قال خبراء ومصرفيون إن أى مبادرات سيتبناها البنك المركزى المصرى لدعم وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر يمكن أن تستند على مجموعة من العوامل، تشمل الخدمات المميزة، والتيسيرات التى يحصل عليها المستثمر من البنوك.
وأضافوا فى تصريحات لـ«المال» أن التعامل بشكل رقمى، وتقليل تداول الكاش أصبح أمرًا حتميًّا بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وذلك لتيسير عملية دخول وخروج الأموال، وتسهيل الخدمات المقدمة لهم من قبل القطاع المصرفى.
وأشاروا إلى ضرورة وجود سعر صرف موحد؛ مؤكدين أنه بمجرد انتهاء الحكومة من تنفيذ شروط قرض صندوق النقد الدولى، سيتحسن الوضع الخاص بتوافر العملة الأجنبية، ومن ثم الاستثمار.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد اجتمع بالدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، وحسن عبدالله محافظ البنك المركزى فى يوم الثانى من أكتوبر الجارى، لبحث العمل على مبادرات جديدة لتحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر خلال الفترة القادمة، مع الاستمرار فى خطط وجهود البنك المركزى والمنظومة المصرفية لتوفير المستلزمات ذات الأولوية للإنتاج والصناعة، وكذلك استمرار المتابعة الدقيقة لمنظومة الاستيراد.
أنيس: التحول الكامل للبنوك الرقمية من عوامل الجذب
قال محمد أنيس، المحلل الاقتصادى، إن القطاع المصرفى المصرى يتمتع بصلابة مالية قوية، وهذه الصلابة كانت حائط صد أمام الثلاث أزمات الاقتصادية المتتالية التى واجهتها البلاد، كأزمة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم العالمى.
وأضاف أنيس، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أن هذا لا يمنع أن القطاع المصرفى المصرى يحتاج إلى الالتصاق أكثر باتفاقية «بازل 3»، وكذلك تطبيق معيار التحول الكامل إلى البنوك الرقمية «Digital Banking»، بحيث أن يتم التعامل بسلاسة وبشكل رقمى بدون كاش، على أن يكون البنك المركزى هو المسؤول عن هذه العملية، فيقوم بالتنسيق مع بنوك رقمية فى الدول المتقدمة لعقد شراكات مع البنوك المحلية، ومن ثم يتم تطبيق هذا المعيار على كافة البنوك الوطنية، لتيسير دخول وخروج الأموال، وتسهيل الخدمات المقدمة من القطاع المصرفى للمصريين والأجانب، وكذلك المزيد من الحرية فى تحركات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة والخارجة.
وذكر أن الحكومة ورجال الأعمال هم شركاء البنك المركزى والقطاع المصرفى فى عملية جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فرجال الأعمال فى القطاعات التى من خلالها تستهدف الدولة تحقيق معدلات نمو مرتفعة، كقطاع الصناعات التحويلية، الطاقة المتجددة، البتروكيماويات، وقطاع السيارات، يعملون على المشاركة فى الترويج لجذب المستثمرين الأجانب للاستثمار بمصر، على أن يكون هناك ضمانات وتسهيلات تمنحها الحكومة والمركزى للمستثمر الأجنبى، بالإضافة إلى عمل الدولة على اجتذاب استثمارات إضافية مباشرة من دول الخليج وغيرها، حتى نستطيع تغطية الفجوة التمويلية الموجودة.
متولى: العمل على مشكلة نقص موارد الدولة من النقد الأجنبى
قال طارق متولى، الخبير المصرفى، إن البنك المركزى هو عصب الدولة من حيث توفير الأموال، لكن العمل على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر هى مهمة الحكومة بشكل أساسى، فهناك تيسيرات لا بد من تواجدها لكسب ثقة المستثمر الأجنبى، كالعمل على خفض البيروقراطية، وتواجد فرص استثمارية جاهزة، وتحسين مناخ الاستثمار، وتوفير الحوافز الضريبية.
وأكد متولى، فى تصريحات خاصة لـ«المال»، أن مصر مهيأة لأن تكون دولة ذات شأن من حيث الاستثمارات المباشرة، لكن المشكلة الملحة – التى لابد من الإسراع لحلها- تكمن فى نقص العملة الأجنبية، مع ضرورة وجود سعر صرف موحد أنه بمجرد انتهاء الحكومة من تنفيذ شروط قرض صندوق النقد الدولى، سيتحسن الوضع الخاص بتوافر العملة الأجنبية، ومن ثم الاستثمار».
وأضاف الخبير المصرفى أن المستثمر الأجنبى عندما يقوم بالاستثمار فى أى مكان فى العالم، يريد أن يتأكد من عدم وجود عوائق للخروج من الاقتصاد إذا أراد ذلك، مضيفًا أن تواجد العجز فى الميزان التجارى وزيادة الاستيراد عن التصدير، يسبب ضغطًا كبيرًا على العملة الأجنبية، وبالتالى فالخطوة التالية لابد وأن تكمن فى زيادة الإنتاج المحلى والتصدير، أو على الأقل خفض الاستيراد عن طريق تواجد منتج محلى بديل.
