فرص استثمارية واعدة، وملايين الدولارات يمكن أن تحققها مصر من الدخول فى عالم تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال NFT.. هكذا كان لسان حال مجموعة من أساتذة الجامعات والقانونيين والفنانيين التشكيلين خلال مائدة مستديرة نظمها المجلس الأعلى للثقافة منذ أيام بحضور «المال» تحت عنوان: «الفنون الرقمية وتقنية NFT»، وأدارتها كريستين عريضة، عضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس.
وأجمع المشاركون على أن مصر أمامها فرصة ذهبية لتوظيف تقنية NFT، التى تعتمد على تكنولوجيا البلوكتشين فى حفظ التراث التاريخى والفنى للأجيال المقبلة، وجلب عملة صعبة للبلاد، فضلًا عن دورها فى تنمية الاقتصاد الرقمى بمصر، فى إطار مواكبة التطور العالمى فى هذا المجال، إلا أن التطبيق يحتاج إلى ضوابط تنظم آلية العمل تحت إشراف الجهات المعنية فى مصر، مع السعى نحو تطوير عملة رقمية وطنية مقومة بغطاء نقدى يمكن الاستناد إليه.
وقالوا إن الفنون الرقمية تعد من أشهر استخدامات NFT عالميًا، إلا أنها لا تغنى عن الفنون التشكيلية التى تتميز بالبصمة البشرية الفريدة، متطرقين إلى أن أغلب الدول -وعلى رأسها الإمارات- أنشأت هيئة متخصصة لحماية الأصول الرقمية، خاصة أن مبيعاتها عبر الشبكة العنكوتية خلال الفترة الأخيرة أصبحت تصل إلى مرحلة الجنون الهيستيرى.
أكد زياد عبد التواب، مقرر لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس الأعلى للثقافة، أن مفهوم الرموز غير القابلة للاستبدال NFT جديد على مجتمع المعلومات المصرى، لكنه فرض نفسه بقوة خلال العامين الماضيين، خاصة على نشاط المعارض والفنون الرقمية، إلا أنه ما زال غامضًا بنسبة كبيرة -على حد تعبيره- مستشهدًا بإحدى الإحصائيات العالمية التى تؤكد أن %70 من المواطنين الأمريكيين ما زالوا لا يعرفون شيئًا عن مفهوم NFT.
وأوضح «عبد التواب» أن الفنون الرقمية تعتمد على استخدام تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لإنتاج أعمال فنية فى صورة واقعية أو ديجيتال، مثل اللوحات الفنية ومجسمات الهولوجرام، ويتم عرضها بعد ذلك فى معارض رقمية وبيعها باسم الفنان المنفذ لها.
ولفت إلى أن حجم مبيعات NFT خلال العام الماضى تجاوز مليارات الدولارات عالميًا، لدرجة أن جزءًا من عمليات البيع والشراء أصبح هيستيريًا، ويرتقى إلى حد الفقاعة، معتبرًا أن المسألة باتت تحكمها أبعاد استثمارية وتكنولوجية، ويتابعها مجموعة من المهتمين؛ لذلك يجب ألا تتأخر مصر فى اللحاق بهذا التطور العالمى.
وتابع أن إحدى القطع الفنية المرسومة باستخدام تقنية NFT سجلت مبيعات فى 2022 بقيمة بلغت 90 مليون دولار، عبر عملية طرحتها شركة ميرج وانضم إليها نحو 28 ألف مشتر، متسائلا عن كيفية قدرة مصر على الانتقال من الفنون التشكيلية التقليدية إلى العالم الرقمى تدريجيا.
واستطرد قائلًا: لا يوجد أى مانع أن يعمل الفنان التشكيلى بصورة تقليدية ورقمية فى آنٍ واحد، خاصة أن %75 من تعداد السكان فى مصر تحت 40 عامًا، منوهًا بأن تقنية NFT تحكمها مجموعة من المحاذير القانونية التى تضمن حمايتها فى نواحى الملكية الفكرية من الاختراقات.
وأوضحت كريستين عريضة، رئيس قطاع التخطيط الاستراتيجى بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، عضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس، أن الفنون الرقمية أصبحت من أشهر استخدامات تقنية NFT خلال العامين الماضيين، معتبرة أن حوار مجتمع المعلومات مع القانونيين بشأن التقنية الجديدة يستهدف تسليط الضوء على التحديات التى تواجه التطبيق والفرص الاستثمارية المتاحة فى هذا الصدد، خاصة أن العالم يعيش حاليًا عصر الرقمنة.
