يحذّر مديرو الصناديق من أن السوق أصبحت مستسلمة لتوقعات التضخم في أوروبا، حيث أدّى احتمال حدوث ركود إلى زيادة جاذبية التحصّن بالسندات.
توقعات التضخم في أوروبا
ارتفع الدين الحكومي بشكل قوي من أدنى مستوياته التي سجلها في يونيو الماضي، حيث تفاقمت التوقعات الاقتصادية وتراجعت المخاوف بشأن ارتفاع أسعار المستهلكين.
لكن على عكس الولايات المتحدة، حيث أظهرت أحدث البيانات تباطؤ التضخم، فإن القراءة الثانية لمؤشر أسعار المستهلكين في منطقة اليورو هذا الأسبوع من المرجّح أن تؤكد تسارع التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 8.9%.
وتُقيّم الأسواق ذروة تبلغ حوالي 10% في سبتمبر المقبل، وفقاً لـ”نورديا بنك” (Nordea Bank Abp).
في حين أن الوضع الأسوأ لم يأتِ بعد في أوروبا، يرى الاستراتيجيون أن صانعي السياسة قد يرفعون الفائدة بشكل أكثر تشدّداً مما يتوقعه الكثيرون، مما يعزّز موجة ارتفاع السندات التي يقول البعض إنها ذهبت إلى مستوى بعيد للغاية.
ويتوقع “نورديا بنك” ارتفاع عائدات السندات الألمانية لأجل عامين إلى 1.1% بحلول نهاية العام، أي ما يقرب من ضعف المستوى الحالي.
ويرى نيك ساندرز، مدير محفظة في “ألاينس بيرنشتاين” (Alliance Bernstein)، القيمة العادلة للعائد عند 0.8%، قائلاً إنه حتى الآن، فإن السوق لا تعكس بدقة ولا تأخذ في الحسبان حجم الارتفاعات.
مهمة صعبة
قال جان فون غيريتش، كبير المحللين الاستراتيجيين في “نورديا بنك” إنه: “على الرغم من التوقعات الضعيفة، سيتعيّن على البنك المركزي الأوروبي تعزيز مقوماته كمؤسسة تكافح التضخم ومواصلة رفع أسعار الفائدة”.
تُعدّ مهمة البنك المركزي الأوروبي صعبة بشكل خاص، نظراً لأن السياسة النقدية ليس لها تأثير يُذكر على أسعار الطاقة، بصفتها المحرك الرئيسي للتضخم في أوروبا، والتي تصاعدت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعلى النقيض من ذلك مع الولايات المتحدة، حيث تتسم أزمة الطاقة بأنها أقل حِدّة، كما أن تضخم الخدمات هو المساهم الأكبر، وفقاً للبيانات التي جمعها، بيت كريستيانسن، وهو كبير المحللين الاستراتيجيين في “دانسكي بنك” (Bank Danske).
في الوقت نفسه، فقد تفاقمت حالة التيبّس الناتجة عن جفاف نهر الراين، وهو طريق تجاري رئيسي، ما قد يؤجّج ضغوط التضخم والنمو. وتُظهر المقايضات أن السوق كانت تؤجّل باستمرار التوقيت الذي يمكن فيه رؤية بلوغ ذروة التضخم.
ارتفاع السندات الألمانية قصيرة الأجل
أضاف “ساندرز” أنه: “على الرغم من أننا نشهد تباطؤاً حادّاً في النمو، فإننا نعتقد أن هناك مجالاً لارتفاع السندات الألمانية قصيرة المدى. وستظل المسؤولية الأساسية لمحاولة خفض التضخم في مقدمة أولويات البنوك المركزية”.
انخفض العائد على الديون الألمانية لأجل عامين بأكثر من النصف منذ ذروة يونيو إلى حوالي 0.59%. وتُظهر عقود المقايضة المرتبطة بتواريخ السياسة النقدية أن السوق تضع في الحُسبان ارتفاعاً بـ109 نقطة أساس أخرى من قبل البنك المركزي الأوروبي هذا العام، مع معدل نهائي عند نحو 1.45%.
ومع ذلك، يعتقد “ساندرز” أن البنك المركزي الأوروبي سيكون أول بنك مركزي يوقف التشديد النقدي. وأشار مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن التراجع في بيانات التضخم التي تمّ نشرها الأسبوع الماضي لا يغيّر مسار البنك المركزي الأميركي.
من جانبه، قال إريك وايزمان، كبير الاقتصاديين ومدير محفظة في “إم إف إس إنفستمنت مانجمنت” (MFS Investment Management): “أعتقد أن باول سيرفع الفائدة عبر مستوى محايد، وأكثر مما تضعه السوق بالحسبان، لذا فإن سندات الخزانة الأميركية أكثر عرضة للخطر هنا، في حين أن البنك المركزي الأوروبي لديه عُذر للتوقف عن رفع الفائدة. ويبدي وايزمان نهجاً أكثر حذراً بشأن سندات الخزانة قصيرة الأجل مقارنة بالأوراق النقدية الأوروبية المماثلة.
أسباب التفاؤل
هناك أيضاً أسباب تبعث على التفاؤل بشأن تحسّن توقعات التضخم في أوروبا. ويشير “كريستيانسن” إلى أن الطلب على السلع آخذ في التراجع، متوقعاً أن يحدث انخفاض للأسعار في بعض الفئات العام المقبل.
لكنه أضاف أن هناك خطراً من أن تكون ضغوط الأسعار أكثر ثباتاً مما كان متوقعاً بسبب أزمة الطاقة في المنطقة. ومن الممكن أيضاً أن تستمر تحديات جانب العرض في الهيمنة على انخفاض الطلب.
في وقت سابق من شهر أغسطس، أظهرت أسواق المال أن المتداولين يتوقعون ارتفاعات بـ100 نقطة أساس أخرى، أي ما يقرب من نصف ما كان متوقعاً في أواخر يوليو الماضي.
بالنسبة إلى آدم كوربيل، الخبير الاستراتيجي في أسعار الفائدة من بنك “سوسيتيه جنرال” (Societe Generale SA)، فقد بدا ذلك متشائماً للغاية.
وكتب في مذكرة حديثة، يقول: “الركود في منطقة اليورو لا يتعارض مع استمرار ارتفاع التضخم، خاصة إذا كان الركود ناجماً عن اضطرابات هائلة في إمدادات الغاز. وفي بيئة مصحوبة بركود تضخمي، يجب أن تكون السياسة النقدية محايدة وليست تيسيرية”.