1- هل أعلن المهندس محمد نصير رئيس مجلس إدارة فودافون مصر عن نيته منافسة عرض الذي قدمته يوم 19 سبتمبر الماضي لشراء حصة %24,4 من شركة فودافون مصر بسعر 100 جنيه للسهم ؟ أم أن المسألة مجرد شائعات -كما ذكرت فعلا إحدي الصحف الاقتصادية يوم الخميس الماضي في صدر صفحتها الأولي- حسمتها تصريحات نصير في نفس الموضوع لذات الصحيفة بأنه قد أعطي أوامره ببيع كامل نسبته البالغة %6 ؟
2- إذا كان «نصير» قد صرح فعلا بنيته في التقدم بعرض للشراء فلماذا تراجع عنه ؟ ولماذا اضطرت شركة فودافون مصر- التي يراسها نصير- لاصدار بيان تعلن فيه حيادها تجاه العرض المقدم من المصرية للاتصالات ؟
3- هل يمثل تصريح نصير في حالة حدوثه انتهاكا لقانون سوق المال وأحكام لائحته التنفيذية التي تجرم استخدام وسائل الإعلام للتأثير علي أسعار الأسهم المتداولة بالبورصة؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تغاضت عن ذلك هيئة سوق المال؟
4- هل يجوز ان تكون الصحافة الاقتصادية «هبلة» أو أن يتم استغفالها في أفضل الأحوال ,فتصف تصريحا موثقا لنصير _كما سنوضح لاحقا- بأنه شائعات ترددت حول رفضه لبيع حصته و نيته التقدم بعرض منافس؟
صباح يوم الثلاثاء 19 سبتمير أعلنت المصرية للاتصالات عن عرضها للاستحواذ علي %24,4 من أسهم فودافون مصر بسعر 100 جنيه للسهم، فطار كرد فعل طبيعي ليغلق علي 96.77 جنيه مقابل 84 جنيها عند إقفال اليوم السابق .
في المساء كان المشاهدون لقناة سي إن بي سي عربية الاقتصادية علي موعد مع المجهول .ففي متابعة لمكتب المحطة بالقاهرة لتطورات عرض المصرية للاتصالات، أجرت القناة اتصالا هاتفيا علي الهواء مع محمد نصير بصفته رئيس مجلس فوافون مصر لاستطلاع رأيه في العرض، إلا انه سرعان ما خلع قبعة فودافون ليرتدي قميص المساهم في الشركة بصفته الشخصية -%1- و بحكم منصبه كرئيس لمجموعة ألكان _ %5- ليعلن بالنص رفضه لبيع حصته, لماذا ؟ لأنه يري أن سعر عرض المصرية للاتصالات متدني !لماذا؟ لأن تقييم السعر العادل هو 120 جنيها ! هكذا قال نصير وليس مروجو الشائعات أو بائعي الوهم ؟
هل اكتفي نصير ؟ لا, و إنما استرسل دون أن يسأله او يطالبه أو يقاطعه أحد ليقول : و أنا بأعلن انني سأشكل كونسورتيوم أنا و ألكان و مجموعة من المستثمرين للتقدم بعرض منافس للمصرية للاتصالات !
هل يستطيع المهندس نصير أن ينفي ذلك؟ لا.لماذا؟ أولا لأن أقواله موثقة في مكتبة القناة، و ثانيا لآنني أمتلك تسجيلا لهذه التصريحات علي شريط فيديو لمن يهمه الأمر، و ثالثا و هو الأهم، أنه في صباح اليوم التالي كان علي مكتب الدكتور هاني سري الدين رئيس هيئة سوق المال تقريرا عن هذا التصريحات رفعه إليه أحد العاملين معه ساقه حظه السعيد للاستماع إلي أنغام عرض الشراء الفضائي المسائي من جانب كونسورتيوم نصير.
رسالة سري الدين الفورية لنصير يمكن تلخيصها في عبارة واحدة : يجب أن تحافظ علي فمك مغلقا…اصمت “
نحن هنا بصدد 3 احتمالات لدوافع نصير:
أولها.أن يكون نصير مستثمر حسن النية، راعه أن يري المصرية للاتصالات تخسف بتقييم ما يملكه من أسهم الأرض, فأعلن شجبه و رفضه ,وزاد علي ذلك بالتحرك الايجابي لتكوين كونسورتيوم منافس للمزايدة علي الصفقة.
ثانيها , أن يكون الغضب قد بلغ بنصير مداه مما دعاه لافساد الصفقة علي المصرية للاتصالات من خلال التأكيد علي عدم ملاءمة السعر و تطميع المستثمرين في سعر أعلي,فيمتنعون عن عرض ما في حوزتهم من أسهم.
ثالثها.و هو احتمال لم يدفعني إليه سوي الأمانة الموضوعية وولائي و شغفي الجم بنظرية الاحتمالات منذ كنت طالبا بالمرحلة الاعدادية, احتمال أربئ بخيالي أن يعن له مجرد أن يجول بخاطر من هو في مكانة و حجم المهندس نصير, احتمال يعف لساني أن يتفوه به,وتخجل أذني أن تسمعه,ويرتبك قلمي و يفكر ألف مرة قبل أن يخطه علي ورقة تواليت وليس علي صفحات الجرائد ……….. إلا وهو أن يكون المهندس نصير يرغب في البيع بالفعل,ولكن بسعر أعلي من باقي المساهمين ,وهي ظاهرة اعتاد المتعاملون في البورصة ان يطلقوا عليها لفظ “التعريق”.فكم من مرة رأينا مستثمرين يهيجون الدنيا ضد إتمام أحد الصفقات بحجة الافتئات علي حقوق الأقلية و تدني التقييم,ثم نفاجئ بهم يبيعون أسهمهم بذات الأسعار بعد أن يتم “تعريقهم” ببضعة جنيهات في الخفاء زيادة فوق سعر باقي المساهمين!
