أعلنت الحكومة أكثر من مرة أنها تسعى بشكل جاد لتطوير منظومة صناعة النقل ومجالات المرتبطة، سواء من خلال التعاون مع الشركات العالمية، أو الكيانات العربية، لتنطلق مسيرة النهوض بالقطاع فى الفترة المقبلة.
فى نفس الوقت نالت المؤسسات والشركات العربية، لاسيما الخليجية الجزء الأكبر من مشروعات النقل البحرى فى إدارة وتشغيل بعض المحطات الجديدة، لتترجم علاقات التعاون بين مصر وأشقائها على أرض الواقع، مرورًا باستحواذ الصناديق الخليجية على نسب فى شركات مصرية عاملة فى القطاع.
طالب عدد من خبراء النقل، ومسئولين سابق، ضرورة التوسع فى التعاون وعدم اقتصاره على المشاركة فى المشروعات الجديدة فقط، لتمتد إلى الصناعات الفعلية للسفن الساحلية كبداية، خاصة أن العلاقات المصرية والعربية شهدت فى الآونة الأخير تطورًا بشكل كبير.
فى البداية، كشف مصدر مطلع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، عن أن صناعة النقل البحرى ترتبط ببناء الأسطول والخدمات المؤداة بالموانئ، لافتًا إلى أن الخط العربى هو آخر خط ملاحى يحمل الهوية العربية، واستحوذت عليها شركة هاباج لويد الألمانية، فى حين أن الدول العربية بدأت تتجه إلى إنشاء مؤسسات للاستحواذ على تشغيل وإدارة موانئ خارجية.
وتابع: بدأنا تطبيق ذلك الفكر مع إنشاء الشركة المصرية للمحطات متعددة الأغراض بالشراكة مع جهات أجنبية لديها رؤية واستراتيجية حقيقية للتشغيل والإدارة، واستطاعت التعاون مثل شركة موانئ أبوظبى فى منطقة البحر الأحمر، ونفس الأمر مع موانئ دبى.
ولفت إلى أن كيانات الدول العربية العاملة فى مجالات النقل البحرى ترى أن السوق المصرية أفضل الأسواق الناشئة، والدليل على ذلك الاستحواذات التى تمت على شركات مقيدة فى البورصة وعاملة فى التداول، خلال الفترة الماضية.
وتابع: اقتناص تحالف شركتى «روتس كوموديتيز» و«روزا جرينز» عقد التزام إنشاء وإدارة وتشغيل وصيانة وإعادة تسليم محطة الصب الجاف النظيف بميناء شرق بورسعيد، بنظام «B.O.T» لمدة 30 عامًا، أكبر دليل على أن التعاون مع الدول العربية الشقيقة تتضاعف بالتزامن مع خطة الدولة لتطوير قطاع النقل البحرى والمجالات المتصلة به.
وتبلغ مساحة المحطة 267500 متر مربع، ورصيف أطوال تصل إلى 500 متر، وعمق 18.5 متر، ويتولى التحالف وفقًا للتعاقد تنفيذ كل الأصول، والتى تشمل البنية التحتية والفوقية والمرافق، والمنشآت والمبانى والأساسات العميقة، وتحسين التربة.
وتعمل «روتس كوموديتيز» فى تجارة الحبوب والسلع الاستهلاكية بالسوق المحلية، و«روزا» بقطاع تداول الحبوب والبذور الزيتية والسلع المتعددة وتخزينها بدولة الإمارات العربية المتحدة، وسيتم تأسيس شركة منبثقة من التحالف باسم «روتس للاستثمار الصناعى» برأسمال 140 مليون جنيه لإدارة المشروع.
وأشار إلى هناك جهات أخرى عربية، أبدت اهتمامها بالاستثمار فى موانئ السخنة، لاسيما أنها تأكدت بالفعل أن هناك منافسة قوية من الشركات الأجنبية على المحطات الجديدة، إضافة إلى المراكز اللوجستية التى تسعى الهيئة الاقتصادية إقامتها على أراضيها لتخفيف الضغط عن الموانئ.
ووفقًا لبيانات رسمية، ارتفاع قيمة التبادل التجارى بين مصر ودول مجلس التعاون الخليجى لتسجل نحو 16.1 مليار دولار خلال عام 2021 مقابل نحو 13.3 مليار دولار خلال عام 2020، بزيادة بلغت 2.9 مليار دولار، بنسبة ارتفاع تقدر بنحو %21.7.
ووفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر، بلغت قيمة الصادرات المصرية لدول مجلس التعاون الخليجى 4.5 مليار دولار خلال عام 2021، مقابل 5.4 مليار دولار خلال عام 2020، بنسبة انخفاض قدرها %16.8.
وجاءت السعودية على رأس قائمة أعلى دول مجلس التعاون الخليجى استيرادها من مصر خلال عام 2021، إذ بلغت قيمة صادرات مصر لها نحو 2.2 مليار دولار، يليها الإمارات بقيمة 1.3 مليار دولار، ثم البحرين بنحو 450.7 مليون دولار، تلتها الكويت بقيمة 320.7 مليون دولار، ثم عمان بقيمة 163.3 مليون دولار، وأخيرًا قطر بقيمة 4.5 مليون دولار.
