خفض معهد التمويل الدولى IIF النمو المتوقع لاقتصاد الصين إلى %3.5 خلال العام الحالى من أكثر من %5.1 التى كان أعلنها فى بداية يناير الماضى، بعد أن انتشر فى بر الصين الرئيسى، خاصة فى المركز الصناعى شنغهاى والعاصمة بكين عشرات الآلاف من الإصابات الجديدة بفيروس كورونا منذ مطلع مارس الماضى ليعود وباء كوفيد19 بقوة فى أنحاء البلاد.
وجاء فى تقرير معهد IIF الصادر هذا الشهر أن الصين تشهد حاليا أسوأ ارتفاع فى حالات الإصابة بالفيروس منذ بدايات ظهور الجائحة فى نهاية 2019 مما دفع السلطات المحلية إلى إعلان الإغلاق الشامل والجزئى فى أكثر من 13 مدينة و12 مقاطعة، وهو ما يهدد الطلب المحلى بالانكماش وانخفاض حجم صادرات الصين وضعف النمو الاقتصادى، خاصة مع العقوبات الهائلة على روسيا بسبب استمرار غزوها لجارتها أوكرنيا.
وتثير الموجة الحالية من تفشى متحور أوميكرون الشديد العدوى مخاوف سلطات بكين من تداعيات الإغلاقات المتشددة التى شلت مدينة شنغهاى التى تضم 25 مليون نسمة والعاصمة بكين التى يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة وغيرها من المدت الأخرى مما سيمنع الحكومة من تحقيق نسبة النمو الاقتصادى التى تم تحديدها رسميا لهذا العام عند %5.5.
ضعف الطلب على البترول
وتؤثر مخاوف عمليات الإغلاق فى الصين على الطلب على النفط، خاصة أن الصين أكبر مستورد للبترول فى العالم، وتستهلك منطقة شنغهاى التى بلغ عدد الإصابات بها حوالى 30 ألف حالة ما يقرب من %4 من النفط الخام للبلاد، ولكن إجراءات كورونا فى شنغهاى تعكس عزم الصين على القضاء على سلاسل نقل الفيروس، ولكنها تهدد فى نفس الوقت السياحة وتؤثر على سلاسل الإمدادات فى جميع القطاعات الصناعية وخصوصا السيارات والأجهزة الإلكترونية.
وسجل نشاط المصانع فى الصين انكماشا واضحا خلال الشهر الماضى، بسبب الإغلاقات المفروضة على نطاق واسع لمكافحة كوفيد- 19 والتى أدت إلى وقف الإنتاج الصناعى وتعطل سلاسل التوريد، مما يثير مخاوف من حدوث تباطؤ اقتصادى حاد فى الربع الحالى مما سيؤثر على النمو العالمى.
هبوط مؤشر مدراء المشتريات
وأعلن المكتب الوطنى للإحصاء هذا الأسبوع أن مؤشر مديرى المشتريات الرسمى للقطاع التصنيعى انخفض إلى 47.4 نقطة فى أبريل من 49.5 فى مارس فى انكماش للشهر الثانى على التوالى، ليسجل بذلك المستوى الأدنى منذ فبراير من عام الوباء.
وكان استطلاع لـ”رويترز” قد توقع تراجع مؤشر مديرى المشتريات إلى 48 نقطة، وهو ما يقل كثيرا عن مستوى 50 نقطة الذى يفصل بين الانكماش والنمو وتقدم قراءة مؤشر مديرى المشتريات، جنبا إلى جنب مع تراجع أكثر حدة فى الخدمات، المؤشرات الأولى على أداء الاقتصاد الذى يعصف به توسيع قيود مكافحة كوفيد – 19.