وقالت «كريستين» إن الفن الرقمى كان له أثر كبير على مراحل الإنتاج والعرض والاقتناء والبيع، وأيضًا تحديات الملكية الفكرية، خاصة أنه على صلة وثيقة بالعملات الرقمية المشفرة، فى الوقت ذاته تجرم بعض الدول استخدام تقنية NFT.
من جانبه، رأى الدكتور هيثم نوار، أستاذ الفنون الرقمية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، مؤسس مهرجان القاهرة الدولى للفنون الإلكترونية ووسائل الإعلام الجديدة (كايرو ترونيكا)، أن مفهوم فنون الوسائط الجديدة يعود جذوره إلى فترة الستينيات من القرن الماضى، ويضم كل الأدوات الرقمية أو التقليدية منذ ظهور صناعة السينما التجريبية وآليات التعامل مع الصور الثابتة، مرورًا بالرسوم المتحركة التجريبية، إلى أن ظهر مفهوم الفن الرقمى.
وأوضح أن مصر ما زالت تشهد خلطًا بين مفهوم الفن الرقمى والوسائط الجديدة NEW MEDIA خاصة أن التكنولوجيا الرقمية ليست بالضرورة تستخدم فى كل فنون الميديا، لافتًا إلى أن الدولة ممثلة فى نقاباتها المهنية مثل نقابة الفنون التشكيلية لا تعترف بالفنان الذى يستخدم التكنولوجيا فى مجال الفن غير معترف به مهنيًا حتى الآن.
وأردف أنه لا يوجد تخصص أكاديمى داخل الجامعات المصرية الحكومية يتناول إعلام الوسائط الجديدة أو الفنون الرقمية، ولكن شهدت السنوات الثلاث الماضية مبادرات محدودة من بعض الجامعات الخاصة والأهلية لإطلاق برامج دراسية فى هذا الصدد، مثل الجامعة الألمانية بالقاهرة التى يوجد بها تخصص أكاديمى يعرف باسم «ميديا ديزاين»، إضافة إلى جامعة مصر للمعلوماتية فى العاصمة الإدارية الجديدة، وطرحها برنامج الفنون الرقمية.
واعتبر أن الفنون الرقمية أسهل فى الوصول والتفاعل مع الجمهور المستهدف مقارنة بنظيراتها التقليدية مثل التصوير والرسم والحفر والطباعة خاصة مع توافر الأجهزة الذكية مثل الهواتف وشاشات التليفزيون الذكية.
فيما عرف الدكتور عمرو عوض الله، مؤسس شركة الخدمات السحابية كلاوديرا، تقنية NFT بأنها عبارة عن شهادة ملكية أصيلة تؤكد أحقية الرسام فى العمل الفنى عن طريق أجهزة حاسبات متصلة ببعضها البعض عبر شبكة الإنترنت، تقوم بالتصويت على كود القطعة الفنية، وتوقيع الفنان، على أن يتم الاعتراف بهذه الشهادة فى جميع أنحاء العالم.
ولفت «عوض الله» إلى أن بعض العلامات التجارية الشهيرة فى مجال الأزياء والموضة مثل جوتشى بدأت إنتاج حقائب ممهورة بشهادات NFT لإثبات أنها أصلية، وأصبحت الشهادات الورقية عديمة القيمة، معتبرًا أن الشهادات الرقمية يصعب تزويرها نهائيًا.
ورأى أن أغلب القطع الفنية التى تستخدم تكنولوجيا NFT تشهد تقييمًا مبالغًا غير مبرر، خاصة أنها تخضع لعمليات مزايدات، إلا أن الفترة الأخيرة تشهد موجة تصحيحية فى مستويات الأسعار المتداولة، مؤكدًا أن التقنية الجديدة ستنتقل إلى صناعات أخرى منها السيارات.
والتقطت «كريستين» أطراف الحديث مجددًا، لتطرح تساؤلًا حول قدرة مصر على تفعيل تقنية NFT عند افتتاح المتحف المصرى الكبير، وطرح هذه التكنولوجيا على إحدى القطع الأثرية، مثل تمثال الملك رمسيس، موضحة أنه يوجد حالة جدال واسعة حول جودة الأعمال الفنية المستخدمة للتقنية الحديثة عالميًا، إلا أن بعض المتاحف العالمية مثل المتحف البريطانى ومتحف نيويورك سيتى خصص مساحات لها.
فى سياق متصل، قالت الفنانة التشكيلية دينا فهمى الروبى، إنها أطلقت مايو الماضى أول معرض تحت اسم «أسطورة الـ 99» يجمع بين الفنون التشكيلية والرقمية، علمًا بأنه تم طرح 90 % من اللوحات الفنية المعتمدة على تقنية NFT باستخدام تكنولوجيا الميتافيرس، وترتكز على سرد أحداث الماضى فى الحضارة الأغريقية القديمة، منوهة بأن فكرة تنظيم المعرض ظهرت بعد دراسة متأنية لمدة عام.
واستنكرت «الروبي» دفع مئات الملايين من الدولارات فى شراء لوحات فنية تجريدية غير مفهومة لا تعبر عن محتوى حقيقى، لذلك قررت طرح لوحات رقمية أقل للفن تتلاءم مع أذواق الجمهور، مؤكدة أن مصر دولة رائدة فى عالم الفن منذ قديم الأزل، ويجب عليها مواكبة التطورات العالمية، داعية الفنانين المتعثرين فى بيع أعمالهم الفنية التوجه للعالم الافتراضى، واكتشاف آفاق جديدة فى الحركة الفنية خاصة أن تقنية NFT لن تسهم فى اختفاء قاعات العرض والمتاحف.
وقاطع «هيثم نوار» بمداخلة، مؤكدًا أن تقنية NFT تعنى بيع الفكرة وليس العمل الفنى بمفهوم التقليدية الذى يتكون من مجموعة عناصر، منها اللون والطبيعة الجمالية، ويتم تحويلها إلى كود، ومن ثم يمكن بيع تغريدة منسوبة لشخص ما – على سبيل المثال بمبالغ طائلة.
وتابع أن التحدى الأكبر الذى يواجه حاليًا المتاحف والجيريهات يتمثل فى كيفية استخدام الأدوات الرقمية فى الفنون بصورة مقننة.
فيما أكد الدكتور ماجد زاغو، مدير برامج التصميم المعمارى والعمارة الرقمية فى جامعة الجلالة، أن المشهد الحالى يتضمن وجود صراع بين مفاهيم العمارة التقليدية والرقمنة، وما يتبع ذلك من تصدير خبرات رقمية لأسواق منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا، لذلك قررت جامعة الجلالة تأسيس برنامج أكاديمى يرتكز على المزج بين التصميم المعمارى والعمارة الرقمية، التى لا تقتصر على نماذج التصميم ثلاثية الأبعاد 3D MODELS أو إعداد قواعد بيانات عن المبانى فقط بل توظيف الحاسبات كأداة فى اتخاذ القرار داخل مواقع التشييد والبناء.
ولفت «زاغو» إلى أن مشروع زد فى مدينة الشيخ زايد تم تنفيذه دون أى رسومات هندسية ورقية، الأمر الذى يُمثل نقلة نوعية فى القطاع العقارى بمصر على صعيد إدارة المبانى وترشيد استهلاك الطاقة، معتبرًا أن سرقة الأفكار المعمارية باتت أمرًا شائعًا خلال الفترة الأخيرة، مع انتشار تقنيات الواقع الافتراضى وتعدد استخدامات الروبوتات.
وأكد أن جامعة الجلالة نفذت مشروع أرشفة لأكبر المهندسيين المعماريين فى مصر، وتم تحويل جزء من أعمال كبير المعماريين فى مصر حسن فتحى مؤخرًا إلى صورة رقمية، مشيرًا إلى أن كل الجامعات الأمريكية بعد جائحة فيروس كورونا بدأت تنظيم OPEN HOUSE كبديل عن الجاليرى ترتكز على متابعة مشروعات الطلاب افتراضيًا وتحكيم الأفكار المقدمة عن بعد ومن ثم خلق ميزة تنافسية جديدة، إلا أن ذلك أثر على التواصل المباشر بين الطلاب وأساتذة الجامعات.
وعقبت الدكتورة سهير عثمان، مقرر لجنة الفنون التشكيلية والعمارة بالمجلس الأعلى للثقافة، قائلة: يجب التمييز بين العمل الفنى الرقمى والعمل الفنى اليدوى، خاصة أن الأخير ليس له مثيل عالميًا، فالبصمة البشرية لا توجد فى أى جهاز إلكترونى – على حد وصفها.
ولفتت إلى أن المجلس يضم 24 لجنة لكل منها أهداف محددة، موضحًا أن التعاون بين اللجان يخلق بدوره نتائج إيجابية على صعيد مؤتمرات أو موائد مستديرة، أو تنظيم أى فعاليات مشتركة ويصدر توصيات يمكن متابعتها.
وقالت سوزان العقباوى، رئيس قسم تشريعات حماية البيانات بمكتب معتوق بسيونى حناوى للمحاماة، إن العالم يعانى عدم وجود تكييف قانونى لمفهوم NFT حيث لا يمكن الجزم بكونه أصلًا رقميًا أم شهادة إثبات ملكية، مؤكدًا أن الفضاء المعلوماتى يحتاج إلى تشريعات لتنظيم المعاملات المالية المنفذة بواسطة هذه التقنية.
