مثلت عمليات الإغلاق فى الصين بسبب فيروس كورونا والركود الاقتصادى الذى أعقب ذلك، شريان حياة لأوروبا التى تبعد عن البلد الآسيوى آلاف الأميال، وفقا لما ذكرته مجلة «فورتشن» الأمريكية.
فمنذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل ثمانية أشهر، تكافح أوروبا لاستبدال واردات الطاقة الروسية فى ظل معاناتها من ارتفاع أسعار الطاقة، وقد خففت أزمات الصين بعض الضغط، إذ أن إغلاق المصانع والاقتصاد المتدهور يعنى أن الصين لا تحتاج إلى قدر كبير من الغاز الطبيعى كما كانت من قبل، وبالتالى يقلل هذا من الطلب على الغاز الذى تحتاجه القارة العجوز، بل ودفع الصين نفسها إلى إعادة بيع أجزاء من الغاز الذى تعاقدت على شرائه.
وقال سيمون تاجليابيترا، المتخصص فى الطاقة وسياسة المناخ بمركز الأبحاث «Bruegel»: «ربما كانت سياسة الصين للقضاء على كورونا نهائيا واحدة من أفضل حلفاء أوروبا فى أزمة الطاقة الحالية، لأن الأوروبيين اضطروا إلى الإسراع فى الحصول على الغاز الطبيعى المسال ليحل محل الكميات الروسية».
ولكن مع احتمال استمرار أزمة الطاقة فى أوروبا لفترة أطول بدأت أوروبا فى القلق بشأن ما ستفعله الصين بعد ذلك، وقد يتسبب الشتاء القاسى فى الصين أو تحسن الاقتصاد العام المقبل فى ارتفاع الطلب على الطاقة مرة أخرى، ترك أوروبا تعانى من شدة البرد.
وحسب التقرير، فإن المخاطر كبيرة بالنسبة لأوروبا، التى أصبح اقتصادها ومواطنوها يئنون بسبب نقص الطاقة وأى تغيير طفيف فى إمدادات الطاقة يمكن أن يكون له تأثير كبير على الأسعار، والسياسات المحلية المتصدعة بشكل متزايد للدول، وعلى مستقبل القارة ككل.
ومن المتوقع بالفعل أن يزيد استهلاك الصين من الغاز الطبيعى بنسبة %5 فى العام 2023، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، وبينما يعتمد الكثير من ذلك على اتجاه الاقتصاد الصينى وسياسات عدم انتشار فيروس كورونا المستجد، بدأت أوروبا فى التخطيط للمستقبل.
وفى هذا الصدد، قال تاجليابيترا :«خلال الأسابيع القليلة الماضية، كان هناك إدراك بأن الشتاء الحالى قد يكون على ما يرام بالنسبة لأوروبا»، مستشهدا بانخفاض الطلب على الطاقة فى القارة بسبب ارتفاع الأسعار والشتاء المتوقع أن يكون أكثر دفئا من المعتاد.
لكن العام المقبل قد يكون قصة مختلفة بالنسبة لأوروبا إذا أعيد تشغيل المصانع الصينية، وأشار تاجليابيترا إلى أن التداعيات ستكون «كبيرة للغاية».
وتابع: «سيناريو العام المقبل لأوروبا سيكون بالتأكيد أكثر تعقيدا إذا تحسن الوضع فى الصين».
وفى العام 2021، تفوقت الصين على اليابان لتصبح أكبر مستورد للغاز الطبيعى المسال فى العالم، حيث جلبت 79.5 مليون طن منه خلال العام، وفقًا لما ذكرته ريحانة رسيدى، محللة الغاز الطبيعى فى شركة تحليلات السلع «Kpler».
لكن هذا العام، تباطأت واردات الصين من الغاز الطبيعى المسال بشكل كبير، وخلال الصيف، تراجعت واردات الغاز تلك بنسبة %14 بسبب عمليات الإغلاق ذات الصلة بالوباء وتباطؤ النشاط الاقتصادى، وهو أكبر انخفاض منذ أن بدأت بكين فى استيراد الغاز الطبيعى المسال فى العام 2006، وفقًا لشركة استشارات الطاقة «Wood Mackenzie».
وقالت رسيدى إنه من المتوقع أن تنخفض واردات الصين من الغاز الطبيعى المسال إلى 65.6 مليون طن بنهاية العام 2022.
وفتح انخفاض الطلب فى الصين الباب أمام الدول الأوروبية للانقضاض على بقايا الغاز الطبيعى المسال العالمى، وقد وقعت الدول الأوروبية صفقات كبيرة هذا العام مع موردين بما فى ذلك الولايات المتحدة وقطر.
كما تمكنت أوروبا أيضًا من الاستفادة من الصين للحصول على بعض فائض الغاز الطبيعى المسال المستورد، وبالنظر إلى ارتفاع أسعار السوق الفورية للغاز الطبيعى هذا العام، تمكنت شركات الطاقة الصينية فى كثير من الأحيان من إعادة بيع إمداداتها بأرباح ضخمة.
وبين يناير وأغسطس من العام 2022، عرضت شركات الطاقة الصينية حوالى %30 من الغاز الطبيعى المسال لإعادة بيعه فى السوق العالمية مما اشترته خلال نفس الفترة، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
لكن وفى معرض توقع النمو الاقتصادى والاستعداد لموسم التدفئة الشتوى، ورد أن الحكومة الصينية طلبت من شركات الطاقة التوقف عن إعادة بيع الغاز الطبيعى المسال فى الخارج والاحتفاظ به للاستخدام المحلى، حسبما ذكرت «بلومبرج» الإخبارية الأمريكية.