طالب العاملون فى قطاع التأمين بتأسيس مجمعة تأمينية مستقلة لتغطية الكوارث الطبيعية مع فرضها إلزاميا بعد أن أصبحت ظاهرة التغير المناخى مصدر قلق كبير لكثير من الناس فى العالم، لا سيما بعد الكوارث الطبيعية المدمرة التى ضربت العديد من البلدان خلال السنوات الماضية مثل الزلازل والأعاصير والعواصف والفيضانات والسيول والبراكين.
وقد وفّرت شركات التأمين المصرية وثائقًا تغطى ملاحقها الإضافية، مخاطر الكوارث الطبيعية، والتى تؤدى إلى خسائر كبيرة فى الممتلكات والأرواح.
وعى الناس اليوم أفضل من الماضي
وقال وليد سيد مصطفى؛ خبير التأمين الاستشارى، إن التغطية التأمينية للأخطار الطبيعية لا تتم بشكل منفصل ، وإنما هو ملحق مضاف لوثائق الحريق ، ويغطى مخاطر الزلازل والسيول والعواصف والفيضانات والبراكين.
ونصح الكيانات والأفراد بالتأمين ضد الأخطار الطبيعية، لما له -وفقًا للتغيرات المناخية العالمية- من ضرورة ملحّة للحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة وضمان رءوس الأموال، والاستثمارات، إذ ظهر الاحتياج له جليًا بسبب خسائر العواصف والسيول التى ضربت البلاد مؤخرًا ببعض المناطق، مثل طابا بسيناء والجونة بالبحر الأحمر.
وأشار إلى أن التأمين ضد الأخطار الطبيعية أصبح مما تفرضه الحاجة والواقع؛ فلم يتوقع الناس قديمًا لحظة أن يصيب مصر زلزال ترك إثره خسائر ربما نسدد ضريبتها إلى اليوم، والآن، علينا ألا نركن إلى بُعد البلاد جغرافيًا عن مصادر الخطر؛ إذ إن تغيرات المناخ لم تدع تنبؤًا يمكن أن يحدث إلا وأصبحت صحته أقرب إلينا من حبل الوريد.
وأكد أن إدراك العملاء أهمية تأمين المخاطر الطبيعية اليوم أفضل من السابق؛ فقد بات الإقبال عليه كبيرًا من المؤسسات والأفراد، وذلك لم يأتِ من فراغ، فقد صار المؤمن عليهم على درجة أفضل من الوعى بضرورته.
طفرة بالسوق التأمينية حديثًا
وعزا ذلك الوعى إلى الضرورة التى فرضت نفسها على ما أسماه بـ«المؤسسات» وليس «الأفراد»، فما زالت أهمية التأمين غائبة عن أذهان جزء كبير من المواطنين، وكشف أن غالبية العملاء المؤمّنين ضد المخاطر الطبيعية هم الفنادق والقرى السياحية والمصانع والمبانى الإدارية، ولكن قلّما يطلبها الأشخاص الطبيعيون، وإن حدث فبأعداد منخفضة وبمناطق معينة هى عُرضة للكوارث -عمليًا- أكثر من غيرها.
سيد: ارتفاع الطلب بعد وقوع بعض الحوادث فى طابا والجونة
ولذلك – حسب «سيد»- فإن معظم الأفراد الذين يطلبون إضافة تغطية المخاطر الإضافية إلى وثائق التأمين ضد الحريق قد تعرضوا -بشكل أو بآخر- إلى خسائر سببها خطر طبيعى ما، أدى بهم إلى اللجوء لتلك الوثائق، وليس الأمر نابعا من إدراكهم أهميته.
وكشف أن طفرة غير عادية أصابت السوق التأمينية بسبب إقبال العملاء على شركاته، لا سيما بعد إدراكهم أهمية النشاط بعد أعمال الشغب والاضطرابات التى وقعت فى الفترة من 2011 إلى 2013؛ الأمر الذى حدا بشركات القطاع إلى تصميم منتجات جديدة تناسب الوقت والمكان والواقع، وذلك ما عدّه «وليد» من الابتكارات المفروضة.