واعتبرت «العقباوي» أن التحدى الأكبر الذى يواجه عمل تقنية NFT يتمثل فى كيفية حساب الضرائب ومكافحة عمليات غسيل الأموال وتحديد القوانين الدولية الأجدر بالتطبيق، خاصة أن المعاملات تنفذ على نطاق واسع دوليًا، فضلًا عن قواعد حماية الملكية الفكرية.
وأوضحت أنه يمكن إثبات حقوق الملكية الفكرية لأى فنون رقمية عبر طريقيتين أولهما بالمبادئ القانونية المتعارف عليها، عبر ضمان حقوق الفنان المادية فى منح تراخيص للقائم على أعمال ميكنة أعماله، بينما تتمثل الطريقة الثانية فى مفهوم العقود الذكية التى تهدف إلى تقنين كل العلاقات فى الوسط الفنى.
والتقطت «كريستين» مرة أخرى أطراف الحديث، موضحة أن الإمارات أنشأت هيئة لحماية الأصول الرقمية، وأصدرت القانون رقم 4 لسنة 2022 لتنظيم ذلك الأمر تحت اسم VIRTUAL ASSETS LAW، ما يعنى تحركات سريعة من قبل الدول لمواكبة التطور.
وشدد الدكتور محمد حجازى، الرئيس السابق لجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات، المستشار القاونى لغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات CIT بالاتحاد العام للصناعات، على أهمية تبنى رؤية شاملة لمفهوم الاقتصاد الرقمى فى مصر دون إطلاق شعارات بارقة بدون تنفيذ، لافتًا إلى أهمية تغيير العقلية المصرية بأهمية قبول التكنولوجيا كأداة للتغيير، خاصة أن القواعد القانونية جامدة وصعب تطويره من آن لآخر.
وأوضح «حجازي» أن حقوق الملكية الفكرية فى الفنون الرقمية تثير عدة تساؤلات: منها هل يتم دفع سعر اللوحة الفنية كمصنف فنى أم فكرة اللوحة ذاتها، مؤكدًا أن كل قوانين الملكية الفكرية فى العالم لا تحمى الفكرة ولكن العمل ذاته.
وتساءل عن ضمانات التزام الأعمال الفنية المعتمدة على تقنية NFT بقوانين حقوق الملكية الفكرية من عدمه، لافتًا إلى أن المسألة تزداد صعوبة إذ كانت هذه الأعمال ترتكز أيضًا على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى.
ورأى أن هناك إشكالية أخرى تواجه هذه التقنية، تتمثل فى الاختصاص القضائى، بمعنى إذا رغب فنان – على سبيل المثال فى بيع لوحة داخل دول أخرى هل يقوم بتنفيذ العملية على اللوحة الأصلية ذاتها أم نسخة من الصور المطبق عليها تقنية NFT ، مستشهدًا بحكم قضائى أصدرته محكمة الإنترنت فى الصين منذ أيام تؤكد أن اللوحة الفنية الموقعة برمز كودى ليس بالضرورة أن تكون ملتزمة بمبادئ الملكية الفكرية.
وأكد أن الملف الشائك أيضًا يتمثل فى مسئولية مقدمى هذه الخدمات، ومدى قدرة الدولة على إنفاذ قوانينها على المنصات المتخصصة وإجبارها على حذف محتوى مخالف لحقوق الملكية الفكرية، مبينًا أن تقنية NFT والفنون الرقمية ذات علاقة وثيقة بالعملات المشفرة، إلا أن ذلك لا يتطلب من الحكومة المصرية أهمية الاعتراف بعملة البيتكوين، ولكن يمكن البحث عن عملة رقمية وطنية مقومة بغطاء نقدى يمكن الاستناد إليه عند الضرورة.
فيما عقب أشرف صلاح الدين، مستشار التحول الرقمى، عضو رابطة العلماء المصريين فى أمريكا وكندا قائلًا: أعلنت حكومة كوريا الجنوبية عن بناء نموذج مشابه تمامًا للعاصمة سيول فى العالم الافتراضى باستخدام تكنولوجيا الميتافيرس وسيتم طرحها خلال يوليو المقبل.
كما قامت اليونان أيضًا بتفعيل التقنية ذاتها داخل المعبد الرومانى فى مدينة أثنيا لتسليط الضوء على أعمال البناء والتشييد والعمال، وعندما تم عرض هذه الأفكار على الجهات المعنية فى مصر قوبلت بالرفض.