من جانبه، أوضح الدكتور محمد على، رئيس الجمعية العلمية للنقل، أن جائحة كورونا وتداعيات الصراع الدولى غيرت من نمط التجارة العالمية، وأعادت النظر فى أسلوب تقسيم العمل الدولى، لذا يجب العمل حاليًّا على خلق تكتل إقليمى وتعزيز التجارة البينية العربية، لاسيما مع امتلاك مصر سواحل ممتدة تصل بين موانئ الدول العربية.
ولفت إلى ضرورة تعزيز دور النقل البحرى الساحلى، من خلال التوسع فى بناء سفن الملاحة الساحلية التى لا تنافس الأساطيل العالمية.
وأكد «على» أن القانون البحرى الدولى يعطى الحق فى العمل على السواحل العربية، وإمكانية إنشاء أساطيل وزيادة حجم التجارة وتكرار تجربة إنشاء كيانات عربيه بحرية، مثل شركة الجسر العربى التى ساهمت فى نمو التجارة بين الأردن، ومصر، والعراق.
وطالب بإنشاء أسطول بحرى يربط بين مصر والدول العربية، خاصة أن هذا الأمر يتوافق مع التوجه الدولى المستقبلى بالتركيز على الإقليمية، مع وإعادة النظر فى تقسيم العمل الدولى فى ظل تغير نمط التجارة، وارتباك سلاسل الإمداد.
من جانبه، قال المهندس وائل قدور، عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق ومؤسس مركز البحوث والتخطيط بالهيئة، إن اتحاد الأساطيل العربية فى شركة واحدة ستتمكن من منافسة الكيانات العالمية والتغيرات الدولية، فى سوق النقل البحرى.
وذكر أن تنمية التجارة البينية بين الدول العربية، مازال ينقصها مواكبة التطورات الحديثة فى التعامل مع السفن التى تعمل فى إطار الثورة الصناعية الخامسة، التى يستوجب قيام كل دولة بتطوير نفسها لتتأقلم مع تلك التطورات الخارجية، لافتًا إلى أن الجامعة العربية يمكنها لعب دور محورى فى هذا الأمر.
ولفت إلى أن كل دولة عربية مازالت تعمل منفردة فى اتفاقياتها التى تبرمها مع دول غير شقيقة، ولابد أن يكون للاتحاد العربى لغرف الملاحة توصية بإعداد استراتيجية عربية لتطوير وصناعة النقل البحرى، وكذا التنسيق بين الترسانات وتخصصاتها المختلفة ليكون لها دور فى النقل البحرى العالمى.
وحول ما تشهده الموانئ المصرية من جذب للاستثمار العربى فى نشاط إنشاء وإدارة الموانئ المتخصصة فى السخنة وشرم الشيخ وسفاجا والغردقة، قال «قدورة» إن جذب الاستثمارات لا بد أن يتم وفق رؤية شاملة وإستراتيجية متكاملة حتى لا تؤثر بالسلب على الاقتصاد البحرى لكل دولة.
وأوضح قدوره أن مصر من أقدم الدول فى صناعة النقل البحرى، وكان لديها فرصة لإدارة الموانئ العربية التى يسبق بعضها مصر الآن، بسبب استيعابها التكنولوجيا والتطور الحادث فى الصناعة.
وتابع: على سبيل المثال موانئ دبى، تطور طرق النقل البحرى فى القطب الشمالى ونقل الحاويات حاليًّا، علمًا بأن القطب الشمالى بعد عام 2035 سيؤثر على قناة السويس بالسلب، ولابد من رؤية استراتيجية واضحة حتى تتكامل مصالح الموانئ العربية ولا تتنافس.
وأوضح أن تجربة إنشاء شركة الجسر العربى للملاحة بالشراكة بين مصر والعراق والأردن، نجحت بشكل جزئى فى زيادة حجم التجارة البينية بين تلك الدول، وكذلك حركة سفر الأفراد وخاصة العمالة المصرية، وكان مستهدف أن تضم محفظة الشركة الاستثمارية دول عربية جديد، بدلًا من اتجاه بعض الدول للتكامل مع دول أجنبية.
وأشار إلى أن الأسطول المصرى تقادم، والسوق المحلية يدفع كل عام ما لا يقل عن 10 مليارات دولار نولون نقل للشركات الأجنبية، ومن ثم فإن فرص الاستثمار فى هذا المجال واعدة وعوائده مضمونة بنسبة كبيرة.
من جانبه، أشار اللواء إيهاب البنان، رئيس مجلس إدارة شركة كلاركسون للملاحة، إلى ضرورة السعى لتوطين التكنولوجيا فى مجال صناعة النقل البحرى، وقناة السويس، وأن يشمل التطوير الكادر البشرى، ليكون له قدرة على استخدام التكنولوجيا والمعدات الحديثة، والاستغناء على التعامل بالمستندات الورقية.
ولفت إلى ضرورة مواكبة الموانئ البحرية، منظومة التوقيع الإلكترونى لتيسير إجراءات التعامل بين أطراف حركة التجارة البحرية، حتى وإن تم البدء بذلك الأمر مع الدول العربية الشقيقة.