ولذا، فإنه يرى تحسّنًا فى الوعى وإدراكًا أكثر شمولية، إلا أن الحوادث التى تعرضت لها الكيانات والأفراد هى ما ولدّته وليس الإيمان بضرورة التأمين، ولكن مواكبة الأحداث تلك قد تروّج لابتكارات أخرى، ومن ثَم، فقد نجد – حسب قوله- وثائقًا خاصة بالمخاطر الطبيعية على حدة، تشمل كل ما يُتصوّر أن يكون.
الاتحاد المصرى للتأمين.. سعى مشكور
وأشاد «وليد» بجهد الاتحاد المصرى للتأمين والهيئة العامة للرقابة المالية فى زيادة الوعى التأمينى لدى المواطنين، فضلًا على أن ما تبذله شركات القطاع فى هذا الملف والذى قد ظهر جليًا من خلال خطوات إعادة تقييم الممتلكات، بعد تحرير سعر الصرف.
الدول النامية الأكثر تضررًا من الأخطار الطبيعية
من جهته، أكد إيهاب خضر؛ وسيط تأمين، أن الكارثة الطبيعية، حسب منظمة الأمم المتحدة، هى الحالة المفجعة التى يتأثر بها نمط الحياة اليومية بشكل مفاجئ، ويصبح الناس نتيجتها فى حاجة إلى حماية وملجأ وعناية طبية واجتماعية، واحتياجات الحياة الضرورية الأخرى، وتتنوع تلك الأخطار ؛ إذ يوجد منها العواصف والفيضانات والهزات الأرضية والانفجارات البركانية.
خضر: دول العالم الثالث الأكثر تضررا من هذه الأخطار
وأضاف إلى قائمة الأخطار الطبيعية التى تتعرض لها مصر؛ الأمطار الغزيرة والعواصف الشديدة وموجات الصقيع وارتفاع درجات الحرارة ، إذ أن كل تلك الظواهر وأكثر لها تأثيرات قوية على الأفراد والشركات، سواء بسواء، وأكد على أن التغيّرات المناخية لم تدع مجالًا للشك فى إمكانية حدوث أى كارثة مهما كانت غير واردة.
ويتابع مفسرًا الخطر الذى يغطيه التأمين، حيث إنه حادث احتمالى مستقبلى، بمعنى أنه قد يقع أو لا، دون أن يتوقف وقوعه أو عدمه على إرادة أحد، بل إن ذلك موكول إلى القدر وحده والظروف، وذلك كموت العميل أو بقائه حيًا إلى وقت معين، أو غرق البضاعة، أو حريق المنزل المؤمّن عليه، فتلك كلها أمور محتملة، فالإشارة الضمنية لوجود درجات مختلفة للضرر، توحى جميعها بتباين تأثير هذا الشك، وقد تكون أسبابه جراء سبب واحد أو عدة أسباب.
وأكد أن البلاد الأكثر تضررًا من أخطار الكوارث الطبيعية هى دول العالم الثالث والأقطار الصاعدة فى الاستثمارات، إذ تضررت بشدة، بينما لا يغطى التأمين سوى %3 من الخسائر المحتملة فى الأسواق الناشئة، مقاربل %45 فى البلدان المتقدمة.
وأرجع أسباب ضعف انتشار هذا النوع من التأمين إلى انخفاض التوعية المطلوبة بأهميته ، فضلًا عن ارتفاع أسعار تلك التغطيات باتفاقيات الإعادة العالمية.
وأوضح «خضر» أن بعض الأخطار الطبيعية قد تُلحق خسائر فادحة بالمالية العامة؛ إذ يتعين على الحكومات تغطية تكاليف جهود الطوارئ والإغاثة، وكذلك عمليات إعادة الإعمار، ومع ذلك، فإن معظم هذه البلدان غير قادرة على الوصول إلى أسواق التأمين الدولية، لتغطية نفسها ضد تلك الالتزامات الطارئة.
