تبنت مكتبة الإسكندرية مؤخرًا بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى استضافة عدد من الجمعيات الأهلية من كافة محافظات مصر، بالتزامن مع قرب انتهاء عام المجتمع المدنى 2022، وذلك وفق إطار مؤتمر «التنمية والشراكة فى الجمهورية الجديدة» مُستهدفة مُشاركة كافة الأطياف بمختلف ممارساتهم والمقاربات الفكرية، لانعكاس عملية شراكة المجتمع المدنى فى التنمية، فى ظل إدراك مكتبة الإسكندرية للمسئولية المجتمعية.
وفى هذا الصدد أكد الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، أن المجتمع المدنى يُعد مُكونًا أساسيًّا من عمليات التنمية وفى بناء الأمم، موضحًا أنه لا يتعرض لاحتكار الدولة أو لسيطرة رأس المال، بل يشهد المجتمع المدنى شراكة حقيقة بين ثلاث مكونات، وهى «المكون السياسي، المالى الاقتصادي، ومن ثم المُكون المدنى».
وأضاف «زايد» بأنه فى ظل الجمهورية الجديدة لابد من دراسة العقبات والفجوات التى تُعطل دور المجتمع المدنى بمصر وأدائه، وصولًا لتحقيق دور رئيسى له بالمستقبل، مشيرًا إلى أن مكتبة الإسكندرية خلال تنظيمها للمؤتمر كانت على وعى بأهمية تذليل العقبات أمام مؤسسات المجتمع المدني.
وعلى صعيد موازٍ، تطرق الدكتور سعيد المصرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إلى الجمعيات «الثقافية» مؤكدًا أن هناك جمعيات ثقافية هشة قديمة أنشئت بمبادرات فردية وجماعية من بعض المثقفين على غرار أتيليه القاهرة وأتيليه الإسكندرية، موضحًا أنه على الرغم من أن البدايات كانت قوية فإنه وبمرور الزمن تدهورت وأصبحت أغلب هذه الجمعيات محصورة فى دوائر أشخاص بعينهم وغير منفتحة على المجتمع الثقافي.
وقال «سعيد» إن تلك الجمعيات تعانى من نقص الموارد لممارسة أنشطتها وتستهدف دائمًا الدعم الحكومى غير المستقر، مؤكدًا أن موارد تلك الجمعيات ناضبة وتواجه شبح الإغلاق بموجب عدم استمرار الدعم الحكومى وفقد مقراتها، على غرار ما حدث بأتيليه الإسكندرية.
وكشف «سعيد» عن عدم وجود جمعيات ثقافية -بحسب البيانات الرسمية- فى محافظتى مطروح وأسوان، وذلك على رغم ما تحظى به أسوان من مكانة ثقافية فى آثارها وفنونها وفعالياتها وكونها عاصمة ثقافية للفنون الشعبية والثقافة الإفريقية.
وقال «سعيد» إن أغلب الجمعيات الثقافية تتركز بالمحافظات الحضرية خاصة القاهرة والإسكندرية بإجمالى 107 جمعيات بنسبة %43 ويُقدر عدد جمعيات الوجه القبلى 69 جمعية بنسبة %28 رغم تركز الفقراء فى محافظات الوجه القبلي، بينما تتركز الجمعيات الثقافية فى أسيوط وسوهاج بنحو 14 جمعية لكل منهما بما يفوق حجم الجمعيات فى الإسكندرية.
ووفقًا لـ«سعيد» يبلغ عدد جمعيات الوجه البحرى 55 جمعية بنسبة %22 تتركز فى كفر الشيخ 12 جمعية، الدقهلية 9 جمعيات، المنوفية 9 جمعيات، أما فى المحافظات الحدودية يوجد 19 جمعية بنسبة %8 وتشمل الوادى الجديد 10 جمعيات، البحر الأحمر 7 جمعيات، و 2 جمعية فى شمال سيناء.
وفى هذا الصدد أشار «سعيد» إلى أن المؤسسات الثقافية الجديدة، أنشئت بمبادرات من بعض المثقفين والفنانين وأصحاب الأعمال على غرار مؤسسات دوم، المورد، الألفي، ساقية الصاوي، وساويرس، مؤكدًا أن أغلب تلك المؤسسات قائمة على دعم غير مستقر من تبرعات شركات وبنوك ومنح مؤسسات ثقافية أجنبية.
وأشار «سعيد» إلى أن بعض من تلك المؤسسات تعانى من نقص الموارد المادية لممارسة أنشطتها وعدم الاستقرار المؤسسي، وهناك تحول فى إطار الجمعية القائمة على العمل التطوعى إلى إطار الشركة الرابحة للتغلب على قيود التمويل.
كما تطرق «سعيد» إلى أبرز مشكلات الجمعيات الثقافية والذى يتمثل فى نقص مقومات الاستدامة المالية بسبب ضعف الموارد المالية وعدم استقرارها، نقص مقومات الاستدامة الإدارية بفعل الانغلاق والشللية، وعدم وجود كفاءات تنفيذية فى العمل، بالإضافة إلى صعوبة العمل المشترك بين الجمعيات والمؤسسات الثقافية الحكومية بموجب الاستبعاد وحواجز عدم الثقة، وانخفاض قيمة العمل التطوعى باعتباره وصمة اجتماعية.
