قال خبراء مصرفيون إن قرارات السياسة النقدية فى البنك المركزي، خاصة فيما يتعلق بأسعار الفائدة، عادة ما يظهر صداها على الأسواق خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر إلى عامين بحسب كل دولة.
وأضافوا، فى تصريحات لـ«المال»، أن البنك المركزى يسعى إلى تحقيق استقرار عام فى مستوى الأسعار من خلال استخدام آلياته وأدواته التى تستهدف باستمرار معدلات التضخم للوصول بها إلى رقم أحادي.
وكان مسؤول بالبنك المركزي، قال فى تصريحات صحفية، إن رفع سعر الفائدة الذى تم خلال شهرى مارس ومايو 2022، ستبدأ آثاره فى الظهور والتأثير على الاقتصاد الوطنى بعد ستة أشهر، موضحا أن البنك المركزى يستهدف خفض معدلات التضخم ليصل إلى رقم أحادى على المدى المتوسط، بعدما كان المعدل المستهدف تحقيقه فى الربع الأخير من العام الجارى حوالى %7 بمدى تحرك %2 ارتفاعا أو انخفاضا.
وكان البنك المركزى قد قرر، فى اجتماع استثنائى انعقد فى 21 مارس 2022، رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 100 نقطة أساس، أى %1 ليصل الى %9.25 و%10.25 و%9.75 على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع %1 ليصل الى %9.75 وذلك مقارنة بمعدلات %8.25 و%9.25 و%8.75 على الترتيب، وسعر ائتمان وخصم مثبت عند مستوى %8.75 فى شهر فبراير 2022.
وفى 19 مايو 2022، رفع البنك المركزى سعر الفائدة للمرة الثانية لنفس العام، لسعر عائد إيداع وإقرض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بنحو 200 نفطة أساس، أى %2 ليصل الى %11.25، %12.25 ، %11.75 على الترتيب، ورفع سعر الائتمان والخصم بواقع %2 ليصل الى %11.75.
قال هانى جنينة، الخبير الاقتصادى والمحاضر بالجامعة الأمريكية، إن السياسة النقدية فى أى دولة تحتاج بعض الوقت حتى تبدأ آثارها فى الظهور والتأثير على الاقتصاد، مؤكداً أن هذه الفجوة الزمنية، بين صدور القرار وظهور التأثير، تتراوح تقريبا من ستة أشهر إلى سنتين، مفسراً ذلك بأنه بعدما تتخذ البنوك المركزية قرارا برفع أو خفض سعر الفائدة، تجتمع لجنة الأصول والخصوم (الالكو)، فى جميع البنوك لتقرر خطة هيكل اسعار الفوائد التى ستتبعها بناء على قرار البنك المركزي، وبعد ذلك يبدأ رجال الأعمال والمستثمرون فى السوق بتغيير خططهم بناء على ما تم إقراره، ليس فقط بناء على أسعار الفائدة الحالية، بل بناء على الخطط المستقبلية للسياسة النقدية التى يعلن عنها البنك المركزي، حيث أن الفائدة الحقيقية يتم احتسابها بطرح معدل التضخم المتوقع من الفائدة الحالية.
وأضاف جنينة، فى تصريحات لـ”المال”، أن الشركات تقوم بعد ذلك بعمل دراسة جدوى لمشروعاتها وخططها، وحساب التدفقات المستقبلية، وذلك بناء على رؤية البنك المركزى لهيكل السياسة النقدية فى الفترة المقبلة، ومن ثم، وبعد الانتهاء من دراسة توقعات العائد المستقبلي، تتخذ قراراً بزيادة أو خفض الاستثمار فى الفترة المقبلة حسب معدلات الفائدة، وبالتالى يبدأ ظهور تأثير السياسة النقدية المتبعة على الاقتصاد.
وأوضح أن الزيادات الاخيرة التى أقرها البنك المركزى على سعر الفائدة خلال اجتماعى مارس ومايو الماضيين، كان قد سبقها تخفيضا خلال عام 2020، أى أن تلك الزيادة الاخيرة عادت لما كانت عليه قبل فترة التوسع فى السياسة النقدية التى اتبعها المركزى العام قبل الماضي، ولكن فى ظل ظروف تضخم أعلى بكثير.
وأشار إلى أن الفائدة فى مصر مازالت منخفضة لردع معدلات التضخم فى ظل هذه الظروف، فمازال هناك العديد من الشركات، سواء المتوسطة أو الصغيرة، المستفيدة من المبادرات، وكذلك الأفراد المستفيدين من القروض الشخصية، أو التمويل العقاري.
وسجلت أرقام التضخم الأساسى للبنك المركزى، الذى يتم إحتسابه باستبعاد مجموعة الخضراوات والفاكهه الطازجة وكذلك السلع والخدمات المحدد اسعارها ادارياً فى الفترة من فبراير إلى أغسطس 2022، %7.2، %10.1، %11.9، %13.3، %14.57، %15.6، %16.65 على الترتيب.
وأكد هانى جنينة أنه إذا تم تطبيق سياسة التشديد النقدى فى الشهور القادمة، فمن المتوقع أن نصل لمعدل تضخم أحادى بحلول منتصف 2023، وبالتالى سينخفض حجم السيولة المحلية، مضيفاً أنه حتى إن دخل العالم فى فترة تباطؤ اقتصادي؛ سيساعد ذلك فى خفض التضخم المحلي.