وشدد على أهمية تأسيس مجمعة لتأمين الأخطار الطبيعية، بالتنسيق مع الاتحاد المصرى للتأمين، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد غدا ضروريًا جدًا بعد التغيرات المناخية العنيفة وغير المتوقعة، فقد باتت مصر تجتاحها أمطار غزيرة وارتفاع فى درجات الحرارة والبرودة؛ الأمر الذى يؤدى إلى عديد من الخسائر، سواء بالممتلكات أو على حياة الإنسان.
وطالب بفرض التأمين على الكوارث الطبيعية؛ إلزاميًا فى بعض أنواعه، مما سيسهم فى رفع عبء التعويضات عن الخزانه العامة للدولة.
جودة: مطلوب دراسة التنبؤ بالمخاطر وحساب معدل الخسائر
من جانبه، أوضح الدكتور محمد جودة؛ رئيس قسم التأمين بكلية التجارة بجامعة القاهرة، أن سبب عزوف شركات التأمين عن توفير وثيقة مستقلة للمخاطر الطبيعية ، هو عدم إمكانية التنبؤ باحتمالات الخسارة التى يمكن أن تنجم عن تلك الكوارث؛ إذ هى تنتج عن الطبيعة دون دخل للإنسان فيها، مثل الزلازل والبراكين وحرائق الغابات، ومن ثَم فإن ذلك يرتب صعوبة تحديد قسط التأمين على العملاء، فى ضوء حجم الأضرار المتوقعة.
ولكن «جودة» قد عزا وجود ذلك النوع من التأمين فى كثير من الدول إلى براعة الشركات العاملة بالقطاع بها فى التنبؤ بما أطلق عليه «معدل الخسارة» أو حجمها، من خلال الدراسات المناخية ونشرات مراكز الأرصاد، فضلًا عن استخدام التكنولوجيا والوسائل الحديثة فى تحديد قوة ووقت الكارثة، وهذا ما جعل تلك المؤسسات تتفوق فى الاستعداد لتلك الأحداث ، بينما لم نصل إلى تلك الدرجة من «الدراسات الإكتوارية الطبيعية»، رغم تناثر عديد من تلك المخاطر ببلادنا واحتياجنا لها.
وأكد أهمية تصميم منتجات تأمين مستقلة لتغطية المخاطر الطبيعية، لاندراجه تحت تأثر المناخ بالتغييرات التى تواجهه، مما سيضر بدوره نشاط الزراعة والإنتاج الحيوانى، ومن ثَم، فإن تلك الكوارث تتبلور فى نطاق واحد يجمعها المخاطر الطبيعية.
ومن هنا، يقترح جودة تماشيًا مع واقع شركات القطاع العازفة عن ذلك النوع بشكل مستقل؛ أن تُنشأ مجمّعات تأمينية لذلك الخطر الذى تتعدى خسائره إمكانية مؤسسة فى المجال بعينها، مما يدفع بها إثر ذلك للإفلاس.
وأشاد بنجاح فكرة المجمّعات التأمينية عمليًا، فيما لاحظه بعين أكاديمية؛ إذ هى تخفف عبء وقع الخسارة على الشركة الواحدة من كيانات المجال، بما تعمل به من إستراتيجية توزيع الضرر على العديد من مؤسسات القطاع.
وطالب بأن تُنشأ مجمعات تأمينية بكل منطقة جغرافية تكون عُرضة للضرر، حتى تجمع أكبر عدد من العملاء الراغبين فى الحصول على تغطية الخسائر الناجمة عما لا تحمد عقباه مما أطلق عليه «فجائية الكارثة».
وأكد ضرورة نشر الوعى لدى قطاعات كبيرة من الناس، مع زرع ثقافة «ثمن الحماية» فى نفوسهم، إذ ليس من الضرورى الحصول على استفادة مادية جراء التأمين بشتى أنواعه، وإنما الوصول إلى الطمأنينة على الأموال والممتلكات والنفس، له ثمن ربما فاق مجرد أقساط لشركة من مؤسسات القطاع.