات والآليات والأفكار نفسها التى كنا عليها عند البدايات، دورة حياة المؤسسة لدينا مقسمة إلى مراحل، تحددها ظروف السوق ومعطيات الاقتصاد والتطور التكنولوجى فى صناعة ونشر وتوزيع المحتوى الصحفي.

قبل نحو 5 أعوام، وفى مناسبة احتفالنا باليوبيل 15 على التآسيس، أطلقنا شعار «ثورة الديجيتال»، تحول إلى خطة عمل، تضمنت برامج تدريبية على صناعة المحتوى الرقمى لإدارة التحرير بأكملها، واستحداث أقسام جديدة، وضخ استثمارات تم توفيرها بمشقة لتحسين البنية الأساسية التكنولوجية، تزامنت مع إعادة هيكلة تدريجية، وتحسين مؤشرات قياس الأداء.

وفى خضم ذلك، ينبغى أن توطن نفسك على حسن استقبال الصدمات بالقدرة على المناورة، فمن الصعب البقاء على معدلات التطوير نفسها فى ظل مناخ حافل بالمفاجآت غير السارة فى أغلب الأحوال.

ما الذى يدعو للاحتفال؟

أولًا؛ النجاح فى الحفاظ على مستوى جودة متميز وثابت من الأداء، فيما يتعلق بالمحتوى بأشكاله المختلفة، ونشره وتسويقه بصورة احترافية.

ثانيا؛ الحفاظ على الأكواد الأخلاقية والمهنية للمؤسسة والتعامل بجدية مع أى محاولات لاختراقها.

ثالثا؛ التوسع الحثيث فيما يتعلق بأساليب وأشكال المحتوى الاقتصادى المختلفة، وتطوير نموذج الأعمال تدريجيا، ليعكس هذا التنوع المطرد.

إن التحدى الرئيس الذى تواجهه أى مؤسسة مع الزمن، يتمثل فى مخاطر الترهل وأعراض التكلس التى قد تصيبها فى مقتل، ويتعين على أى إدارة تدعى الرشادة أن تتنبه لها وتعالجها فى الوقت المناسب قبل أن تستفحل وتودى بها للهلاك.

بمنتهى الوضوح، نحن لا نعمل الآن كما كنا قبل 10 أو 5 سنوات، أو حتى قبل شهرين، وصراحةً لا أرى فى ذلك نوعاً من ممارسة الشغف، بقدر ما فيه من حرص على صناعة شروط موضوعية تكفل بقدر الإمكان دورة حياة ناجحة للمؤسسة، بنا ولمن يأتى من بعدنا.

سبب آخر يدعونى للاغتباط بشكل شخصى مع مرور الوقت، عندما أتامل سوق الصحافة الاقتصادية بكل مستوياتها الإدراية داخل مصر وخارجها، وأكاد أزعم أن أغلبهم قد مروا من هنا فى مرحلة من حياتهم المهنية.

[email protected]

Twitter account:@hazemsherif