حققت صادرات السيارات الصينية طفرة في العام الجاري نتيجة سعي شركات صناعة السيارات المحلية لوضع موطئ قدم لها خارج نطاق السوق المحلية، بحسب وكالة بلومبرج.
سجلت صادرات الصين من سيارات الركاب والشاحنات والحافلات والمركبات الأخرى إجمالي يصل إلى 2.2 مليون سيارة في سبتمبر. هذا يمثل ارتفاعاً بنسبة 54% عن نفس الفترة من العام المنصرم، كما يزيد عن ضعف المتوسط من عام 2012 حتى عام 2020.
نمو صادرات السيارات الصينية الكهربائية
كان للسيارات الكهربائية الحصة الأكبر في هذه الطفرة، حيث تم تصدير 342 ألف سيارة كهربائية في الثلاثة أرباع الأولى من هذا العام. هذا يمثل 29% من إجمالى الصادرات في ذات الفئة، وهذه النسبة تشكل زيادة كبيرة عن عام 2019، عندما شكلت السيارات الكهربائية 2% فقط من الصادرات. تضمنت الصادرات أيضاً 314 ألف سيارة كهربائية منخفضة السرعة و4 آلاف حافلة كهربائية.
تتعدد العوامل التى أسهمت في نمو صادرات السيارات الكهربائية الصينية، حيث سمحت هيمنة الصين على إمدادات البطاريات وخامات إنتاج السيارات الكهربائية للمصنعيين المحليين بتحقيق قفزة بالإنتاج. ينتفع مصنعو السيارات الغربيين من انخفاض تكاليف الإنتاج في الصين وسلسلة الإمداد الصينية الراسخة لإنتاج السيارات الكهربائية للعملاء حول العالم مع تزايد الاهتمام بهذه التكنولوجيا.
برزت شركة “تسلا” كمصدر رئيسي من مصنعها في شنغهاي بدءاً من العام الماضي، مع شحن نحو 165 ألف مركبة من المصنع إلى الأسواق العالمية في الأشهر التسعة الأولى من العام. كذلك، تصدر شركات عالمية أخرى، مثل “رينو” و “بي أم دبليو” ، سيارات كهربائية صينية المنشأ، وستنضم لهم “فلوكس واجن” في العام القادم.
العلامات التجارية الصينية تخلق توازناً
تخلق العلامات التجارية الصينية توازناً. قفزت صادرات “سايك” (SAIC) إلى 78 ألف مركبة في الأرباع السنوية الثلاثة الأولى من العام الجاري، معظمها من العلامة التجارية “إم جي” (MG) التي استحوذت عليها في عام 2007. أما منافستها “بي واي دي” (BYD)، فقد صدرت 22 ألف مركبة وتخطط لتصدير المزيد في عام 2023 وسط استمرارها في الدخول إلى أسواق جديدة. كما أعلنت شركات أخرى مثل “إكسبينغ” (Xpeng) و “نيو” (Nio) “غريت وول” (Great Wall) عن خطط توسعية كبيرة.
ظهر هذا الوضع جلياً في أرقام مبيعات السيارات الكهربائية في الدول الأخرى. يستحوذ المصنعون الصينيون على 11% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية البالغة 1.8 مليون في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري، ارتفاعاً من 2% فقط في عام 2020.
الوصول إلى السوق العالمية
يجدر التفكير قليلاً في كيفية وصولنا إلى الوضع الحالي، حيث ظلت النقاشات محتدمة لفترات طويلة من العقد المنصرم حول ما إذا كان المصنعين الصينيين قادرين على إثبات أنفسهم في السوق العالمي. اتخذت هذه النقاشات اتجاهاً نظرياً إلى حد ما في ظل عجزالمصنعين الصينيين على السيطرة حتى على أسواقهم المحلية.
في عام 2015، كان 66% من إجمالى مبيعات السيارات في الصين يأتي من المشاريع المشتركة بين العلامات التجارية المحلية والدولية. كما بدا دخول الولايات المتحدة أو ألمانيا وكأنه طفرة إلى حد كبير.
تقلب السيارات الكهربائية الموقف رأساً على عقب، حينما تباطأت العديد من العلامات التجارية الغربية، وقضت أعوام في صراع ضد لوائح صارمة لتقييد استهلاك الوقود. كانت الصين تقيم صناعة السيارات الكهربائية الخاصة بها من خلال طلبات شراء أسطول النقل الحكومي والمعونات وحوافز جانب العرض، إضافة إلى الاستثمار المكثف في البنية التحتية لمنظومات الشحن. تسيطر الصين على نحو 60% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربية، مع نصيب أكبر من سلاسل إمداد البطاريات.
تقع معظم صادرات السيارات الكهربائية الصينية في الشريحة التسعيرية الأعلى من السوق، لكن هذا الوضع قد يتغير. حيث تحاول شركات صناعة السيارات الغربية التقليدية بشكل متزايد الانتقال للشريحة العليا من السوق لبيع المزيد من السيارات المتميزة. يخرج البعض من قطاع سيارات الركوب تماماً للتركيزعلى سيارات الدفع الرباعي والشاحنات ذات نسب الربح الأعلى.
هذا الاتجاه يظل منطقياً من ناحية نسبة الأرباح، لكنه يخلق فجوة كبيرة في الشرائح التسويقية الأدنى التي ربما تحاول شركات تصنيع السيارات الصينية سدها.
تمتلك الصين ميزة تنافسية حقيقة من ناحية الأسعار. يُظهر مسح أسعار بطاريات الليثيوم اأيون الصادر عن “بلومبرغ إن إي إف” أن سعر حزمة البطاريات يزيد بنسبة 33% في أوروبا، و24% في الولايات المتحدة عن نظيراتها في الصين. متوسط سعر السيارة الكهربائية العاملة بالبطاريات في الصين في عام 2021 كان عند 26,500 دولار، وهو أقل بمعدل الثلثين عن متوسط سعر السيارة الكهربائية في أوروبا وبمعدل النصف عن أسعار الولايات المتحدة.
طلب حقيقي على السيارات الكهربائية
الإحجام المستمر عن شركات تصنيع السيارات التقليدية خلال العقد الماضي كان مهيئاً بحيث أن هم سيزيدون الإنتاج بشكل سريع ويسيطرون على السوق بمجرد وجود طلب حقيقي على السيارات الكهربائية. لم تسر الأمور على هذا النحو في أكبر أسواق السيارات في العالم. لقد أصبحت السيارات الكهربائية القابلة للشحن تمثل حوالي 30% من إجمالي حجم المبيعات في الصين. تمتلك الشركات العالمية، باستثناء “تسلا”، نصيباً ضئيلاً من هذه المبيعات، وما زال يستمر بالتضاؤل.
تتحدث الاّن شركات صناعة السيارات التقليدية بشكل عام عن المنافسة على المركز الثاني خلفاً لـ”تسلا”، أو تخطيها في فترة لاحقة من العقد الحالي. حتى هذه الاحتمالية تظهر وجود نقطة عمياء شكلتها “بي واي دي” في وجهة النظر تلك. تسابق “بي واي دي” لبيع مليوني سيارة كهربائية قابلة للشحن خلال العام الجاري، مع استهدافها بيع ما يزيد عن 3 ملايين سيارة في عام 2023. هذا يتخطى بشكل كبير ما يرجح أن يصل إليه المُصنع التقليدي “فولكس واجن” في العام ذاته.
كل ما سبق لا يعني أن الطريق ممهد أمام العلامات التجارية الصينية إلى الأسواق العالمية، بل إن كسب ثقة المستهلك والاعتراف بالعلامة التجارية والحصول على حصة سوقية يستغرق وقتاً. كما أنه ما زال من الصعب صناعة سيارات ذات جودة مرتفعة.
وبالرغم من ذلك، تكشف الدراسات المتعاقبة أن المستهلكين ممن يحوزون على سيارات كهربائية يعجبون بها حقاً، وأن الأسواق لها طريقتها الخاصة لتجلب للناس ما يريدونه. وتثبت بيانات التصدير الحديثة أنهم يفعلون ذلك بالفعل.