وأشاد متولى بتوافر العناصر المشجعة على الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر، من بنية تحتية أساسية، وتطوير فى قطاع الطاقة والكهرباء، واستصلاح أراضٍ.
وأكمل أنه لابد من العمل على وضع خطة على المدى القصير، تكمن فى قرض صندوق النقد، وحل أزمة الدولار، والعمل على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، أما على المدى الطويل فيجب أن ينصب اهتمام الدولة على الإنتاج والتصدير، والعمل على خفض الاستيراد، مع ضرورة وضع جدول زمنى صارم للتطبيق.
وأعلن البنك المركزى المصرى -فى أحدث بيانات له على موقعه الإلكتروني- عن ارتفاع صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر بمعدل %71.4 فى الفترة من يناير إلى يونيو 2022 ليسجل نحو 8.9 مليار دولار، كما شهد صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاعات غير البترولية ارتفاعًا بنحو 5.2 مليار دولار ليسجل صافى تدفق للداخل بلغ نحو 11.6 مليار دولار (منها 7.2 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2022).
قال هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفى، إن المستثمر الأجنبى من المفترض أن يضخ أموالًا فى المشروع الذى يساهم فيه، فهو يأتى بالأموال وغالبًا لن يتجه إلى البنوك للحصول على أى تمويلات، بل يعتمد على التدفقات التى تأتى من الشركة الأم فى الخارج، مشيرًا إلى أن كل ما يبحث عنه المستثمر هو جهاز مصرفى متطور خالٍ من التعقيدات فى إنجاز المعاملات والخدمات المصرفية.
وأضاف أبو الفتوح، فى تصريح خاص لـ«المال»، أن المستثمر يحتاج إلى بيئة عمل مصرفى تتميز بمرونة اللوائح، بالإضافة إلى بنك مركزى قوى يشرف على أعمال البنوك، ويحمى مصالح العملاء، وهو ما يتمتع به الجهاز المصرفى المصرى.
وأوضح أن أى مبادرات من الجهاز المصرفى ستكون فى نطاق الخدمات المميزة والتيسيرات للمستثمر الأجنبى، ولن تكون فى نطاق التمويل.
وأشار الخبير المصرفى إلى أن المستثمر الأجنبى يتمتع بعدم وجود عوائق فى دخول وخروج الأموال، فهى تخضع إلى نفس القواعد المعمول بها فى باقى الأسواق التى تستقبل الاستثمار الأجنبى المباشر.
أما بشأن الضمانات لحماية الاستثمارات الأجنبية من التقلبات فى العملة المحلية، أوضح أبو الفتوح أنه عبء يقع على المستثمر، فيجب عليه اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة للتحوط، وذلك للحدِّ من آثار تقلبات العملة على الاستثمار.
وتُحدد وظيفة ومهام البنك المركزى وأعمال البنوك فى قانون رقم 194 لسنة 2020، وذلك بإصدار قانون البنك المركزى والجهاز المصرفى، إذ إن أنشطة البنوك عبارة عن قبول الودائع والحصول على التمويل، واستثمار هذه الأموال فى تقديم التسهيلات الائتمانية أو المساهمة فى رءوس أموال الشركات، وكل ما يجرى العرف المصرفى على اعتباره من أعمال البنوك.
أما الاستثمار الأجنبى المباشر فهو الاستثمار الخارجى فى اقتصاد معين بهدف الحصول على فائدة مستدامة عن طريق شراء حصة فى شركة أو إنشاء مشروع، ولا يتضمن الاستثمار فى محافظ الأوراق المالية فى البورصة.
فهمى: شراكة البنوك المحلية للمستثمر الأجنبى المباشر تعتبر خطوة جيدة لتشجيعه على الاستثمار
قال ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، إن البنوك يمكن أن تلعب العديد من الأدوار فى تحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر خلال الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن دورها الأساسى هو التمويل اللازم، وتسهيل إنشاء المشروع الخاص به.
وأضاف فهمى، فى تصريح لـ«المال»، أن المستثمر عندما يأتى إلى مصر لعمل مشروع عادة لا يستطيع تغطية التكلفة الاستثمارية كاملة من خلال رأس المال، لذا يكون على البنوك دور تمويلى، وبعد اكتمال المشروع يتم تمويل رأس المال العامل، أو فتح اعتمادات أو خلافه.
وتابع رئيس بنك التنمية الصناعية سابقًا، أن الدور الثانى هو أن تقوم البنوك من خلال نشاطها الاستثمارى بشراكة مع المستثمر، من خلال الاعتماد الخاص بها أو المحفظة الاستثمارية، بالإضافة إلى أن تقدم له دور الناصح والمستشار لإرشاده لأفضل أوجه الاستثمار.
وأكد أن البنوك ليس عليها الدور الأكبر فى تشجيع الاستثمار، مشيرًا إلى أنه يجب إزالة المعوقات البيروقراطية فى عملية الترويج لجذب المستثمرين الأجانب.
وأشاد فهمى بوثيقة سياسة ملكية الدولة التى تساهم بدور كبير فى تشجيع المستثمر الأجنبى، من خلال شعوره بأن الدولة لم تعد منافسًا له، مشيرًا إلى ضرورة وضع خريطة استثمارية توضح المجالات التى يستطيع المستثمر الاستثمار فيها.