في اليوم التالي الأربعاء تحرك السهم تحركا طفيفا ليغلق علي 97.14 جنيه ثم 97.68 جنيه يوم الخميس.أي أن السهم لم يستجب لتصريحات نصيرالتي كان يفترض أن تدفعه ليتجاوز مستوي الـ100 جنيه الذي عرضته المصرية للاتصالات.
و إزاء هذه التطورات تحركت المال يوم الأحد لتنشر ردا من جانب عقيل بشير رئيس المصرية للاتصالات ذكر فيه أن شركته لن تتقدم بسعر أعلي في الصفقة,وأن الـ 100 جنيه هو السعر النهائي الذي تعرضه شركته للسهم في صفقة فودافون.
ونشرت المال في نفس الموضوع ملخصا لتصريحات نصير لقناة سي إن بي سي.
وعلي مدار الأسبوع لم يتعد سهم فودافون حاجز الـ100 جنيه ,ولكن في الوقت نفسه ظلت كمية الأسهم المعروضة للبيع من جانب المستثمرين محدودة للغاية.
بناء علي حالة البلبلة التي تسببت فيها تصريحات نصير-وليست الشائعات-,قامت شركة فودافون مصر يوم الأربعاء الماضي -وفقا لطلب من هيئة سوق المال دعتها فيه إلي توضيح موقفها-, بنشر بيان قالت فيه: إنها تري أنه من غير المناسب اعطاء توجيهات للمساهمين تجاه عرض شراء المصرية للاتصالات لشراء %24,4من أسهمها.
ولاحظ عزيزي القارئ أن البيان قد استخدم عبارة “اعطاء توجيهات” وليس “نشر شائعات”,فمن ياتري وجه المساهمين؟ أنت أم أنا أم التصريحات النارية لمحمد نصير؟
يوم الخميس كان من الطبيعي أن يلقي أغلب المساهمين بأسهمهم لصالح عرض المصرية للاتصالات حتي بلغ إجماليها حوالي 31 مليون سهم -من 54 مليون سهم يستهدفها العرض- من بينها معظم أسهم نصير فيما عدا 2 مليون سهم,ينتظر أن يعرضها اليوم ,وهو أخر موعد لتلقي عروض البيع.
ومن المؤكد أن تصريحات نصير بصرف النظر عن نيته تمثل انتهاكا واضحا لقانون سوق رأس المال,إلا أن هيئة سوق المال تميل حتي هذه اللحظة للتغاضي عن اتخاذ أي إجراءات عقابية علي اعتبار أن هذه التصريحات لم تؤثر علي سعر السهم بالبورصة,وهو منطق و إن كان البعض داخل الهيئة يري وجاهته,إلا أنه علي الجانب الأخر مردود عليه,بأنه يتيح لأي مستثمر في المستقبل ,أن يطلق ما يشاء من التصريحات المؤثرة علي أسعار الأسهم,ثم يخرج بعدها إذا ما حاول أحد معاقبته ليقول بالفم المليان: اشمعني نصير!
والسؤال الأكثر إلحاحا بالنسبة لي: هل يجوز أن يورط نصير الصحافة الاقتصادية أو تورط الصحافة الاقتصادية نصير,في نشر موضوع صحفي يتنصل فيه الرجل من تصريحات أدلي بها علي الهواء مباشرة,بل ويبدو فيها و كأنه البطل المغوار الذي يرد بحسم علي شائعات يرددها السوق,لا ناقة له فيها ولا جمل ولا “جمال”!
أكره أن أنهي موضوعاتي بسؤال لم أستطع الاجابة عليه, ولذلك فردي بكل وضوح علي السؤال السابق هو :لا.ليس بمنطق أنني أدعو نصير إلي التحلي بالشجاعة الأدبية كما يفعل المدرس مع تلميذ الصف الابتدائي حين يغريه بوعده بعدم التعرض له حال الاعتراف بارتكابه خطأ أو مشاغبة أقدم عليها أثناء الدرس بالفصل, قبل أن ينقض عليه معاقبا بالخرازانة. و لكن من زاوية أن مستثمرا كبيرا كنصير ينبغي أن يضرب القدوة الحسنة, لصغار رجال الأعمال من المبدعين “الآنتربرنير”، فيتعالي عن الصغائر,ويعترف بهفواته,وجلا من لا يسهو.
كما أن الصحافة الاقتصادية علي الجانب الآخر يجب ألا تكون مطية يركبها كل من يرغب في التغطية علي جرم أو “عملة ” ارتكبها أو زلة لسان,حتي ولو كان عذرها إنها لم تكن تعلم ,ففي هذا دعوة لبذل الجهد الكافي في المرات القادمة ,ونحن نثق في حسن نوايا الزملاء.