وتشهد العشرات من المدن الصينية الرئيسية فى حالة إغلاق كامل أو جزئى بسبب سياسة مكافحة فيروس كورونا الصارمة ومع بقاء مئات الملايين عالقين فى منازلهم، يتعرض الاستهلاك لضربة شديدة، مما دفع مزيدا من المحللين إلى خفض توقعات النمو لثانى لأكبر اقتصاد فى العالم كما تراجع المؤشر الفرعى للإنتاج إلى 44.4 نقطة فى أبريل من 49.5 فى الشهر السابق، بينما تراجعت الطلبيات الجديدة إلى 42.6 من 48.8 فى مارس، وفقا للمكتب الوطنى للإحصاء.
استراتيجية صفر كورونا
ويشكك الباحثون فى الصين من جدوى السياسة التى تطبقها سلطات بكين والتى تعرف باستراتيجية “صفر إصابات بفيروس كورونا” والتى تتمثل فى اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الإصابات وانتشارها، والتى أدت إلى عزل عشرات آلاف الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس فى مراكز مخصصة أو بالمستشفيات وفرض إغلاقات وقيود مشددة فى كبرى المدن.
وأكد المحللون فى المعهد أن خفض النمو المتوقع للناتج المحلى الإجمالى للصين ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولايات المتحدة يزيد من تفاقم الركود العالمى الذى يعانى أصلا من وباء كورونا الذى يدخل عامه الثالث، فى أوروبا التى تواجه مخاطر ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الخام من المعادن الصناعية والمحاصيل الزراعية بسبب الحرب الروسية فى أوكرانيا التى بدأت منذ 24 فبراير الماضى وحتى الآن ولا يعرف أحد متى تنتهى.
تقلبات حادة
وتشهد الأسواق المالية العالمية اضطرابات حادة من جراء المخاوف بخصوص رفع أسعار الفائدة الأمريكية التى أدت إلى ارتفاع التضخم فى العالم وتهدد نمو الاقتصاد فى العالم، علاوة على أن إجراءات الإغلاقات بسبب كوفيد- 19 فى الصين تضر باقتصاد الصين التى تقود عادة قاطرة النمو على مستوى العالم.
وأدى رفع مجلس الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكي) لمعدل الفائدة بنسبة %0.5 والتى تعد الأكبر من نوعها منذ بداية الألفية الحالية إلى هبوط مؤشرات البورصات الأوروبية والأمريكية خلال الأسبوع الماضى، وتزايد المخاوف من ضعف نمو الاقتصاد العالمى والقلق بخصوص نقص معروض النفط الروسى بسبب تشديد الاتحاد الأوروبى للعقوبات على موسكو.
وساهم ارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر فى زيادة معدل التضخم فى أوروبا خلال شهر أبريل الماضى، وبلغ معدل التضخم الرئيسى فى منطقة اليورو المكونة من 19 دولة أكثر من %7.5 فى أبريل بسبب حظر تصدير روسيا لجميع موادها وسلعها ومنتجاتها نتيجة غزو جارتها أكرانيا مما أدى لارتفاع أسعار الطاقة بنسبة %38 فى أبريل للشهر السادس على التوالى على أساس سنوى، مقارنة بارتفاع %44.4 فى مارس ويأتى تفاقم التضخم وسط مخاوف بشأن الحرب المستمرة فى أوكرانيا والتأثير اللاحق على إمدادات الطاقة فى أوروبا وضعف نمو اقتصادها.
هبوط الصادرات
وأظهرت بيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للجمارك الصينية أن نمو صادرات الصين هبط إلى حوالى %3.9 فى أبريل الماضى بسبب انتشار جائحة كورونا ليسجل أدنى مستوى منذ عام الوباء فى 2020 بالمقارنة مع %14.7 فى مارس من هذا العام بسبب انتشار الإغلاقات والقيود المتشددة فى العديد من المدن الصينية.
وانخفضت الصادرات الصينية إلى روسيا فى أبريل الماضى للشهر الثانى فى ظل معاناة موسكو من عقوبات اقتصادية، بينما ارتفعت الشحنات الروسية إلى الصين مما يخفف من الخسائر على الشركات الروسية المتضررة بشدة من الحرب فى أوكرانيا والتى تواجه عزلة اقتصادية دولية.
