حالة من الرواج تشهدها حاليا منطقة الشرق الأوسط فى صناعة مراكز البيانات بعدما نجحت دول الخليج ومنها الإمارات وقطر خلال المرحلة الماضية فى لفت أنظار العالم لإثبات وترسيخ مكانتها على الخريطة العالمية كدول جاذبة للاستثمارات الأجنبية فى بناء «الداتا سنتر».
«المال» استطلعت آراء عدد من المتخصصين حول العوامل التى ستحسم ديناميات المنافسة فى نشاط «الداتا سنتر» فى الشرق الأوسط بين مصر وأسواق الخليج والذين أجمعوا على ضرورة إسراع الحكومة ممثلة فى وزارة الاتصالات فى إقرار اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون حماية البيانات الشخصية كونه حجر الزاوية لاستقطاب مزيد من الشركات العالمية للسوق المصرية والتوسع فى إنشاء مراكز بيانات باستثمارات ضخمة.
وقالوا إن مصر تمتلك مقومات طبيعية واعدة مقارنة بالدول الأخرى على رأسها الموقع الجغرافى المتميز إذ يمر عبر أراضيها نحو 18 كابلا بحريا للإنترنت تربط دول الشرق والغرب إلا أن الدولة بحاجة إلى إعادة النظر فى القوانين المنظمة للاستثمار ومنح تسهيلات للشركات العالمية منها أسعار مخفضة للطاقة.
وبحسب الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات فى تصريحات سابقة، يبلغ حجم صناعة مراكز البيانات عالميا نحو 230 مليار دولار بنسبة نمو تتجاوز 12% سنويا منها 5 مليارات فقط فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأمر الذى يؤكد – على حد تعبيره- أن المنطقة لم تنل بعد نصيبها العادل من هذه الصناعة.
وأعلنت مايكروسوفت أواخر أغسطس الماضى عن اعتزامها إنشاء منطقة لمراكز البيانات السحابية فى قطر باستثمارات تتجاوز 18 مليار دولار خلال 5 أعوام بهدف تحويل الدوحة إلى مركز رقمى للمنطقة والعالم، مع تأكيد الشركة الأمريكية على أن المشروع سيوفر نحو 36 ألف وظيفة جديدة.
بينما أعلنت شركة أمازون ويب سرفيسز (AWS)، لخدمات الحوسبة السحابية عن استثمار 5 مليارات دولار حتى عام 2036 لإنشاء منطقة لمراكز بياناتها فى دولة الإمارات العربية المتحدة.
العلايلى: لابد من إنشاء منطقة حرة ذات قوانين خاصة
وقال هشام العلايلى رئيس جهاز تنظيم الاتصالات الأسبق، إن مصر تحتل المركز الثانى عالميا فى عدد الكابلات البحرية التى تمر عبر أراضيها، مشددا على ضرورة العمل على النظر بشكل دائم فى تسعير الخدمات المقدمة.
ورأى أنه ينبغى على الدولة المصرية العمل على إنشاء منطقة حرة بقوانين ذات طبيعة خاصة، تتيح منح تسهيلات مختلفة للمستثمرين الأجانب، مما يسهم فى طمأنة المستثمرين وتسريع وتيرة إنشاء مشروعات ضخمة مثل مراكز البيانات.
وأضاف أن أحد أهم الركائز الأساسية التى تعتمد عليها إنشاء مشروعات مراكز البيانات، هى الطاقة، مبينا أنه من الأفضل العمل على استثناء أسعار الكهرباء فى هذه المناطق، مما يسهم فى استقطاب هذه المشروعات للسوق المصرية.
وشدد على ضرورة الانتهاء من إقرار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات، معتبرا أنها تعد بمثابة القول الفصل فى العمل على إنشاء مراكز بيانات لشركات عالمية ضمن الحدود المصرية.
وأوضح أنه من الضرورى إنشاء المنطقى الحرة فى أماكن قريبة لمواقع تمركز الكابلات البحرية، مما يسهم فى العمل على تقليل نفقات النقل، وتسريع نمو تلك المشروعات ذات الحجم الضخم، والذى تتسم بالعوائد الضخمة.
