مرت مسيرة الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى بعدة محطات مهمة منذ عام 2003 حيث تعويمه الأول فى القرن الحالى، مرورا بثورة 25 يناير، ثم تعويمه الثانى فى 2016 وانتهاءً بحركة «تصحيح» فى 2022.
وترصد «المال» عبر التقرير التالى أهم المحطات التى مر بها خلال الـ19 عامًا الماضية ودفعت إلى تراجعه أمام العملة الأمريكية، والتى يتوقع المحللون أن يواصل الدولار صعوده حتى نهاية العام الحالى أو وقف الاحتياطى الفيدرالى لسياسة التشدد النقدى.
وإذا عدنا إلى عام 2003 نجد أن الدولار ارتفع أمام الجنيه 11 مرة فى الفترة من 2003 حتى 2015 وبلغ المتوسط السنوى لأسعار صرف الدولار عام 2003 نحو 5.861 جنيه، وارتفع فى 2004 إلى 6.194 جنيه، ثم انخفض فى 2005 إلى 5.779 جنيه، وتراجع فى 2006 إلى 5.733 جنيه، كما واصل تراجعه إلى أن وصل إلى 5.431 جنيه فى 2008 قبل أن يعاود ارتفاعه فى 2009 إلى 5.542 جنيه، ثم إلى 5.622 جنيه فى 2010.
وفى 29 يناير 2003 ظهر مصطلح “تعويم الجنيه” فى السوق المحلية حينما قررت الحكومية، تعويم الجنيه المصرى وفك ارتباطه بالدولار الأمريكى، وترك المعاملات المالية لسوق العرض والطلب، والذى عرف حينها بـ “التعويم المدار” الأمر الذى تسبب فى ارتفاع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50 %، ليسجل ارتفاعا من 370 قرشا إلى 535 قرشا، ليرتفع بعدها مرة أخرى ليسجل نحو 7 جنيهات.
هذا القرار تم تبريره حينها بمحاولة خفض العجز فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات، وتحقيق توزان بين العرض والطلب فى السوق النقدية، بزيادة المعروض من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
وقبل يناير 2003 كان سعر الصرف يقوم على أساس ربط قيمة الجنيه بالدولار، ولكن انخفاض قيمة الأخير عالميا حينها أمام العديد من العملات الأجنبية خاصة اليورو، كان له أثر سلبى على الجنيه، و أدى إلى انخفاض قيمته أمام العملات الأخرى.
ثم جاءت إحدى أبرز المراحل المؤثرة على مسار سعر صرف العملة الخضراء أمام الجنيه وهى ثورة 25 يناير 2011 إذ شهد سعر الأخضر ارتفاعات متتالية، من 5.933 جنيه عام 2011، إلى 6.056 فى 2012 وإلى 6.899 جنيه فى نهاية ديسمبر 2013، حتى استقر عند 7.73 فى يوليو 2015.
ومنذ تحرير سعر صرف الجنيه فى نوفمبر 2016 أمام العملات الأجنبية، واجهت العملة المحلية عدة تغييرات ما بين التذبذب والاستقرار والصعود والهبوط، أمام سلة العملات الرئيسية وفى مقدمتها الدولار.
وفى 3 نوفمبر 2016 اتخذ البنك المركزى المصرى برئاسة طارق عامر، قرارًا بتحرير سعر الجنيه تحريرا كاملاً أمام العملات الأجنبية.
وكان “المركزي” يهدف من قرار التعويم إلى معالجة التشوهات الموجودة فى سعر الصرف، والقضاء على السوق السوداء للعملة، وبناء ما فقدته مصر من فوائض ومدخرات فى الاحتياطى الأجنبى، وتوفير العملة الأجنبية والذى ظهر واضحًا فى ارتفاع الاحتياطى النقدى بالبنك المركزى بقيمة بلغت نحو 17.5 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر 2016 وحتى سبتمبر 2017 ليسجل 36.5 مليار دولار وهى مستويات ديسمبر 2010.
وصعد الدولار أمام الجنيه بنسبة %48 ليصل فى صباح يوم التعويم إلى 13.5 جنيه، فى حين واصل الدولار رحلة صعوده ليصل إلى 18.16 بنهاية شهر التعويم، مستكملا رحلة الصعود أمام العملة المحلية خلال الشهر الذى أعقب التعويم.
وقفز سعر الدولار من جديد مع قرار التعويم فى نوفمبر 2016 ليسجل 19.60 جنيه، وبحلول عام 2017 بدأت السوق تدخل فى مرحلة الاستقرار ويشهد الدولار تراجعا ليسجل 18.30 جنيه، ثم واصل التراجع إلى 17.25 جنيه خلال عام 2019.
ومع تفشى جائحة فيروس كورونا «كوفيد- 19» فى الربع الأول من 2020 ارتفعت قيمة الدولار بنحو 47 قرشا أمام الجنيه من جديد، بدءا من الأسبوع الثالث من شهر مايو، وحتى الأسبوع الأول من يوليو 2020 ليختتم متوسط السعر داخل السوق بين 15.67 جنيه للشراء، و15.77 للبيع.
ومع مطلع 2021 فقد فى أول شهرين ما يقارب 11.5 قرش، طبقا لبيانات البنك المركزى المصرى، وارتفع الاحتياطى النقدى الأجنبى وتحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 1.6 مليار دولار خلال شهر، إلا أن سعر صرف الدولار واصل الصعود أمام الجنيه، ليصل إلى 18.89 جنيه فى يناير، حتى فبراير 2021 وبدأ سعر صرف الأخضر التراجع من جديد، ليسجل أقل معدل له منذ تحرير سعر صرف الجنيه، ليصل إلى 15.83 جنيه، مدفوعًا بزيادة الحصيلة الدولارية بالبنك المركزى بنحو 4 مليارات دولار قيمة بيع السندات الدولية التى طرحتها مصر، فى الأسواق العالمية.
وتأثرت العملة المحلية أمام نظيرها الأمريكية كلما زادت مستويات الاستيراد إذ ارتفع سعر صرف الدولار فى مارس وأبريل 2021 أمام الجنيه ليسجل 18.13 جنيه، نتيجة زيادة حجم الاستيراد للسلع الرمضانية.
وبدأ سعر صرف الدولار رحلة انخفاضه عن حاجز الـ18 جنيهًا، مع مطلع يوليو2021 ليستقر عند 17.87 جنيه، ثم واجه سعر صرف الدولار حالة من التذبذب خلال الأشهر الخمسة المتبقية من العام، ليختتم العام عند 17.69 جنيه.
وارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه فى مارس الماضى بشكل مفاجئ فى حركة “تصحيح” كما وصفها محافظ البنك المركزى طارق عامر تزامنا مع رفع “المركزي” أسعار الفائدة %1.
كان البنك المركزى رفع سعر الفائدة فى ثالث اجتماعات لجنة السياسة النقدية بنسبة %2 بعد رفعها %1 فى اجتماع استثنائى للجنة يوم 21 مارس 2021، لتصل مستويات أسعار الفائدة بالبنك المركزى إلى مستوى %11.25 للإيداع، و%12.25 للإقراض.
وطرح بنكا الأهلى المصرى ومصر، فور قرار «المركزى» برفع أسعار الفائدة، شهادات سنوية ذات عائد مرتفع %18 يصرف عائدها شهريا.
ثم شهد الأسبوع الأخير من يوليو 2021 تقلبات كبيرة فى أسعار الصرف داخل السوق المحلية وتراجع الجنيه أمام نظيره الأمريكى لتتخطى العملة الخضراء حاجز 19 جنيها ومسجلًا أعلى مستوى منذ يناير نهاية 2016 مع توقعات باستمرار فى مسيرة الصعود حتى حلول عام 2023.
وعقب الارتفاعات الأربعة الأخيرة التى أقرها مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى على سعر الفائدة على الدولار، زادت مستويات العملة الأمريكية أمام العملات الرئيسية بنسبة تزيد عن %12 خلال العام الجارى، حيث شهد الجنيه خلال العام الجارى حالة من التراجع.
وكشف البنك المركزى المصرى عن تحقيق صافى الاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر ارتفاعا بنسبة %53.5 ليسجل نحو 7.3 مليار دولار خلال الفترة المالية يوليو/ مارس 2022/2021.
وأشار تقرير ميزان المدفوعات، إلى أن هذا النمو جاء نتيجة ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى القطاعات غير البترولية بمقدار 3.9 مليار دولار لتسجل صافى تدفق للداخل بلغ نحو 9 مليارات دولار منها نحو 4.6 مليار دولار خلال الفترة يناير/مارس 2022.
ولفت البنك المركزى إلى ارتفاع صافى التدفقات الواردة بغرض تأسيس شركات جديدة أو زيادة رءوس الأموال بمقدار 1.5 مليار دولار لتسجل نحو 2.6 مليار دولار منها 208.2 مليون دولار مبالغ واردة لتأسيس شركات جديدة.
وقالت منى بدير، الخبير الاقتصادى، إن التغيرات التى شهدتها السوق فى أسعار صرف الدولار أمام الجنيه منذ يوليو الماضى مدفوعًا بأسباب عالمية منها الموجة البيعية فى سوق السندات الدولية للأسواق الناشئة، مما يمثل صعوبة أمام تلك الدول فى اللجوء إلى سوق السندات الدولية لسد العجز أو لتلبية احتياجاتها التمويلية الخارجية.
وأضافت أن تزايد التشديد النقدى الفيدرالى دفع إلى ارتفاع الضغوط بالأسواق الناشئة وهذا أدى إلى تزايد المخاوف بشأن أزمة ديون فى بعض تلك الدول، وهناك مخاوف من أن تصل تلك التبعات إلى الدول الناشئة بالمنطقة.
وأشارت إلى أن مصر من بداية يوليو الماضى واجهت عدة ضغوط شكلتها الموجة البيعية للسندات للدولية وتأثيرها على العائد على السندات المصرية المقومة بالدولار أو باليورو مدفوعة باستمرار تراجع الاحتياطى من العملات الأجنبية، وارتفاع الدين الخارجى وبشكل خاص على مستوى الدين قصير الأجل بحوالى 12 مليار دولار.
وأوضحت أن زيادة الالتزامات قصيرة الأجل تشكل ضغوطا كبيرة على الاحتياطات الأجنبية والتى وصلت إلى حد يبعث على القلق، على الرغم من أنها لا تزال تغطى أكثر من ثلاثة أشهر من الواردات الأساسية.
ولفتت إلى مراجعة صندوق النقد الدولى لاتفاق الاستعداد الائتمانى الذى نوه إلى أن مصر كانت ستستفيد بشكل أفضل إذا كان سعر الصرف أكثر مرونة فى الفترات الماضية، وهذا يدل على أن مرونة سعر الصرف هو نقطة محورية فى خطة الإصلاح الاقتصادى.
وتابعت :” تلك العوامل الماضية تشير إلى عدة سيناريوهات تخص مسار سعر الصرف أولها إذا ما حصلت مصر على تمويل كبير من صندوق النقد قد يصل إلى 15 مليار دولار خلال الفترة المقبلة وهو ما سيعنى أن عليها اتخاذ عدة إصلاحات كبيرة منها مما سيسبب ضغوطا كبيرة على سعر الصرف مما قد يصل بانخفاضه إلى مستويات قد تتجاوز %10 عن مستوياته الحالية ويؤدى إلى زيادة التضخم لمستويات قد تزيد عن ما شهدناه فى 2016.
وقالت إن السيناريو الثانى هو أن تتفاوض مصر على حجم تمويل أقل فى مقابل تحركات أقل لسعر الصرف خاصة وأن الأوضاع من المتوقع أن تكون أكثر استقرارًا بحلول عام 2023 عندما يوقف الفيدرالى الأمريكى سياسة التشديد النقدى، مما يخفف الضغط على الأسواق الناشئة ومنها السوق المصرية، ويقلل المخاطر التى تدفعها إلى الاقتراض من الخارج.
من ناحية أخرى، أشار مدير قطاع التجزئة بأحد البنوك الخاصة العاملة فى السوق المحلية إلى أن ارتفاع سعر الدولار طال جميع الأسواق الناشئة فى مصر، مضيفًا أن قرض صندوق النقد الدولى الذى تتفاوض عليه مصر حاليًا سيحافظ بشكل كبير على مستويات سعر الدولار دون أن يتخطى حاجز العشرين جنيها.