وانخفضت الشحنات الصينية المتجهة إلى روسيا بنسبة %25.9 فى أبريل مقارنة بنفس الشهر من العام الماضى ليتفاقم التراجع الذى كان بنسبة %7.7 فى فبراير، بينما ارتفعت الواردات من روسيا بنسبة %56.6 فى أبريل بزيادة قدرها %26.4 فى مارس، خاصة أن روسيا من أهم الدول التى تصدر البترول والغاز الطبيعى والفحم والمعادن الصناعية والسلع الزراعية للصين ولكن بعض الشركات الصينية تعلق مبيعاتها فى روسيا خوفا من العقوبات الغربية.
توقف الشحن
وكانت سلطات شنغهاى أكبر ميناء للحاويات فى العالم فرضت إغلاقًا مفاجئًا لسكان المدينة بعد أن كشفت الاختبارات الجماعية عن إصابات واسعة النطاق بكورونا مما جعل السفن تبقى منتظرة مدة طويلة فى انتظار تفريغ حمولتها وأدى إلى تكديس آلاف حاويات الشحن فى الميناء فى كابوس مشابه لما شهده الساحل الغربى للولايات المتحدة العام الماضى.
ويدق نقص سلاسل التوريدات المتعثرة فى شنغهاى ومدن أخرى ناقوس الخطر بخصوص التداعيات الملاتقبة على الاقتصاد العالمى والتضخم وأدت القيود فى شنغهاى إلى قيام البنوك الاستثمارية الكبرى بإعادة تقييم توقعاتها للنمو الاقتصادى فى الصين ومنها بنك UBS السويسرى الذى يرى الآن أن الناتج المحلى الإجمالى الصينى ينمو بنسبة %4.2 فقط هذا العام، انخفاضًا من %5، وسط الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن عمليات الإغلاق.
وكتب مارك هيفيل، كبير مسؤولى الاستثمار فى إدارة الثروات العالمية فى بنك UBS أن قيود التجارة، واختناقات النقل، واستمرار سياسة كورونا الصارمة الحالية تشكل مخاطر على المدى القريب للنمو، كما خفض صندوق النقد الدولى توقعات نمو الاقتصاد العالمى بنسبة %0.8 إلى %3.6 وتوقعاته لنمو اقتصاد أمريكا ومنطقة اليورو خلال 2022 بنسبة %0.8 و%0.3 إلى %3.7 و%2.8 على التوالى.
تفاؤل المحللين
وتتوقع الجمعية الصينية لإدارة الأصول أن نمو اقتصاد الصين لن يتباطأ كثيرا هذا العام بفضل قوة شركاتها المحلية وضخامة حجم المستهلكين، خاصة أن الأصول الخاضعة لإدارة صناديق الاكتتاب العام فى الصين وصلت إلى 25.08 تريليون يوان (حوالى 3.78 تريليون دولار أمريكي) حتى نهاية مارس الماضى، وإن كانت تراجعت قليلا بنسبة %4.78 عما كان عليه فى نهاية فبراير الماضى حيث أن الصين لديها إجمالى 138 شركة لإدارة الأصول حتى نهاية مارس الماضى منها 45 شركة ذات استثمار أجنبى و 93 شركة محلية.
وأشار يو هونج خبير الباحثين فى معهد شرق آسيا التابع لجامعة سنغافورة الوطنية إلى أن اقتصاد الصين لا يزال مرنا ويمتلك الأساسيات الصحية للنمو رغم الضغوطات الهبوطية الحالية ومنها الانتشار الأخير للمتحور أوميكرون فى بعض المدن الصينية والذى أدى إلى حد ما إلى خفض الاستهلاك المحلى على المدى القصير وفرض الصراع الروسى الأوكرانى الجارى والتى تشكل مع ذلك تحديات خطيرة كبيرة للنمو الاقتصادى الصينى.
