أكد خبراء سوق المال أن البورصة المصرية ستحصد فوائد جمة كلما كان سعر العملة المحلية أكثر مرونة، مشددين فى الوقت نفسه على أن استقرار سعر الصرف هو العنصر الأهم.
وقالوا لـ«المال» إن المزيد من المرونة فى سعر الصرف، – أحد مطالب صندوق النقد الدولى للموافقة على القرض الجديد والتوجه الذى تؤيده الحكومة- سيعيد المستثمرين الأجانب للبورصة، ويجذب سيولة جديدة للسوق، ويدعم نجاح الطروحات المستقبلية سواء الحكومية أو الخاصة.
ومنذ مارس الماضى تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار الأمريكى بنحو %23 من مستويات 15.72 جنيه للدولار إلى 19.4 جنيه حاليا، فيما يتوقع له مزيد من التراجع الفترة المقبلة مع تصريحات أدلت بها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد مؤخرا قالت فيها إن الحكومة تدعم سعر صرف أكثر مرونة للجنيه، وهو مطلب من مطالب صندوق النقد لمنح مصر قرض جديد يتراوح حول 6 مليارات دولار.
ويشهد الجنيه انخفاضا سريعا فى الفترة الأخيرة، إذ وصل إلى مستوى 19.4 جنيه للدولار، ليقترب من أعلى قمة فى تاريخه والتى سجلها فى ديسمبر 2016 والبالغة 19.51 جنيه، والناتجة عن تعويم الجنيه فى نوفمبر من العام ذاته.
وتقول تقارير دولية إن الجنيه المصرى ما زال معرضا لمزيد من الضغوط التى ستتراجع بقيمته، حيث توقعت مؤسسة «فيتش سوليوشنز» البحثية الأمريكية انخفاضا معتدلا للجنيه المصرى على المدى القصير، فيما يتوقع بنك «بى إن بى باريبا» أن يستقر الجنيه عند مستوى 23 – 24 جنيه أمام الدولار، وتشير توقعات بنوك الاستثمار المصرية إلى أن الجنيه يتجه للانخفاض إلى مستويات تاريخية.
إيهاب السعيد: سوق المال سترتفع بنفس نسبة خفض العملة المحلية
وقال إيهاب السعيد، خبير سوق المال وعضو مجلس إدارة البورصة السابق، إن سبب ارتفاعات سوق الأسهم المصرية الفترة الماضية هو توقعات مزيد من الحركة فى سعر الصرف، مما يخلق ترجيحا بصعود تدريجى جديد نسبته %10 فى سعر الدولار.
وكانت البورصة المصرية سجلت صعودا إجماليا نسبته %8.23 خلال شهرى يوليو وأغسطس الماضيين، مع مكاسب رأسمالية بلغت 36.3 مليار جنيه.
ويرى «السعيد» أن البورصة ستصعد بنسبة مماثلة لتحريك سعر الصرف، مؤكدًا أن عودة الطروحات الحكومية ونجاحها تتطلب سعر دولار مستقر وعادل، فضلا عن إتاحة العملة الخضراء لجذب مستثمرين أجانب للسوق، مطمئنين لسهولة عملية التخارج والحصول على الأموال متى أرادوا ذلك.
رانيا يعقوب: تدعم عودة المستثمرين الأجانب
وقالت رانيا يعقوب، رئيس مجلس إدارة شركة «ثرى واى» لتداول الأوراق المالية إن هذه الخطوة ستدعم عودة الأجانب للبورصة بقوة، لافتة إلى أن عدم وجود سعر صرف مرن يمثل أحد معوقات جذب الاستثمار الأجنبى المباشر، وغير المباشر.
يُذكر أن مصر حصلت على قرض من صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار فى 2016 ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى ثم فى 2020 –أزمة وباء كورونا- اقترضت بآلية التمويل السريع نحو 2.77 مليار دولار، ثم حصلت على قرض آخر ضمن برنامج الاستعداد الائتمانى بقيمة 5.2 مليار دولار.
و فى أغسطس 2021، تحصلت على دعم بقيمة 2.8 مليار دولار من مخصصات السحب الخاصة التى وزعها الصندوق على الدول الأعضاء من أجل مواجهة تداعيات كورونا، والتى تسهم فى دعم الاحتياطات الدولية فى البنك المركزى.
وأضافت «يعقوب» أن مرونة سعر الصرف سوف تدعم معدلات السيولة بالسوق وتجذب سيولة جديدة محلية وأجنبية، كما ستساهم فى إنجاح الطروحات المستقبلية.
وتشهد البورصة المصرية منذ أكثر من عامين موجة نزوح قوية من المستثمرين الأجانب، التى بلغت مبيعاتهم بالسوق منذ بداية العام الحالى وحتى نهاية شهر أغسطس المنقضى 16.237 مليار جنيه، بحصة %17.1 من التعاملات.
وقال عامر عبدالقادر، رئيس قطاع السمسرة للتطوير بشركة بايونيرز لتداول الأوراق المالية، إن عدم استقرار سعر الصرف هو الحائل الأساسى أمام عودة المستثمرين الأجانب للسوق، ولكن فى كل الأحوال فإن تحريك سعر الصرف سيكون مفيدا للبورصة.
ويرى أن حسم سعر الصرف والوصول لمستوى متوازن فيه سيحرك مياه الطروحات الحكومية، مؤكدا على ضرورة أن تكون الطروحات لشركات قوية.
جدير بالذكر أن الحكومة وضعت برنامجا للطروحات الحكومية فى عام 2018 كان يتضمن طرح 23 شركة بحصيلة مستهدفة تصل لـ 100 مليار جنيه، إلا أنه تم تأجيله عدة مرات للظروف غير المواتية.
فيما تم طرح حصة إضافية من الشركة الشرقية للدخان بنحو %4.5 بحصيلة 1.7 مليار جنيه فى مارس 2019 بجانب طرح %26 من أسهم شركة «إى فاينانس» فى أكتوبر 2021، بحصيلة هى الأكبر فى تاريخ البورصة بقيمة 5.8 مليار جنيه، ثم طرح حصة إضافية من أبوقير للأسمدة بنسبة %10 بحصيلة 2.2 مليار.
وتترقب البورصة المصرية طروحات كبيرة من بينها «بنك القاهرة» و«إنبى» وحصة إضافية من «مصر الجديدة للإسكان» وشركة المنتجات البترولية «موبيكو» وشركة «صافى» للمنتجات الغذائية بجانب «بنك الإسكندرية».
وأعلن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، منتصف مايو الماضى عن اعتزام الحكومة طرح 10 شركات بالبورصة المصرية فى عام 2022 منها 8 شركات قطاع أعمال و شركتين تابعتين للقوات المسحلة.
وكانت «المال» قد نشرت فى عدد 9 مايو الماضى، أن الحكومة تستهدف طرح 10 شركات فى البورصة المصرية خلال 2022 فى إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتكليفاته بتنمية سوق المال، بحسب تصريحات لوزير المالية.
وكلف الرئيس السيسى، الحكومة على هامش حفل إفطار الأسرة المصرية، بطرح رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة، والبدء فى طرح حصص من شركات مملوكة للدولة.
ووجه الرئيس الحكومة بطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة فى البورصة قبل نهاية العام الحالى.
محمد فتح الله: مطلوب طروحات قوية واستقرار دائم
وقال محمد فتح الله، العضو المنتدب لبلوم مصر لتداول الأوراق المالية إن الاستثمار بشقيه المباشر وغير المباشر لن يأتى إلى مصر سوى بسعر صرف مستقر معبرا عن وضع الاقتصاد وفقا للمعطيات الاقتصادية الحالية.
ويرى أن هناك حالة من التخوف تسيطر على المستثمرين الأجانب تمنعهم من العودة للاستثمار بالبورصة المصرية نتيجة التذبذب العنيف فى سعر الصرف.
ولفت إلى أن استقرار سعر الصرف لن يكون العامل الوحيد لضمان جذب الطروحات للمستثمرين الأجانب، طالما كان الطرح لشركة لن توفى وتشبع احتياجات السوق.
ياسر المصرى: أذون الخزانة الأكثر جاذبية من الأسهم
وقال ياسر المصرى، العضو المنتدب للعربى الأفريقى لتداول الأوراق المالية إن المزيد من المرونة فى سعر الصرف سوف تستجيب له الأسهم التى لديها أصول قوية، إذ سيعزز قيمة الأصول لديها، ويرفع أسعار الشركات ككل.
وعن عودة المستثمرين الأجانب للسوق، أوضح أنهم يفضلون الاستثمار فى أذون الخزانة مع تمتعها بمعدلات فائدة مرتفعة، وغياب للمخاطرة.
ورغم المخاطرة المعدومة فى استثمارات أذون الخزانة إلا أن ذلك لم يمنع المستثمرين الأجانب من التخارج منها بقيمة 22 مليار دولار، وفقا لتصريحات سابقة لوزير المالية دكتور محمد معيط.
عادل عبدالفتاح: تسريع وتيرة الاكتتابات الحكومية أحد النتائج
ويقول عادل عبدالفتاح، رئيس مجلس إدارة شركة المصرية العربية «ثمار» إن العائق أمام اقتناص الأجانب الفرص بالبورصة المصرية نتيجة تدنى الأسعار بالسوق هو استقرار سعر الصرف، حيث إن المستثمر فى الأسهم حاليا معرض لخسارة %20 من قيمة المكاسب بسبب تغير سعر الصرف.
وأكد أن تحريك سعر الصرف حتى الوصول إلى سعر عادل هو «كلمة السر» لجذب استثمارات أجنبية جديدة للسوق، كما أن من شأنه تسريع وتيرة الطروحات الحكومية، لافتا إلى أن جميع هذه العوامل ستظهر بوضوح فى الربع الأخير من العام الحالى.
وقال محمد حسن العضو المنتدب لشركة بلوم لإدارة الاستثمارات المالية إن المزيد من الحركة فى سعر الصرف سيؤدى إلى خفض سعر أسهم السوق وهو ما من شأنه أن يكون جاذبا للمستثمرين الأجانب، مؤكدا فى الوقت نفسه أن ذلك لن يضمن عودتهم للسوق طالما ظل سعر الصرف غير مستقر وواضح لأن غياب هذه العوامل أحد الأسباب لعزوفهم عن السوق المحلية.
وأكد أن صناديق الاستثمار المحلية تؤدى دورا جيدا بالبورصة المصرية حاليا، سواء فى عمليات البيع أو الشراء.
وتشير بنوك الاستثمار فى تقارير بحثية إلى أن البنك المركزى قد يُفضل اتباع سياسة الخفض التدريجى لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، تجنبا لحدوث صدمات سعرية وارتفاع معدلات التضخم.
وأعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فى بيان، ارتفاع معدل التضخم السنوى لإجمالى الجمهورية فى شهر أغسطس الماضى، مسجلا %15.3 مقابل %14.6 فى يوليو، كما ارتفع معدل التضخم السنوى فى المدن خلال أغسطس إلى %14.6 مقابل %13.6 فى يوليو، وفقا لبيانات الجهاز.
فيما أعلن البنك المركزى ارتفاع معدل التضخم الأساسى إلى %16.7 فى أغسطس الماضى مقارنة %15.6 فى يوليو السابق له.
وأعلن البنك المركزى المصرى عن تراجع الاحتياطى النقدى الأجنبى فى أغسطس الماضى، ليسجل 33.142 مليار دولار، فيما سجل انخفاضَا منذ بداية العام بنحو 7.8 مليار من قيمته بنسبة %19 بتداعيات حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمى والمحلى، وسياسة رفع الفائدة.
وكشف الدكتور محمد معيط، وزير المالية، فى تصريحات سابقة لـ «المال»، أن الحصيلة المستهدفة من طرح شركات الدولة فى البورصة المصرية تقدر بنحو 10 ملايين دولار سنويًا.
وتابع الوزير، إن الحكومة تعمل على الانتهاء من صياغة الخطة التنفيذية لتكليفات رئيس الجمهورية، بتنمية سوق المال و وضع رؤية متكاملة للبورصة، مشيرًا إلى أنه سيتم الكشف عن تلك الخطة فور الانتهاء منها.