لطفى: الحكومة قطعت شوطا فى تطوير البنية التحتية لاستقطاب الأجانب
وأكد الدكتور عثمان لطفى، نائب رئيس جهاز تنظيم الاتصالات الأسبق، أن مصر تمتلك العديد من المقومات التى تؤهلها لجذب استثمارات أجنبية فى مشروعات مراكز البيانات إلا أن ذلك الأمر مرهون بمدى توافر الأيدى العاملة المدربة بشكل محترف.
وأوضح أن الحكومة ممثلة فى وزارة الاتصالات وهيئاتها عكفت خلال المرحلة الماضية على المضى قدما فى ملف تطوير شبكة البنية التحتية للاتصالات بهدف خلق بيئة عمل ملائمة لجذب رءوس الأموال الأجنبية.
يشار إلى أن الدوحة – على سبيل المثال تمنح مجموعة من الحوافز للمستثمرين الأجانب منها إعفاء المستثمرغير القطرى من ضريبة الدخل لمدة تصل إلى عشر سنوات، علاوة على سداد الجمارك على استيراد الآلآت والمعدات اللازمة، كما يتم أيضا تخصيص أرض لمشروع استثمارى أجنبى بإيجار قابل للتجديد لمدة لا تزيد عن 50 عاما، ويجوز كذلك للمستثمرين غير القطريين نقل ملكية الاستثمار إلى مستثمر آخر قطرى أو غير قطري.
وأكد مصدر مسئول فى شركة مايكروسوفت لـ«المال» أن مركز بيانات قطر يخدم المنطقة بأكملها بما فى ذلك مصر
الليثى: رءوس أموال جديدة تنتظر إعادة النظر فى التشريعات
وقال الدكتور حمدى الليثي، الرئيس التنفيذى لشركة «ليناتل» لخدمات شبكات الاتصالات، إن مصر لديها مقومات مختلفة عن باقى أسواق المنطقة تؤهلها لكى تصبح مركزا إقليميا لمرور البيانات، منها توافر العمالة المدربة على أعلى مستوى، فضلا عن امتلاكها موقعا جغرافيا متميزا، مشيرا إلى أن %17 من حركة البيانات المتداولة عبر شبكة الإنترنت عالميا تمر عبر الأراضى المصرية.
وشدد على ضرورة توفير جميع التسهيلات اللازمة للمستثمرين الأجانب، وفى مقدمتها إعادة النظر فى قوانين الاستثمار، فضلا عن استكمال مشروعات تطوير البنية التحتية بما يعزز من فرص جذب رءوس أموال أجنبية ودخول لاعبين جدد للسوق المصرية.
وأكد أن العديد من الشركات العالمية لديها استعداد لضخ استثمارات كبيرة فى مصر ولكنها تنتظر إعادة النظر فى الضوابط المنظمة للاستثمار من أجل ضمان وجود بيئة تنافسية.
ورأى أن هناك فرصا استثمارية ضخمة فى مراكز البيانات، لافتا إلى أن الدولة المصرية، مؤخرا أصبحت تولى اهتماما بالغا بالعمل على تحسين البنية التحتية، وتطوير مشروعات الميكنة والتطور التكنولوجي.
وبحسب مجلة “تيليكوم ريفو” الإماراتية، فإنه من المتوقع أن تصل قيمة الاستثمارات فى مراكز البيانات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول عام 2027 إلى 12.2 مليار دولار مقابل 6.6 مليار خلال العام الماضى.
وأنشئت الإمارات فى 2021 أكثر من 10 مراكز «داتا سنتر» مقابل 6 مراكز فى جنوب أفريقيا، فيما أطلقت مصر عدد من مراكز البيانات الرئيسية منها مركزا بالعاصمة الإدارية الجديدة دشنته شركة أورنج مصر بالتعاون مع شركات أخرى منها «ديل» و«جيجا مون»، بمساحة تخزينية تصل إلى 125 راك(رف) كمرحلة أولي، موزعة بواقع 20 راك لمركز التحكم الأمنى «COC» و105 أخرى للقطاع التجارى.
حسام: التحول الرقمى يعزز مكانتنا على الخريطة العالمية
من جانبه، أكد محمد حسام، المدير الإقليمى لقنوات التوزيع فى شركة «إم سى إس» لتكنولوجيا المعلومات، أن مصر مصر تعد مركزا إقليميا للأستثمار فى المشروعات التكنولوجية، موضحا أن عمليات التحول الرقمى التى تشهدها الدولة المصرية فى الوقت الراهن ستسهم فى تعزيز وخلق فرص جديدة فى قطاعات متعددة منها مراكز البيانات.
وأضاف أن الحكومة تمنح العديد من الحوافز التى تسعى من خلالها لخلق فرص استثمارية للشركات الأجنبية، مؤكدا على أن البنية التحتية التكنولوجية تشهد تطورا ملحوظا خلال الفترة الراهنة.
وأشار الدكتور محمد الغمرى، رئيس مجلس إدارة شركة “إيجيبت سات” لحلول الاتصالات، إلى أن الدولة المصرية شهدت مؤخرا تنامى فى حجم الاستثمار فى سوق التكنولوجيا والخدمات المالية التى تستند إلى التكنولوجيا، موضحا أنه ينبغى العمل على استكمال منظومة تطوير الاستثمارات فى البنية التحتية من أجل استقطاب رءوس الأموال الأجنبية.
وشدد على ضرورة الإسراع فى إقرار اللائحة التنفيذية لقانون حماية البيانات الشخصية الذى يعتبر حجر الزاوية فى جذب مشروعات إنشاء مراكز البيانات خلال الفترة المقبلة.
ولفت إلى أن طبيعة مشروعات مراكز البيانات تحمل العديد من الفرص الاستثمارية الواعدة، والتى يجب أن تتجه إليها الدولة المصرية وتحرص على توجيه بوصلة الاستثمار إليها، مبينا أن مصر تمتلك موقعا جغرافيا ملائما لجذب مثل هذه الاستثمارات الضخمة.
الجمل: دخول كيانات دولية مرهون بإتاحة أسعار طاقة تنافسية
وأوضح حسام الجمل المدير التنفيذى لشركة “أيقن” للتكنولوجيا الرقمية، أن الاستثمار فى مراكز البيانات يتطلب مجموعة من العوامل المهمة على رأسها توفير وإتاحة الأماكن الملائمة لتأسيس مثل هذه المشروعات الضخمة، بجانب تحفيز المستثمرين من خلال منح الدعم اللازم، وتسهيل إجراءات الإفراج الجمركى للمعدات والأجهزة المستخدمة فى تأسيسها.
وأضاف أن إحدى الركائز الأساسية لنجاح مشروعات مراكز البيانات يتمثل فى منح أسعار تنافسية للطاقة المستخدمة فى تلك المشروعات، مبينا أن الدولة المصرية لديها كوادر بشرية مؤهلة للعمل فى مثل هذه المشروعات التكنولوجية.
فودة: الإمارات والسعودية تمتلكان سجلا حافلا من المشروعات الرقمية
واعتبر نشأت فودة، مدير شركة راية لمراكز البيانات، أن مصر أصبحت تمتلك بيئة تكنولوجية محفزة لجذب مثل هذه الاستثمارات، لافتا إلى أن الإمارات والسعودية لديهما تاريخ كبير فى المشروعات التكنولوجية الرقمية.
ولفت إلى أن دول الخليج تسعى يوما تلو الآخر لضخ إسستثمارات ضخمة فى مشروعات البنيىة التحتية الأمر الذى يعزز من فرص استقطاب المشروعات الاستثمارية التكنولوجية للشركات العالمية.
وأشار إلى أن المملكة بالأخص تسعى لاقتناص مشروعات تكنولوجية ضخمة، ومنها مراكز البيانات، مرجعا ذلك لكون السعودية لديها خطة متكاملة الأركان للتحول الرقمى وهو على غرار ما تقوم به مصر.
وأكد أن الدولة المصرية نجحت مؤخرا فى تحقيق معدلات نمو غير مسبوقة فى الخدمات المالية المصرفية المعتمدة على التكنولوجيا المالية، من خلال العمل على تحفيز الاستثمار فى هذا المجال وتوفير البنية التحتية اللازمة فى هذا الصدد.
ولفت إلى ضرورة إتاحة حوافز وتسهيلات على غرار المقدمة فى مشروعات الخدمات المالية التكنولوجية بعدما أصدرت الحكومة قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020، مبينا أن «راية» استطاعت استقطاب عملاء من دول الخليج للعمل على وضع بياناتهم فى مركز بيانات «راية».