وعلى صعيد ذات صلة أكد الدكتور أيمن عبدالموجود، مساعد وزير التضامن الاجتماعى لشئون مؤسسات المجتمع المدني، أن وزارة التضامن الاجتماعى اعتمدت -لأول مرة- صندوق دعم المشروعات الخاص بالجمعيات، كأحد الموارد اللازمة لتمويل مشروعات الجمعيات، ولتمكين تنمية مواردها من خلال مشروعات تحقق جانب إيجابي، بالتزامن مع الموافقات التى تمت من جانب الوزارة بشأن التمويل المحلى لصالح المجتمع الأهلي.
وأضاف «عبدالموجود» أن المجتمع المدنى شهد أيضًا «طفرة» بالتمويل الأجنبى فى مصر بلغ نحو 890 مليون جنيه خلال عام 2019، وعقب تطبيق القانون اقترب حجم التمويل الأجنبى لـ 2 مليار جنيه، والذى تم الموافقة عليه لمؤسسات المجتمع الأهلي، يتخطى الـ 2 مليار و150 مليون فى عام 2021، أما فى خلال العام الجارى 2022 والذى لم ينته بعد وصل التمويل لمليار و300 مليون جنيه.
وأشار «عبدالموجود» إلى أن التمويل الأجنبى استهدف مشروعات هامة تتعلق بالتعليم، والصحة، والوعي، وتوصيل شبكات المياه، والبنية الأساسية لعدد من القرى الفقيرة كأحد البنود الهامة بمبادرة حياة كريمة، والتى تتم بالشراكة مع وزارة التضامن الاجتماعى.
كما أكد مساعد وزير التضامن الاجتماعى أنه خلال الفترة المُقبلة سيُعد المجتمع المدنى شريك أساسى مع وزارة التضامن الاجتماعى للمشاركة فى قمة المناخ، حيث تم تحديد يوم كامل على الأجندة الرئيسية للمؤتمر، والذى يتم من خلاله طرح المشروعات التى تقوم بها المؤسسات الأهلية فيما يخص التغيرات المناخية.
وتطرق «عبدالموجود» للمبادرات التى أطلقتها الوزارة بالتعاون مع الجمعيات الأهلية مثل مبادرة «وعى» والتى تستهدف بشكل أساسى خلق وعى لدى بعض الفئات ضمن مبادرة حياة كريمة، مشيرًا إلى أن الوزارة تستعد لإطلاق المنظومة الإلكترونية، والتى ستقدم 36 خدمة إلكترونية، من بينها إبراز دور المجتمع المدنى فى المشروعات التى تقيمها مع الوزارة.
وعلى صعيد ذات صلة أكد الدكتور طارق توفيق، نائب وزير الصحة والسكان، فيما يخص السكان وتغيير القيم الإنجابية، أن المنظومة كانت تواجه أزمة فى كيفية تغيير الاتجاهات السكانية بشأن الحمل والزيادة السكانية، وتغيير القيم الإنجابية، مؤكدًا أن الشريك الأنجح فى الوصول والتغيير تمثل فى مؤسسات المجتمع المدني.
وقال نائب وزير الصحة، إنه يجرى حاليًّا عمل قاعدة بيانات لكافة الجمعيات الموجودة بالجمهورية، مُستهدفًا بذلك تحقيق شراكة المجتمع المدنى مع مركز الأمومة والطفولة بوزارة الصحة والسكان فى مجالات الحماية والجهود التوعوية.
كما أشار لأهمية عمل خارطة طريق لدور المجتمع المدنى لعشر سنوات مُقبلة، توضح العلاقة بين المجتمع الأهلى والحكومة، وذلك فى حين أن المجتمع المدنى لديه دور كبير فى التنمية، خاصة استطاعته الوصول إلى قطاعات وفئات ومناطق لا يستطيع القطاع الحكومى الوصول إليها.
وقال نائب وزير الصحة، إن المجتمع المدنى لديه دور هام فيما يخص الحماية الاجتماعية، إذ تأتى أغلب الشكاوى الخاصة بالحماية الاجتماعية من جمعيات أهلية.
ومن جانبها طالبت النائبة سها سعيد، وكيل لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشيوخ، بضرورة تحقيق الشراكة فى مجالات المجتمع المدنى مع مجالات البحث العلمي، خاصة فى مجال التوعية، مؤكدة أن هناك أبحاثًا علمية حال أُضيفت على أجندة الدولة لحل المشكلات ستخلق بدورها فروقاً كبيرة، مؤكدة أنها مسؤولية المجتمع المدنى بجانب دور الدولة، عبر مصطلح «التشبيك».
وتطرقت «سعيد» إلى أهمية «التشبيك» بين جهود منظمات المجتمع المدني، مشيرة إلى أن السنوات الماضية كانت الجهود مشتتة إلى أن جاءت مبادرة حياة كريمة، وجرى التشبيك بشكل جيد بين المؤسسات، موضحة أن الشركات أيضًا لديهم شق يتعلق بخدمة المجتمع، وهو ما يتطلب التشبيك بينهم حتى يتم توجيه هذه الخدمات للمستحقين.