وأفاد، أنه ليس كما يتصور البعض، أن الأزمة الاقتصادية فى مصر أزمة ركود تضخمى فقط، أو تضخم مستورد فقط، وبناء عليه يرى البعض أن أى رفع فى سعر الفائدة لن يؤتى ثماره من وجهة نظرهم، لكن فى الحقيقة أن الأزمة الفعلية كانت فى البداية صدمة فى جانب العرض الكلى، وذلك على إثر إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن بعد ذلك، ومع استمرار الدولة فى الإنفاق لدعم النمو الإقتصادي، تحولت إلى أزمة فى جانب الطلب، ومن ثم أصبح هناك فائض سيولة لابد من امتصاصه حتى يتم السيطرة على الأزمة، ومن هنا تأتى فّعالية التقييد النقدى للبنك المركزى لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة، ولرفع قيمة العملة المحلية.
أكدت سهر الدماطى، الخبيرة المصرفية على تصريح مسؤول البنك المركزي، مضيفهً أن رفع الفائدة الذى تقرر فى شهرى مارس ومايو الماضى ستظهر نتائجه بحلول آخر هذا العام.
وأشارت الدماطي، فى تصريحات «المال»، أن الهدف الأساسى الذى يتبعه البنك المركزى هو الوصول للاستقرار العام فى الأسعار، بعدما كان المركزى مستهدفاً لمعدل تضخم أحادى بحوالى %7 (±%2)، بحلول الربع الأخير من عام 2022، فإنه مازال يسعى للعودة لمعدل أحادى مرة أخرى، وسيتم ذلك مع ظهور نتائج رفع أسعار الفائدة التى تزيد من التكاليف التمويلية، وبالتالى تقلص من الإقتراض والسيولة؛ وتبعاً لذلك تبدأ معدلات التضخم فى الانخفاض.
وفى حديث عن الأموال الساخنة، أفادت الخبيرة المصرفية أن الفيدرالى الأمريكى استطاع أن يجذب تلك الاموال برفعه لسعر الفائدة فى الولايات المتحدة بنحو %3.25 فى الفترة الأخيرة، وبالتالى هذه الاموال خرجت من الاقتصادات الناشئة، لتذهب لقطاع قوى مثل الولايات المتحدة، مُدللة على ذلك بارتفاع الطلب على الدولار نتيجة زيادة دخول تلك الاموال للاستثمار فى السندات الامريكية، ومن ثم فهى خرجت بالفعل من الاقتصاد المصرى.
أكد محمد البيه، الخبير المصرفى، أن نتائج رفع سعر الفائدة بدأت بالفعل تظهر على الاقتصاد، مشيراً الى أنه إذا نظرنا الى معدلات التضخم فى آخر ستة أشهر، سنجد أنه يرتفع كل شهر ولكن بمعدل اقل، وذلك بخلاف شهر مارس الذى صعد فيه المعدل من %7.2 الى %10.1.
وقال البيه، فى تصريحات لـ«المال»، إن البنك المركزى قام بسحب سيولة كبيرة من السوق فى الفترة الاخيرة من خلال العطاءات الاسبوعية المطروحة، وقد ساهم ذلك فى تهدئة معدلات التضخم الى حد ما.
كما أشار الى أن مناخ الأعمال فى مصر لايزال متأثراً بنقص توافر العملة الأجنبية لسد احتياجاته الاستيرادية، لكن فى الفترة المقبلة مع ظهور تأثير قرار رفع الفائدة الذى تم اتخاذه، سيؤثر ذلك على خفض الاقتراض من وجهه نظر المستثمرين لزيادة التكلفة، ومن ثم سيقلل من المعروض النقدي، ويبدأ التضخم فى الانخفاض.
وأكد أن تحقيق معدل أحادى للتضخم، سيتم على المدى المتوسط، مثلما صرح مسؤول بالبنك المركزي، أى تقريبا بعد عام، وذلك عن طريق إتباع المزيد من التشديد النقدى، مشيراً الى أنه من الممكن زيادة الفائدة على الاوعية الادخارية فى الفترة المقبلة للتشجيع على الاستثمار فى القطاع المصرفى، وسحب سيولة أكبر.
وفى حديثه عن قرار البنك المركزى فى اجتماع لجنة السياسة النقدية الذى عٌقد الخميس الماضى 22 سبتمبر، وتقرر فيه تثبيت سعر الفائدة ورفع نسبة الاحتياطى النقدى للبنوك بنحو%4 من %14 الى %18 أفاد محمد البيه أن البنوك ستمرر تلك التكلفة للعملاء المقترضين، حيث أنه هذه المرة اراد البنك المركزى أن يقوم بالتشديد النقدى دون أن يتحمل تكلفة رفع الفائدة والتى تكلف ميزانية الدولة مبالغ طائلة، وبالتالى ستلجأ بعض البنوك التى ليس لديها وفرة فى السيولة، لرفع تكلفة الإقراض، ومن ثم ستتحقق السياسة النقدية الإنكماشية التى يستهدفها البنك المركزي.
ومن المقرر أن تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى اجتماعها المقبل يوم 3 نوفمبر 2022 لبحث مصير أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض.