◗❙ عميد سابق لـ«صيدلة القاهرة»: ميزانية البحث العلمى ضعيفة.. ويجب تفعيل قانون التجارب السريرية
تعتزم الدولة المصرية تنفيذ استراتيجية وطنية لتوطين صناعة الدواء، وتوفير البنية التحتية لتلك المنظومة لإنتاج المواد الخام والفعالة داخل مصانعها، ومنح القطاع الخاص فرصًا لإنشاء مصانع متطورة، وتكوين شراكات دولية لنقل تلك التكنولوجيا المتطورة للداخل، والتوسع فى تدشين المراكز البحثية بشركات الأدوية وإنتاج مستحضرات بجودة عالية وبأسعار معقولة.
وقرر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، تشكيل لجنة لإعداد استراتيجية توطين صناعة الدواء برئاسة مستشار رئيس الجمهورية للشئون الصحية والوقائية، وعضوية عدة وزارات وكل الجهات المعنية.
وتختص تلك اللجنة بإعداد استراتيجية الدولة، وخطة التحرك نحو توطين صناعة الدواء فى مصر، وإعداد تقارير دورية عن أداء مهمتها ونتائج أعمالها.
ورسم عدد من خبراء بصناعة الدواء آليات توطين تلك الصناعة فى مصر، وكيفية الوصول لمعدلات نمو جيدة فى إنتاج المواد والمستحضرات الدوائية محليًا لتوفير فاتورة استيراد المواد الخام من الخارج، وذلك بعد مضاعفة أسعارها لأكثر من مرة مؤخرًا، بسبب الأزمات العالمية والحرب الروسية الأوكرانية.
وتابعت المصادر أن هناك أكثر من تحدٍّ أمام تلك الاسترايتيجة، يتمثل أبرزها فى توفير مراكز بحثية متطورة لديها القدرة على اختراع مواد خام فعالة وإنتاج مواد بحثية متطورة، والتوسع فى التجارب السريرية، وزيادة حجم الإنفاق على البحث العلمى لدى الشركات الأدوية الكبرى بالسوق المحلية.
قال الدكتور كريم كرم، عضو المركز المصرى للحق فى الدواء، إن مصر تمتلك شركات دواء محليًا توفر %85 من حجم احتياجات السوق، ويتم استيراد %15 من الخارج، لافتًا إلى أن توطين صناعة الدواء تتطلب عدة خطوات وتوفير بنية تحتية من الأبحاث العلمية لاختراع المواد الخام وإنتاجه ونقل التكنولوجيا الخارجية إلى السوق المصرية.
وأضاف لـ«المال»، أن مصر تستورد جميع المواد الخام لصناعة الدواء من الخارج، الأمر الذى يتطلب أن تقوم كل شركة أدوية ضخمة بتوفير مركز أبحاث متطور لإنتاج العديد من الأوراق البحثية مقارنة بالدول المجاورة لمصر، لافتًا إلى أنه على سبيل المثال تصدر الأردن بـ3000 ورقة بحثية سنويًا، ومصر لا تخرج سوى 100 ورقة على أقصى تقدير.
وأشار إلى أن صناعة الأدوية والمواد الخام من الصناعات الأكثر ربحية ونموًا، مقارنة بالقطاعات الأخرى، ومن المتوقع أن تنجح عملية توطين تكنولوجيا صناعة الدواء من خلال القطاع الخاص والشركات المتطورة، إذ إن هناك نماذج جيدة خلال تلك الفترة، منها إنشاء مركز للأبحاث تابع لشركة إيفا فارما، والذى يعد من أوائل مراكز البحوث الحديثة فى مصر.
وتابع أن وزارة الإنتاج الحربى تقوم من خلال الشراكة مع عدة جهات وشركات أجنبية بتوطين صناعة المواد الخام وإنتاج الأدوية داخل مصر، إضافة الى إنشاء مصنع لإنتاج المواد الخام بالتعاون مع كوريا الشمالية، مطالبًا بالتوسع فى توقيع عقود شراكة مع الجهات الأجنبية لسهولة نقل هذه التكنولوجيا وتوفير حوافز استثمارية لنمو تلك الصناعة.
ولفت إلى أن السعودية جهزت مصنعًا ضخمًا لإنتاج المواد الخام لتلبية احتياجات السوق المحلية لديها، إذ تعد مصر حاليًا بحاجة مهمة لإنشاء تلك المصانع لخفض فاتورة الاستيراد، مشيدًا بالخطوات التى تقوم بها حاليًا شركة أكديما من خلال الحصول على قطعة أرض تصل إلى 70 ألف متر لإنشاء مصنع للمواد الخام فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مع إحدى الشركات الأجنبية.
وأكد أن مصر ستكون بوابة لتصدير المواد الخام إلى أفريقيا، إذا نجحت فى توفير مصانع متطورة لتوطين صناعة الدواء، مؤكدًا أن أسعار المواد الخام فى الصين ارتفعت لأكثر من 3 مرات خلال الفترة الأخيرة، متأثرة بأزمة سلاسل الإمداد والأزمات الجيوسياسية.
وأوضح أن القطاع الخاص الأجدر بتنفيذ استراتيجية توطين صناعة الدواء، من خلال الشراكة مع الكيانات الأجنبية لنقل التكنولوجيا للسوق المحلية، لافتًا إلى وزارة قطاع الأعمال تقوم حاليًا بتطوير شركة النصر للكيماويات الدوائية التى تعد أول شركة لإنتاج المواد الخام، لكنها لم تتطور منذ سنوات، وتعرضت الشركة لمشكلات تتعلق بعدم التحديث والتطوير.
وأشار إلى توفير الدواء خلال فترة جائحة كورونا وذروتها، إذ لم تعانِ السوق المحلية من نقص أى دواء، سواء ضمن بروتوكولات العلاج أو الأمراض المختلفة، مقارنة بباقى الدول الأوروبية والأفريقية، الأمر الذى يؤكد وجود شركات لإنتاج الدواء على قدرات عالية من الكفاءة.
وكشف تقرير بحثى عن تحقيق شركات الأدوية مبيعات بقيمة 86.4 مليار جنيه خلال 2021، بمعدل نمو %7.3 مقارنة بمبيعات عام 2020، إذ استحوذت 10 شركات على %40 من حجم تلك المبيعات بقيمة 34.6 مليار جنيه، منها شركة نوفارتس، وإيفا فارما، وسانوفي، وأمون وجلاكسو، وإيبيكو وفاركو، وفايزر، وايبيكس فارما.
وقال مدير إحدى شركات الدواء الأجنبية بالقاهرة، إنَّ الدور المهم المنوط بلجنة توطين صناعة الدواء العمل على تذليل العقبات أمام نقل التكولوجيا المعقدة من الخارج، ودعم الأبحاث داخل الجامعات وشركات الأدوية.
وأضاف أن نقل التقنيات المُعقدة من الخارج ودمجها فى الصناعة المحلية عملية صعبة فنيًا وصناعيًا، خاصة أن لها محددات وشروطًا ومحاذير كثيرة، أهمها خضوع العمليات الإنتاجية والإدارية والفنية داخل مصانع الأدوية لنظم الجودة العالمية، مؤكدًا أهمية تدخل هيئة الدواء المصرية والجهات الرقابية لإعادة تأهيل المصانع المحلية.
وقال الدكتور تامر عصام، رئيس هيئة الدواء، إنَّ الهيئة هى التى تقوم بوضع السياسات والقواعد والنظم لكل ما يتعلق بتنظيم وتنفيذ ورقابة إنتاج وتداول المستحضرات والمستلزمات الطبية والمواد الخام، والتحقق من جودتها وفاعليتها ومأمونيتها فى إطار الرقابة على المنتجات المصرية.
وأضاف فى تصريحات سابقة، أنَّ الهيئة تؤسس قواعد المعلومات عن كل ما يخص سوق الدواء، وكذلك تنظيم ورقابة إنتاج كل هذه المواد وضمان جودتها، ووضع الضوابط والإجراءات التى تنظم فحصها، وعمليات الاستيراد والتصدير والتسجيل والتسعير والرقابة والتفتيش.
وأكد «عصام» أنَّ دور الهيئة يتكامل مع دور هيئة الشراء الموحد فى دعم مفهوم توطين صناعة الدواء، مشيرًا إلى أنه رغم حداثة ظهور الهيئتين، فإنهما قطعا العديد من الخطوات المهمة فى هذا المجال، إذ أصبحت الشركات العالمية مطمئنة على وجود بنية تحتية قوية بسبب الطفرة الهائلة التى تشهدها مصر الآن فى هذا المجال بحسب قوله.
وأوضح «عصام» نجاح الهيئة خلال الفترة الماضية فى تخفيض تكلفة الأدوية المستوردة من %38 إلى %28 ونستهدف سد الفجوة تمامًا عام 2024.
وأكد «عصام» أن سد الفجوة يعنى تغطية الأدوية المنتجة محليًا لجميع احتياجات السوق، وهو الأمر الذى يستتبع زيادة الصادرات بالضرورة، لأن إنتاج المستحضرات الحديثة يفتح أبوابًا جديدة للصادرات الدوائية المصرية، والدليل على ذلك أدوية الهرمونات التى كان الإنتاج فيها لا يغطى سوى %29 عام 2017، ثم زاد العام الماضى إلى %77 وفى العام الحالى ارتفع إلى %89.
وقال الدكتور مدحت الغباشي، مستشار رئيس الهيئة لشئون المعامل المرجعية والرقابية، إنَّ الدمج بين الدراسة الأكاديمية وظروف السوق أمر ضرورى ومتكامل، خاصة فى ظل الصعوبات التى تواجهها مراكز الأبحاث الخاصة داخل المصانع، لكونها غير قادرة على الوصول لنتائج بحثية تعالج مشكلاتها الصناعية، بسبب ضعف الإمكانيات الفنية أو التقنية.
وأضاف فى تصريحات لـ«المال» أن هناك آليات معتمدة يجب توافرها عند إجراء الأبحاث والدراسات لحل مشكلات المصانع، ما يحتم أن يعى الباحثون أهمية أن تكون الحلول المقدمة قابلة للتطبيق، خاصة أن الأبحاث الجامعية لا تكتمل وتتوقف عند مرحلة استنباط مواد فعالة، وعمل أبحاث عنها بغرض نشرها فى الدوريات البحثية، ولا يجرى تطويرها أو تحويلها لمنتجات نهائية قابلة للاستخدام الصناعي.
وقال أحد عمداء كلية الصيدلة بالقاهرة رفض ذكر اسمه، إنَّ ميزانية البحث العلمى بكل الكليات المصرية ضعيفة للغاية، وتلتهمها موازنة الأجور للعاملين بهذه الهيئات.
وأضاف، فى تصريحات خاصة لـ«المال» أهمية تفعيل قانون التجارب السريرية، معتبرًا أن القانون حبر على ورق، ولم يتم تفعيله، وتصدم محاولات الشركات لإجراء تجارب أمام رفض جهات لا يمكن الوصول لها أو التواصل معها.
وشدد على أهمية التعاون بين شركات الأدوية والجامعات فى مجال البحث العلمي، لربط البحث والابتكار بالأمراض الأكثر انتشارًا، وصياغة عقد موحد بغرض حماية الملكية الفكرية.
يذكر أن الدولة المصرية أنشأت مدينة الدواء على مساحة 180 ألف متر مربع، والهدف الرئيسى لها هو وضع مصر على خريطة العالم لتصنيع الخامات الدوائية التى يهيمن عليها عدد محدود من الدول.
ويهدف مشروع استراتيجية توطين صناعة الدواء إلى التوسع فى إنشاء وتطوير المراكز البحثية الطبية وتحفيز إنشاء الصناعات الدوائية وزيادة المكون المحلى، والتوجه نحو تصنيع الخامات الدوائية، خاصة أن هناك 152 مصنعًا فى مصر حاليًا، تنتج %85 من احتياجات السوق المحلية، ويجرى استيراد الـ%15 من الخارج.