ولكن العوامل التى تدعم النمو الاقتصادى الصينى لم تتغير على المدى الطويل لأن الصين تتمتع بأراضى شاسعة وموارد وفيرة كما توجد مناطق مختلفة فى مراحل متفاونة من التنمية ولا يزال هناك مجال واسع للتنمية الاقتصادية فى ضوء الفجوات التنموية بين المناطق المختلفة فى الصين بحسب هونج الذى أكد أن الصين لديها نظام كامل للصناعة التحويلية وبنية تحتية قوية وبيئة أعمال تتحسن تدريجيا، مما يضمن استمرارها كنقطة جذب قوية للاستثمار الأجنبى، علاوة على أن قيمة واردات وصادرات الصين فى الربع الأول من هذا العام سجلت ارتفاعا بنسبة %10.7 لتحقق نموها الإيجابى للفصل السابع على التوالى وهذا يعنى استمرار حيوية التجارة الخارجية والقدرة الهائلة للصناعة التحويلية مما يؤكد استقرار الأداء الاقتصادى لحكومة بكين.
تدابير مبتكرة
واتخذت سلطات بكين مؤخرا سلسلة من التدابير المبتكرة لمساعدة الشركات على تجاوز الأوقات الصعبة الحالية، ومنها منح خدمات مالية مواتية باتجاه اقتصاد حقيقى، من أجل الحفاظ على التوظيف ومعيشة الناس وأصدرت لائحة توجيهية لتسريع إنشاء سوق محلية موحدة وسط جهودها لبناء نظام سوق عالية المستوى وتعزيز التنمية عالية الجودة وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبى من خلال تحسين بيئة الأعمال وتضييق الفجوات التنموية بين المناطق وتحقيق تنمية شاملة أكثر توازنا.
وأظهرت بيانات من وزارة النقل الصينية أن الاستثمار الصينى فى البنية التحتية للطرق البرية والممرات المائية ارتفع بنسبة %11.4 فى الربع الأول من العام الجارى ليصل إلى 512 مليار يوان (حوالى 78.88 مليار دولار أمريكي).
ويرى ليانج قوه يونج، كبير الاقتصاديين فى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية – الأونكتاد – أنه يمكن للاقتصاد الصينى بما يتمتع به من مزايا هائلة فى التصنيع والرقمنة والبنية التحتية والصادرات، التعامل بفعالية مع الصدمات الداخلية والخارجية ومواجهة التحديات ومن المتوقع أن تساعد السياسة النقدية للصين فى الحفاظ على النمو المستقر فى عام 2022 برغم تفاقم المخاطر المتعددة، مثل الصراعات العسكرية والوباء والتضخم واضطرابات الإمدادات وتقلبات السوق.
نمو مرتفع
وأصدر المكتب الوطنى للإحصاء بيانا مؤخرا أكد فيه أن الناتج المحلى الإجمالى للصين سجل نموا بنسبة %4.8 فى الربع الأول من هذا العام ليصل إلى 27.02 تريليون يوان (حوالى 4.24 تريليون دولار أمريكي) بزيادة عن الربع الأخير من العام الماضى الذى شهد نموا عند %4 وتمكنت حكومة بكين من تحقيق مثل هذا المعدل من النمو رغم التحديات العالمية والمحلية لأن الحكومة الصينية احتفظت بما يكفى من أدوات السياسة الاقتصادية وتدابير التكيف الكلى لضمان التشغيل السلس لاقتصادها القوى الذى تفوق على نسبة نمو %4.2 الربع الماضى بناء على توقعات المحللين.
وأوضح المحللون أن الصين قادرة على مواصلة المساهمة فى الاقتصاد العالمى بفضل عدة موامل منها مبادرة الحزام والطريق التى خصصت لها 25 مليار دولار واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة أكبر اتفاقية تجارة حرة فى العالم حتى الآن والتى تضم الدول العشر الأعضاء فى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وشركائها الخمسة فى اتفاقية التجارة الحرة وهى الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا وتمثل بلدان اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة ما يقرب من %30 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى.