قال العديد من الباحثين إن ما يزيد من مشاكل الشرق الأوسط الاقتصادية هو السياسة النقدية غير المسؤولة للولايات المتحدة، التي قامت برفع أسعار الفائدة ثماني مرات على التوالي مما أدى إلى تعطيل الاقتصاد العالمي وإضعاف توقعات التعافي الاقتصادي، بحسب وكالة شينخوا.
وفي تركيا، بلغ ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين أعلى مستوى له منذ 24 عاما ليصل إلى 85.5 في المائة في أكتوبر.
وفي لبنان، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 143 في المائة بين سبتمبر وديسمبر في عام 2022، لتحتل المرتبة الثالثة في تضخم أسعار المواد الغذائية في العالم، وفقا لبيان صادر عن البنك الدولي.
وفي مصر، فقدت العملة الوطنية نصف قيمتها منذ عام.
وقال سمير موسى، وهو عسكري متقاعد يعيش في عمان، عاصمة الأردن، إنه لم يشتر الفاكهة منذ شهرين.
والوضع هو ذاته تقريبا في تونس، حيث يجد السكان المحليون صعوبة حتى في الحصول على علبة حليب. ونجم النقص في منتجات الألبان في تونس عن ارتفاع أسعار العلف، مما أجبر العديد من مربي الأبقار المحليين على بيع ماشيتهم.
هيمنة الدولار الأمريكي
قال المحلل السياسي والاقتصادي التونسي جمعي قاسمي إن ارتفاع التضخم في بلاده يرتبط ارتباطا وثيقا برفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
وذكر قاسمي أنه “إذا قارنت الجدول الزمني، يمكنك أن ترى أن التضخم في تونس ارتفع فجأة بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي للفائدة”، في إشارة إلى تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة على الدولار.
وأشار إلى أن “ذلك أجبر البنك المركزي التونسي أيضا على رفع سعر الفائدة. وآخر ارتفاع مفاجئ في سعر الفائدة كان في 14 يناير، ويبلغ سعر الفائدة القياسي للبنك المركزي الآن 8 %”.
وبدوره، قال وليد جاب الله، الأستاذ بجامعة القاهرة، إنه من المستحيل على دول مثل تونس ومصر ألا تأخذ السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي في الاعتبار عند اتخاذ القرارات بسبب الوضع المهيمن للدولار.
وأفاد جاب الله أن “الدولار الأمريكي أصبح ملاذا أكثر جاذبية وأمانا للمستثمرين بعد ارتفاعات سعر الفائدة”، مضيفا أنه منذ مارس 2022، كان هناك إجمالي 25 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات غير المباشرة في أدوات الدين المحلية في السوق المصرية.
وأوضح أنه “عند الخروج من مصر، كان المستثمرون الأجانب بحاجة إلى شراء الدولار الأمريكي، مما تسبب في انخفاض قيمة الجنيه المصري”.
ومع استمرار الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رائدة في العالم، يمكن للولايات المتحدة استخدام القوة الساحقة للدولار لنقل أزمتها إلى بقية العالم، بغض النظر عن التحذيرات المتكررة من قبل الاقتصاديين بأن الزيادات ستعطل الاقتصاد العالمي وتنذر بالركود.
وقال قاسمي إنه “من المخيب للآمال والمثير للغضب أن تصدر الولايات المتحدة التضخم لخدمة مصلحتها الخاصة وتجعل العالم يدفع ثمنه”.
وأضاف قاسمي أن قوة الدولار زادت أيضا من أعباء سداد الديون وعمقت الفقر في العديد من البلدان النامية، مثل لبنان الذي يتم دفعه إلى حافة الإفلاس الوطني.
إنهاء الاعتماد على الدولار
وأشار عدنان برجي، مدير المركز الوطني اللبناني للدراسات، إلى أنه من العار أن تعاني منطقة الشرق الأوسط، بمواردها الطبيعية وموقعها الإستراتيجي، من التضخم الخارج عن نطاق السيطرة.
وذكر برجي أن الحلول ممكنة إذا تم التخلي عن التبعية للغرب وتوجيهاته القاتلة.
وأفاد جاب الله أنه “ليس من المنطقي أن يواصل البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة واتباع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي”.
ودعا إلى إتباع نهج “نزع الدولرة” للحد من التخفيف أو التشديد اللامسؤول للسياسة النقدية الذي تقوم به الولايات المتحدة لخدمة مصالحها الخاصة.
وللتحوط من خطر الوقوع في فخ واشنطن المالي، تشرع المزيد من الدول في إتباع عملية نزع الدولرة، واستكشاف طرق لتجنب العملة الأمريكية.
فالهند، على سبيل المثال، تناقش خططا مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتسوية المعاملات الثنائية بعملتيهما المحليتين. كما مدد البنكان المركزيان في كوريا الجنوبية وأستراليا اتفاقية مبادلة العملات لمدة خمس سنوات حتى 2028.
ومع اكتساب عملية نزع الدولرة زخما، أشار مايكل هدسون، أستاذ الاقتصاد في جامعة ميسوري-كانساس سيتي، إلى أن وضع نظام نقدي بديل سيستغرق وقتا.
وقال هدسون إن “الهيكل بأكمله سيتغير وسيظل هناك العديد من البلدان التي تستخدم الدولار. لكنه سيكون مثل (عملات) الدول الأخرى. وسيتعين عليها الدفع بطريقتها الخاصة”، مضيفا أنه “لا يمكنها إصدار ديون بالدولار دون ضغوط”.