لجأت بكين مجددا إلى البنوك المملوكة للدولة، للمساعدة في إنقاذ اقتصاد الصين الذي يتعرّض لضغوط، إذ أمرت هذه البنوك بتقديم 800 مليار يوان (120 مليار دولار) لتمويل مشروعات البنية التحتية.
يمكن لهذا التحفيز الذي أُعلن عنه في اجتماع لمجلس الدولة برئاسة رئيس مجلس الدولة، لي كه تشيانغ، أن يساعد في تمويل جزء كبير من تكاليف البنية التحتية هذا العام، ويوفّر نوعاً من الراحة للحكومات المحلية التي تعاني من تراجع الإيرادات.
تمويل مشروعات البنية التحتية
دعا الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى بذل جهد شامل لتعزيز البنية التحتية هذا العام، فقد لجأ إلى قواعد اللعبة القديمة لدفع النمو، من خلال الاستثمار العام، بعدما ثبت أنَّ تمويل الإنفاق الإضافي صعب، في أعقاب انخفاض مبيعات الأراضي، وتفشي وباء “كوفيد” الذي أضر بالإيرادات الحكومية.
تعليقاً على الموضوع؛ قال دينغ شوانغ، كبير الاقتصاديين للصين الكبرى وشمال آسيا في “ستاندرد تشارترد”: “نعتقد أنَّ المكوّنات الرئيسية الثلاثة للاستثمار – المشروعات، والتمويل، والحوافز – أصبحت كلها في مكانها الصحيح هذا العام؛ إضافة إلى أنَّ القروض الإضافية البالغة 800 مليار يوان من بنوك السياسة، ستساعد على سد فجوة التمويل إن وجدت”.
يتوقَّع بنك “ستاندرد تشارترد” أن ينمو الاستثمار في البنية التحتية بنسبة تتراوح بين 10% و15% هذا العام، رغم أنَّ ذلك قد لا يكون كافياً لتعويض آثار الرياح المعاكسة التي تواجه النمو الاقتصادي، مع الإشارة إلى أنَّ “بلومبرغ إيكونوميكس” قدّرت حجم إنفاق الصين على البنية التحتية في عام 2021، بنحو 23 تريليون يوان.
مخاوف الانكماش
تزايدت دعوات بكين من أجل تنفيذ أسرع لسياسات تعزيز النمو، منذ أن أظهرت البيانات الرسمية أنَّ النشاط الاقتصادي انكمش في أبريل، في وقت ارتفعت فيه البطالة بشكل حاد. وتشير المؤشرات عالية التردد إلى استمرار الانخفاض في مايو، مما دفع لي إلى التحذير الأسبوع الماضي من مخاطر الانكماش المحتمل على أساس سنوي خلال الربع الثاني.
علاوة ًعلى ذلك، تُقدّر شركة “نومورا هولدينغز” وجود فجوة تمويلية لدى الحكومة، تبلغ 6 تريليونات يوان هذا العام، ناجمة في جزء منها عن الانكماش الحاد في إيرادات مبيعات الأراضي، والتي تعتبر مصدراً رئيسياً لتمويل استثمارات البنية التحتية من قبل الحكومات المحلية، وكتب الاقتصاديون بقيادة لو تينغ في مذكرة أنَّ التمويل البالغ 800 مليار يوان الذي أعلنه مجلس الدولة، يُمثّل ما يقرب من نصف الإقراض الجديد من بنوك السياسة في عام 2021، والبالغ 1.65 تريليون يوان.
البحث عن الدعم
تشمل بنوك السياسة المقرضة في الصين “بنك التنمية الصيني” ، و”بنك التنمية الزراعية الصيني” ، و”بنك التصدير والاستيراد الصيني”، وهي تعتبر عوامل استقرار رئيسية للاقتصاد، وغالباً ما يتم استدعاؤها لتقديم الدعم التمويلي للمشروعات الكبيرة، بما في ذلك البنية التحتية.
ففي عام 2014، على سبيل المثال، طُلِب من بنوك السياسة المساعدة بتوفير التمويل لمشروعات تجديد مدن الصفيح في البلاد. كما تم حثها على زيادة تمويل المشروعات الاستثمارية الكبرى في وقت سابق من هذا العام، كجزء من جهود الصين الأوسع لدعم الشركات التي تضرّرت من فيروس “كوفيد”.
لم يذكر مجلس الدولة في إعلانه الأخير كيف ستموّل بنوك السياسة الإقراض، حيث يأتي المصدر الرئيسي لأموال بنوك التنمية من إصدار السندات أو القروض من البنك المركزي الصيني.
كذلك، قد تكون البنوك قادرة على جمع الأموال عن طريق بيع السندات – من المحتمل أن تكون طويلة الأجل بحيث تصل إلى خمسة أو عشرة أعوام أو عشرين عاماً – لتمويل التوسع في الائتمان، وفقاً لخبراء اقتصاديين من “نومورا”، و”ناتويست غروب”، و”مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية”.
قال ليو بيكيان، كبير اقتصاديي الصين في “ناتويست غروب”، إنَّ “بنك الصين الشعبي” يمكن أن يخفّض نسبة متطلّبات الاحتياطي، أو مقدار الأموال التي يتعيّن على البنوك الاحتفاظ بها في الاحتياطي، بمقدار 50 نقطة أساس أخرى لدعم السوق المالية بالسيولة.
السندات الخاصة
كما يمكن للتمويل الذي تقوده بنوك السياسة أن يخفف الضغط على الحكومة لتكثيف الاقتراض بطرق أخرى، مثل بيع السندات السيادية الخاصة.
في هذا الصدد، قال بروس بانغ، رئيس البحوث الكلية والاستراتيجية في شركة “تشاينا رينيسانس سيكيوريتيز هونغ كونع”: “أدى ذلك إلى حد ما إلى تقليل احتمالية إصدار سندات حكومية محلية خاصة إضافية، أو سندات سيادية خاصة”. وقد دعا بعضهم إلى هذه السندات الخاصة كوسيلة للدفع مقابل التحفيز الإضافي لتعزيز الاقتصاد، لكنَّها ستكون أيضاً مخاطرة، مما يشكّل إضافة جديدة إلى الدين الوطني المتزايد بالفعل.
رغم التحفيز، ستعتمد توقُّعات النمو في الصين على كيفية إدارة الحكومة لتفشي “كوفيد” في المستقبل، إذ يتوقَّع الاقتصاديون نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% هذا العام، وهو أقل بكثير من هدف الحكومة البالغ 5.5%، في حين تتوقَّع بعض البنوك مثل “نومورا” نمواً ضعيفاً يصل إلى 3.9%.
في الواقع، خفّت حالات “كوفيد” في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى تخفيف الإغلاق في شنغهاي. ومع ذلك؛ فإنَّ سياسة الحكومة الصارمة القائمة على “صفر كوفيد”، والتي تتطلّب قيوداً على النشاط أينما يحدث أي انتشار للفيروس؛ تعني أنَّ الاستهلاك من المرجح أن يظل مكبوتاً.
كتب آلان فون ميهرين، اقتصادي الصين في “بنك دانكسه إيه / إس” ، في مذكرة: “كان إغلاق شنغهاي أمراً استثنائياً حتى الآن، ولكنْ كحد أدنى، يجب أن نتوقَّع المزيد من تفشي الفيروس، والذي يتطلّب مستوى معيناً من القيود”.